شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    كان طفلا يرعى الغنم فانفجر به لغم حوثي.. شاهد البطل الذي رفع العلم وصور الرئيس العليمي بيديه المبتورتين يروي قصته    لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم.. رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    وزير الشباب والرياضة يبحث مع المعهد الديمقراطي الأمريكي (NDI) تعزيز العلاقة بين الجانبين    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    الرواية الحوثية بشأن وفاة وإصابة 8 مغتربين في حادث انقلاب سيارة من منحدر على طريق صنعاء الحديدة    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    غارسيا يتحدث عن مستقبله    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام الجبهة في شرعب..حكايا بلون الدم ورائحة البارود
من «هيجة رهيد» اطلق الضحايا شهقتهم الأخيرة:في «اللفج» سقط أول الضحايا وآخرهم
نشر في الجمهورية يوم 22 - 05 - 2009

حق على الداخل عبر بوابة شرعب الجنوبية أن يعلن تشاؤمه ليس من الاسم..ولكن من «المقلب المحرقة»..حيث تتجمع أوساخ مدينة مثيرة هالة دخانية قاتمة.. مصحوبة برائحة عفنة تكتم الأنفاس..وعندما رأيت أسراب «النسور والغربان» تحلّق في تلك الأجواء الملوثة تسلل إلى نفسي شيء من الخوف فتلك الطيور أيضاً تحلق فوق جثث الضحايا.. تجاوزنا المقلب واجتازت السيارة بنا سفوح شرعب..فاستقبلتنا هالة منعشة من السكون ممزوجة برائحة البن واريج الحقول..حينها قلت لرفقاء الرحلة: يبدو أن محرقة النفايات تلك عُملت خصيصاً كي تحرس شرعب من شر كل حاسد وربما معتد.. من الخطوة الأولى كان هدفي استقراء جزء من تاريخ شرعب غير البعيد..والمخبوء في ذاكرة المكان قبل الإنسان.. من الخطوة الأولى أصبح قريباً جداً وفي مفرق «الرعينة» تذكرت آخر الحكايا قبل عام كتبتُ تفاصيلها حين قام متهور بارتكاب مجزرة..أسبابها بقية من ثارات الجبهة. باتجاه الرونة حيث الإسفلت أبى أن يكمل مسيره..يمضي بنا عبدالله علي العبيدي بسيارته «الحبة» عبدالله هو أحد أعضاء المجلس المحلي بالمديرية...لم يبخل لحظة في تسهيل مهمتي...ورغم إنشغاله بالقيادة لم تتوقف «سبابته» بالإشارة يمنة ويسرة وفوق وتحت وقد كانت أغلب قمم جبال وهضاب شرعب خالصة لمليشيات الجبهة هب اليها الرفاق من كل حدب وصوب مسطرين عليها صفحات من النزق المسلح..» مع اقترابنا من مركز المديرية استثنى عبدالله قمة جبل «الحريم» «حامية الرونة» مركز المديرية من الظهر فقد كانت عصية على عناصر الجبهة من الشرارة الأولى وحتى آخر طلقة. طوال الرحلة وعبدالله يريد أن يقنعني أن تلك الصفحة انطوت وانتهت بكل سلبياتها..فجهود الرئيس علي عبدالله صالح حسب وصفه كانت مثمرة فقد استطاع «الرجل» وفي ظل أوضاع مهترئة تموج بالانقسامات والتجاذبات تحقيق انتصارات سياسية وعسكرية في الميدان أحتوى من خلالها كل الأطراف وأسس المؤتمر الشعبي العام الذي كان آنذاك بلسم المصالحة الوطنية الحقيقية لليمن.. ذاكرة مكان اجتزنا مركز المديرية بكثير..ووطأت أقدامنا أعلى قمة في هيجة «قبير أعلى» وشرعب من كل الاتجاهات تحاصرنا تبوح بتألقها..قراها معلقة فوق الجبال والمنحدرات وممتدة بمحاذاة بطون الأودية..مآثر ماضيها الجبهوي عالق في كل شيء فعلى امتداد البصر شمالاً تبدو قمة جبل رهيد المرتفع الشاهق...قال فيها الضحايا شهقتهم الأخيرة وانصرفوا رل» غير رجعة.. «عزلة بن مرير» تحتضن القمة وفي الأسفل القريب يبدو بيت موحش شقه الأيمن مبتور بفعل ضربات المدفعية..تفحصته عن قرب وكأنه قصف البارحة..نزلت المفاجأة علي كالصاعقة حين وجدته مفعماً بالسكنى لم يكلف الشيخ العجوز «عبدالحميد حمود» صاحبه مشقة الترميم وكأنه لا يريد لتلك الأحداث أن تغيب عن الذاكرة. غدر الرفاق خنادق ومتارس الجبهة أغلبها حتى اللحظة قائمة تطالعك في الشعاب المهجورة تحكي بنبرة أسى مشاهد القنص والترصد...أمام أحد الخنادق يتذكر عبدالجليل العبيدي أحد عدول المنطقة تفاصيل نوبات الحراسة وكيف غدر به الرفاق.. يقول العبيدي لم أكن في تلك الفترة مع الجبهة فقد كنت مؤطراً في حزب البعث ولكن عندما وجدت أن أكثر من 80% من شرعب تحت أيديهم انضممت إليهم..كنت حينها شخصاً غير مرغوب فقد كانوا يعتقدون أني جاسوس للسلطة ولم يعطوني حتى سلاحاً، البندق بندقي والرصاص من بيتي وقد اشتركت في عدة نوبات حراسة وفي إحدى الليالي وفي هذا الخندق غدرو بي من الخلف وقد نجوت بأعجوبة من موت محقق..» ويضيف العبيدي: كانت شرعب أشبه بدولة مستقلة بيد الجبهة وأتذكر جيداً عندما قام أحد قادتهم ويدعى قائد سيف عبده سرحان ومعه500 فرد من عناصر الجبهة وفي عصر يوم رمضاني تجول في أغلب مناطق شرعب دون أن يعترض طريقه أحد وقد كنت يومها في سوق الأحد وقد هالني منظر مرورهم هناك وترديدهم الزوامل.. التاريخ للعبرة صادف لحظة وجودي في قمة «قبير أعلى» وصول مدير عام المديرية ورئيس مجلسها المحلي أحمد محمود أبوخليل في زيارة عمل تفقد من خلالها سير العمل في مشروع توصيل الماء من سفح الجبل وعبر مرتفع سحيق إلى تلك القمة التي أنشأ فيها خزان كبير سيمد تلك المنطقة الجبلية وما جاورها بماء الحياة..وهو مشروع باعتقادي مكلف ومتعب وتكاليف النقل ربما تفوق تكاليف التنفيذ.. المهم من سرد هذا الإنجاز أنه حينما عرفت مدير المديرية بمهمتي قال: أكتب إن هذه القمة في تلك الأيام العصيبة كانت تمد من حولها من القرى والعزل بسيول جارفة من الرعب والقلق وانعدام السكينة...واليوم في ظل الوحدة والديمقراطية وعصر الانجازات ستمد من حولها بنعمة الماء الذي فيه الحياة والبقاء والاستقرار وستعوضهم عن ليالي القهر والبطش التي عاشوها..» وختم أبو خليل حديثه: «أيام الجبهة ماضي والماضي تاريخ ومن التاريخ تؤخذ العبر..والسؤال الآن هل يأخذ دعاة الفرقة والانقسام ومثيرو ثقافة الكراهية العبرة من ذلك الماضي..ويقتنعوا بأن راية الفرقة وشق الصف إلى زوال ..وراية الوحدة هي إلى الأبد باقية..» الاستقرار هو الأصل من جهته أوضح عبدالجبار نائف الحميري أمين عام المجلس المحلي في المديرية أن أيام الجبهة لا تُنسى وهي مخزونة في ذاكرة كل ابناء شرعب فهناك من فقد أحد أفراد أسرته أو تهدم بيته.. وأضاف: أن منطقته «عزلة بني حمير» القريبة من مركز المديرية لم يكن فيها تخريب كما في باقي مناطق شرعب، فالقوات الحكومية كانت متمركزة فيها.. وأردف عبدالجبار: أن الجبهة كانت تمثل حجر عثرة أمام وصول التنمية وبسببها تأخر وصول مكاسب ومنجزات الثورة ردحاً من الزمن ..فالاستقرار هو الذي يولد التنمية.. أما الشيخ عبدالعزيز حسام ردمان شيخ عزلة مورخة فقد أشار خلال حديثه إلى أن المقارنة بين الآن والذي كان كالمقارنة بين الثرى والثريا وهي لاتوجد أصلاً. عبدالعزيز ذكر جانبآً من المعاناة التي عاشها الطلاب حينها «فالمدارس قليلة جداً وبين المدرسة والأخرى مسافات ساعات وهي مبنية أصلاً بجهود ذاتية من المواطنين، فمثلاً طلاب بني سري كانوا يدرسوا معنا في بني الحسام وكانوا يمشون ثلاث ساعات متواصلة..» البداية من الحرية في طريق العودة من هيجة قبير كان عبدالجليل العبيدي يمشي إلى جانبي مستعرضاً تفاصيل تلك الأيام وقد قال: إن منجزات الثورة والجمهورية وصلت إلى شرعب متأخرة جداً جراء تلك الاشكالات فلا طريق ولا مدارس ولا مراكز صحية.. ومع دخولنا عزلة بين مرير أراني عبدالجليل المدرسة الوحيدة في ذلك الزمن المثقل بالمآسي وهي مدرسة قديمة ومتهالكة أشبه ما تكون بثكنة عسكرية فصولها ضيقة وليس لها شبابيك أو أبواب..» يقول عبدالجليل «كان الطلاب في تلك الفترة عائشين في رعب وكان لزاماً على الآتين من المناطق البعيدة «كرهيد ورعوات» أن يمروا عبر ثكنات الجبهة ويصطبحوا بوجوههم المفجعة» أفاد الشيخ عبدالله سفيان شيخ عزلة بين زياد القريبة من «الحرية» المركز الرئيسي للجبهة والتي منها انطلقت إلى باقي مناطق شرعب «سواء الرونة أم السلام» فقد امتدت أولاً إلى الملاوحة ثم بني سري والعدارسة وبني زياد وبعدها البطنة وبني سميع.. وأضاف عبدالله: أن عدد الشهداء وصل في بني زياد نحو 12 شهيداً من ضمنهم ثلاث نساء وطفل يدعى «صالح فرحان» وقد كان أبرز الشهداء الشيخ أمين قحطان صالح. أول الضحايا إذا كانت «حفظان» وهي هضبة جبلية ممتدة على يمين الجزء الترابي من طريق «تعز الرونة» قد حظيت قمتها بجثمان أول الشهداء من ضحايا الجبهة وهو شخص لم أجد له إسماً ولا شيئاً من هذا القبيل .. لم تدم هذه المعلومة في ذهني كثيراً ففي عمق شرعب وجدت من يفندها فقد قيل هناك: أن الشيخ عبدالعزيز الكامل هو أول الشهداء.. بينما عبدالجليل العبيدي يقول«لاهذه ولا تلك» وبعد أن حك رأسه المشتعل شيباً عاد وتذكر أولى المواجهات بين القوات الحكومية وعناصر الجبهة..فقد اعترضت تلك العناصر حينها موكب مدير المديرية عبدالسلام عبدالله عثمان في منطقة «خواله» عزلة بني سليم..وفي صف القوات الحكومية انفجر أحد المدافع تحديداً في منطقة «اللفج» ومن بين الضحايا كان المواطن سلطان هزبر محمد فارع أول الشهداء.. بني مرير الأسوأ غير بعيد عن أوائل الضحايا مازال عبدالجليل العبيدي ينبش ذاكرته الغنية بكم هائل من التفاصيل فهو يتذكر جيداً مقتل الشيخ عبدالجليل نصر في منطقة «الشجابي» على على خط بني الحسام كما يتذكر مقتل عبده قاسم ومحمد حسن اللذين نزلا من منطقتهم الجبلية «رهيد» لمقابلة أبويهما في «الملاوحة» فعاقبتهم الجبهة بفصل رأسيهما عن جسديهما والأسباب يعلمها الله. وأضاف العبيدي أن أكثر المناطق تضرراً كانت عزلة «بني مرير» فقد وصل عدد الشهداء فيها نحو أربعة عشر شخصاً وامرأة واحدة بالإضافة إلى خمسة جرحى ثلاثة مشوهين واثنان بُترت سيقانهما. وحول أسوأ حادثة لازالت عالقة في ذاكرته يقول العبيدي «كان هناك شاب يلقب «بابن قحطان» وهو ضابط يدرس بإحدى الكليات العسكرية بالعاصمة صنعاء وقد عاد حينها إلى قريته بني زياد المجاورة لمركز المديرية «الرونة» لزيارة أهله وزوجته التي لم يمض على زواجه منها غير أربعة أشهر ولم يكمل حتى الشهر الأول معها.. فجأة وقبل أن يقضي ليلته الأولى بعد الفاصل «طب» عليه أفراد من عناصر الجبهة اعتقلوه وفي نفس الليلة قتلوه..ويضيف عبدالجليل أن عناصر الجبهة أساءوا لمن أحسن إليهم فهذا منصور قائد شيخ الأشاعر من جبل الرازي كان يؤكلهم العسل والسمن وفي النهاية رجموا به من قمة جبل «شحاره». كأننا في غزة الشيخ عبدالعزيز حسام ردمان شيخ عزلة «مورخة» في ذاكرته «غُصص» من قصص يقول عنها: من الصعب أن تنسى أو يمحوها الزمن..يومها كان عمره لم يتجاوز ثلاثة عشر ربيعاً..لكنه لم يعرف لطفولته ربيعاً فهي حسب وصفه شبيهة لما حدث لأطفال غزة حيث القلق والسهر ولعلعة الرصاص ورائحة البارود.. عبدالعزيز ومن بعد ثلاثة عقود مضت لم تغب عن مخيلته صورة ابن أخيه، الجندي في صف القوات الحكومية ..قتلته «الجبهة» نهاراً وبدم بارد...بينما عبدالعزيز وبقية أفراد الأسرة يتناوبون على مشاهدة ذلك من نوافد بيتهم القديم «الضيقة» التي بالكاد تتسع لعين واحدة.. يقول عبدالعزيز «بقينا طيلة النهار نحرس الجثة خوفاً عليها من الكلاب...وما تم الدفن إلا بعد صلاة العشاء ليعود أفراد الجبهة لينبشوا قبر الشهيد وهذه المرة بحجة أننا دفنا معه مدفع..» حتى الحيوانات لم تسلم كانت تلك الليلة عند عبدالعزيز وأفراد أسرته سوداء قاتمة..والخوف من المجهول أشد وأنكأ فرب الأسرة «حسان ردمان» شيخ المنطقة حينها اعتقلته الجبهة مع مرافقيه في نفس ذلك اليوم وتم إيداعه في أحد السجون الكهفية في وادي نخلة تمهيداً لمحاكمته حيث كانت تجري المحاكمات في منطقة «الوزيرة» ومنطقة «بعبده» فرع العدين.. هاجس القتل وأن لا يعود الأب حياً كان هو المسيطر على الجميع حتى شاءت الأقدار عكس ذلك..فقد نجا «الأب» بأعجوبه.. هنا يُعيد عبدالعزيز الحمد والشكر لله الذي قدر ذلك..ويعترف أنه رغم حزنه على استشهاد ابن أخيه إلا أن فرحته بمشاهدة أبيه حياً لاتوصف.. وعن أسباب كل ذلك يقول عبدالعزيز «إن والدي كان من أكبر المتعاونين مع القوات الحكومية ولكن بسرية تامة وقد سبق وأن حل أحد قادة تلك القوات ضيفاً عليه في منزلنا...بفعل جواسيسها اكتشفت «الجبهة» الأمر وهكذا حاصر بعض عناصرها المنزل حينها اضطر الوالد إلى استحداث نفق في جدار البيت هرب من خلاله ذلك القائد النحيل وحين فتش أفراد الجبهة البيت لم يجدوا دليلاً يدينون به أبي وإلا لكان الآن في عداد الموتى..» يضيف عبدالعزيز: خلال تلك الفترة كانت مداهمة عناصر الجبهة تتم باستمرار وقد تم حينها اخراج جميع أفراد الأسرة ولم يبق في المنزل غير البقر والغنم وقد ارسلنا أحد الأقارب لتعقدها وبمجرد اخراجها من باب البيت «داخت»جميعها من شدة الجوع. بقايا الضحايا وحكاية صفية ضحايا كثر هم الذين قضو نحبهم خلال أيام وليالي الجبهة العصيبة ومامن بيت في شرعب إلا وفيها قتيل أو مصاب أو مفجوع أو مفقود وهذه الأخيرة صفة شائعة يرددها حتى اللحظة كثيرون وهنا يوضح عبدالجليل العبيدي الصورة أكثر «الجبهة لم تكن تعلن عن قتلاها ومن طالت فترة غيابه من وجهة نظر أهله تطمنهم الجبهة كذباً أخذناه في دورة تدريبية في عدن وأحسن الأحوال الاتحاد السوفيتي..» والحقيقة المرة أنه مات ولم يوار حتى جثمانه التراب.
يقول عبدالعزيز الحسام: في تلك الفترة كان من المألوف رؤية بقايا الضحايا من جماجم وهياكل عظمية وهي حسب وصفه كثيرة للغاية وقد رآها بأم عينه في أكثر من مكان خصوصاً بعد انتهاء تلك الاشكالات.. ويضيف عبدالعزيز: في أسفل هيجة رهيد تم العثور على جماجم كثيرة فقد كان يتم قذف الضحايا من قمتها ومافيش «كريف» في شرعب إلا وفيه جثة أو جثتان..كما أن أغلب الجثث ساقها السيل خاصة في منطقة «شحاره».. وللعلم فإن أشهر الضحايا المفقودين الشيخ عبدالقوي علي عبدالواسع شيخ بني سري فقد أخذ حينها ولم يتم العثور على جثته حتى اللحظة..أما الشيخ رزاز طاهر الحطبي من منطقة الأحطوب فوجد أهله جثته في إحدى الشعاب يأكلها الكلاب.. ومن حكايا الرعب التي يتذكرها عبدالعزيز ماكان يشاع بين العوام بأنه يوجد في شرعب أناس يقال لهم «الوجرة» أتو من الجنوب من الجبهة يشربون الدم ولو دخلوا منطقة يعيثون فيها فساداً وتخريباً.. هنا يضحك عبدالعزيز ولكن وبمجرد أن ذكر أحدهم حكايا الألغام وأن منطقة «الجميمة» التي وصلت إلى القرب منها كانت من أكثر المناطق تضرراً..في تلك اللحظة عاد الحزن على وجه صاحبنا عبدالعزيز من جديد فقد تذكر لتوه صفية محمد فرحان تلك الصبية التي كان يلعب ويرعى معها الأغنام أنفجر بها أحد الألغام في تلك الفترة وهو بالقرب منها...يقول عبدالعزيز : لقد تألمت كثيراً لتلك الحادثة كان عمرها عشر سنوات تعذبت كثيراً قبل أن تموت حتى أن أهلها كانوا يسقونها الماء من حنجرتها فلم يكن للفم واللسان فائدة..كان الأمل بسيطاً في نجاتها إلا أن بعد المسافة وانعدام الطريق قضى عليه وعليها..» الجبل المسكين في الجانب الآخر باتجاه الهياجم ثمة حكاية مشابهة بطلتها الطفلة فاطمة أحمد عبدالوهاب«10سنوات» ذهبت وصديقاتها صوب بركة الماء وقبل أن تدلي دلوها اختارها لغم الجبهة تفرقت الأشلاء في المكان وصار الماء بلون الدم. يومها كان الشيخ علي عبده محمد القرشي مصدر الحكاية بنفس عمر الطفلة فمنظر الاشلاء المتناثرة لم تفارق مخيلته وكذلك المشهد الذي سارعت فيه الأم وصراخها يسبقها للملمة بقايا فتاة كانت حتى قبل تلك اللحظة تجري وتلعب وتمرح أمام عينها.. علي في جعبته أيضاً حكايا كثيرة وأحداث اشد إيلاماً من ذلك وبالرغم من سنه الصغير حينها إلا أنه فاجأني بسرده أدق التفاصيل.. وقد كان لوالده منزلان أحدهما في منطقة «البطنة» عزلة بني سميع وهي منطقة جميلة تطل على جبل المسكين الموقع الأثري الهام وأحد أهم معاقل عناصر الجبهة وقد طمست الأيادي العابثة من تلك العناصر ابرز تلك المعالم وصار الجبل بحق «مسكين» أما بالنسبة للمنزل الآخر فهو يقع في قرية «الكربة» جوار موقع «أكمة النوب» التابع للقوات الحكومية وهو جبل يفصل مابين وادي الماء والبطنة.. مقارنة قُدر لعلي أن يتعايش مع الفريقين المتصارعين عن كثب...يحمل فوق كتفيه «دبب» الماء للقوات الحكومية ولا يعطي شيئاً الجانب الاخر..عقله الصغير حينها كان يخاف وبشدة من عناصر الجبهة فشكلهم .حسب وصفه «يفجع» شعرهم كثيف وشواربهم طويلة ولحاهم مسترسلة..أما بالنسبة للقوات الحكومية منهم لطفاء محترمون يعطونه الكثير من الكدم والكثير من علب الفول والفاصوليا.. يقول علي: أذكر أصحاب الجبهة وهم يفتشون البيوت وينهبون مابها وفي أحد الليالي جاءوا إلى بيتنا يشتوا عشاء اعطاهم الوالد مايريدون وبعد أن ذهبوا طلع إلى السطح ورمى عليهم رصاص فهم كانوا منبوذين لا أحد يطيقهم. ويضيف علي :وفي صباح اليوم الثاني عادوا مرة أخرى وقاموا بمداهمة المنزل والعبث به للبحث عن السلاح وقد أخذوا أخي الأكبر رهينة ولكنه استطاع الفرار بأعجوبة. أبونا يحرق وأردف علي: لم نكن كبقية الأطفال فنهارنا خوف وليلنا فزع ولانستطيع النوم من صوت الرصاص وفي أحد الأيام كان علي وأطفال القرية منهمكين والخوف لايغيب عنهم بالقيام ببعض الألعاب وهي ألعاب بمجملها لم تخرج عن إطار تجسيد بعض المعارك الطفولية فرضتها تلك المرحلة فعاشها أولئك الصغار قبل أن يفهموا الواقع جيداً.. وفي ذروة اللعب اجتاحت مليشيات من الجبهة منطقة «البطنه» ومع الصراخ والعويل توقف اللعب وابتدأ الجد فقد أتو باحثين عن القائد سيف قائد عبدالوهاب ونائبه هزاع علي غالب اللذين ثبت ولاؤهما للقوات الحكومية وقد كانا حينها متواجدين في منزل أحمد منصور هزبر. ببضع طلقات نارية دقت الجبهة الباب خرج إليهم صاحب المنزل معلناً رفضه تسليم ضيوفه وكشف عن جسده وقال هذا صدري فاقتلوني..يقول علي: «قتلوه والجميع يتفرج وبعد ذلك جرت مواجهة عنيفة وسيف وهزاع مستبسلان رافضان الاستسلام حتى آخر طلقة حينها قام أفراد الجبهة بصب كميات هائلة من البنزين حول ذلك المنزل المكون من ثلاثة أدوار والدور السفلى مكتظ بكميات هائلة من الأخشاب والسيارة أيضاً أمام الباب فاحترق المنزل بمن فيه وسيف وهزاع من فوق السطح يودعان القرية والأهل والأصحاب فاحترقا والجميع يشاهد وأضاف علي: «كان من ضمن المتفرجين أبناء الشهيد هزاع فقد كانوا يلعبون معنا وقد كان صراخهم حينها مجلجلاً «أبونا يحرق أبونا يحرق». تخليد للشهداء يقول طه ابن الشهيد أحمد منصور هزبر الذي عاش ذلك الحدث وعمره ثماني سنوات: حدثت تلك المأساة يوم السبت الموافق 5/3/1982م وهو يوم مشئوم في حياتي لا يمكن أن أنساه أبداً فما زالت رائحة البارود والأجسام المحترقة في مخيلتي... ويضيف طه: «نعم إنها مقدمة وهي خلاصة الماضي الكئيب نعم إنها مأساة بما تعنيها الكلمة نعم إنها فاجعة لا يشعر بها إلا من عايشها وتضرر بها إنها القيامة الحقيقية علينا..لقد تحول منزلنا إلى رماد لم نأخذ معنا غير أجسادنا وياليتها فقدت مع من فقد خيمت عليها المآسي والذكريات والمشاهد المروعة.. ومن المشاهد التي رآها الشيخ علي القرشي بأم عينيه حادثة مقتل فرحان ردمان أحد أبناء قريته كان يومها يؤدي صلاة الظهر فوق سطح منزله إلا أن قناصة الجبهة لم يدعوه يكمل صلاته فأردوه قتيلاً على الفور وكذلك حادثة مقتل نائف هزاع علي ابن الشهيد هزاع علي غالب الذي انفجرت سيارته بفعل أحد الألغام.. وأضاف علي: إن المنطقة اجمعت على تخليد شهدائها فهناك مدرسة بالبطنة باسم الشهيد أحمد منصور كما أن المستوصف الصحي الجاري انشاؤه سيكون باسم الشهيد هزاع علي.. شويط عودة إلى «اللفج» مرة أخرى وهي منطقة عسكرية هامة في رحاها دارت أكثر المواجهات وإن كان عبدالجليل العبيدي فيما سبق أفاد أن أول الضحايا سقط فيها..فهذا النقيب صدام علي محمد من منطقة «الشحنة» يؤكد أن آخر المواجهات أيضاً حصلت فيها ففي بداية عام 82حوصر مدير الناحية حينها «حزام مغلس» وحوصرت أيضاً القوات الحكومية بدباتها وقد دارت مواجهة شرسة بين الجانب الحكومي والجبهة سقط فيها قتلى كثر ومن الجانبين ومن المشايخ استشهد الشيخ صادق سيف والشيخ مهيوب أحمد وأصيب فرحان قائد سيف » أحد قيادات الجبهة بشظايا.. ويضيف صدام: «إن القوات الحكومية انسحبت من المنطقة كما تم أيضاً إخراج مدير الناحية إلى تعز» وهنا أصارحكم القول إني لم استطع ترتيب تلك الأحداث زمنياً وأمام ذلك الكم الهائل من المعلومات أختم زمنياً بمرحلة المصالحة بقيادة المقدم علي ناصر شويط.. وهنا يقول عبدالجليل العبيدي: وصل شويط إلى شرعب ومعه حوالي 3000مقاتل أغلبهم جيش شعبي وقد التقى شويط قيادة الجبهة واستمع لطلباتهم وبعدها حصلت المصالحة وترك أفراد الجبهة السلاح وسلموا الثقيل منها إلى الدولة وانخرطوا مع المواطنين وقد كنا حينها نردد بعض الزوامل منها: ياهلا ومرحبا وازن جبل عيبان بالمقدم شويط وارحب إلى شرعب ومن الزوامل التي كانت تردد في تلك الفترة حسب العبيدي: يا شيوعين يا شواع كافي لكم بهذله لأن كثر الشباع يفر من يأكله وأيضاً من الجانب الآخر: ياجبهة الشعب والصمود هيا بنا ننهي العميل الشعب ملتف حولكم فامضوا بنا نحو المزيد هذا هو مافعلته عصابة التخريب في بني زياد شرعب الرونة

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.