على نبض العادات والتقاليد الاجتماعية الراسخة منذ مئات السنين تصحو وتغفو مديرية حورة ووادي العين بمحافظة حضرموت.. بيوت من طين وطرقات داخلية ترابية وغير ممهدة وبساتين وحقول متناثرة، وأشجار نخيل باسقة، تمثل أبرز سمات ومكونات اللوحة الطبيعية في المديرية التي يخترقها خط اسفلتي دولي كان ومازال مسرحاً دموياً يختطف أرواح المواطنين الأبرياء ضحايا حوادث السرعة الجنونية وسباق سائقي المركبات المحموم خصوصا باصات النقل الجماعي للوصول إلى مرافئ محطاتهم الأخيرة بأي ثمن. اذا لم نوفر الحماية للمنتج اليمني نكون قد قضينا على آخر ما لدينا من حرف يدوية إلى حورة ووادي العين انتقلنا كمرافقين إعلاميين لطاقم قافلة لجنة الطبيب الزائر التابعة لمؤسسة الصندوق الخيري للطلاب المتفوقين، في المخيم الطبي الذي أقيم بالتنسيق مع مؤسسة الريف الاجتماعية الخيرية بحورة، وتمخض عن معاينة قرابة تسعمائة مريض ومريضة وتزويدهم بالأدوية مجاناً. وخلال فترة نزولنا في حورة ووادي العين حاولنا النبش في تاريخ المديرية والبحث عن أصول وجذور تسميتها وتقفي آثار معالمها، فتصدى لمحاولاتنا عن طيب خاطر، العم سالم عبد الله يسلم باغريب، من مواليد 1953م، أب لخمس بنات وخمسة أولاد، يعمل في حقل التربية والتعليم منذ 35 سنة. مصدر التسمية الأصول والجذور يقول العم سالم: حقيقة لا توجد مصادر تاريخية موثقة تبرز دلالة تسمية حورة، فالبعض يربطها بحور العين من النساء، والبعض الآخر يلحق التسمية بالمهن القديمة التي اشتهرت في وادي حضرموت. ويضيف: يعد آل باوزير و آل باغريب وآل بن سلم و آل عباد و آل حسان من أعرق الأسر التي استوطنت حورة ووادي العين منذ مئات السنين. حصون وأكوات أبرز المعالم الأثرية في حورة ووادي العين حصن حورة الذي يحتوي على مدخل واحد ومازال كيانه قائماً في وسط المديرية ولكنه للأسف أصبح مهددا بالانهيار والاندثار بعد تساقط أسقفه وذوبان أركانه. ويقال إن من بناه هو السلطان بدر بوطويرق قبل أكثر من خمسمائة سنة، وقد زاره السلطان القعيطي الذي بنى الجانب البحري من الحصن الذي كان يمثل قصراً وفي داخله بئر ومسجد وإدارة لشؤون الدولة القعيطية حيث كان يضم مقراً للنائب والقائم وغرفاً للقضاء والكتبة، وقد بادرت السلطة كعادتها بإطلاق وعود بترميم الحصن، لكن وعودها للأسف ذهبت أدراج الرياح. كوت الصدف وحصن الركد ومازالت توجد في حورة حصون قائمة من بينها حصن أو كوت الصدف، وعمره أربعمائة عام شيد تقريباً قبل فترة حكم السلطنة القعيطية وإلى جانبه حصن الركد، وهذه الرموز كانت ذات طابع عسكري، وأنشئت لغرض حماية حورة والمناطق المجاورة من الغزو والاعتداء الخارجي. عاصمة اللواء الغربي وقد كانت حورة تعتبر عاصمة اللواء الغربي، فعندما نزل فيها السلطان القعيطي، وقف على قمة جبل الركة، ووجد أنها منطقة تتوسط وديان عمد ودوعن ورخية وهينن، فاختارها عاصمة للواء الغربي الذي استخدم كمصطلح عسكري، ويمتد حتى مدينة شبام. منقطة الحرفيين من المناطق المشهورة تاريخياً في حورة ووادي العين ناحية أو منطقة الحرفيين، التي بدأت مهنهم بالانقراض مع تقادم الزمن وطي صفحات السنين وتقلبات الدهر، ومن بينها حرفة النجارة التي كان يزاولها آل بن دهري، والصياغة التي كان يزاولها آل باغريب، وحرفة الحياكة التي كان يزاولها آل بن زيد، وحرفة الحدادة التي كان يزاولها آل الحداد. اندثار تدريجي وقد كانت نتاجات هذه الأعمال والحرف اليدوية تشترى وتباع من قبل سكان المناطق المجاورة لحورة ووادي العين، ولم تكن تتداول في الخارج نظراً لصعوبة النقل وعدم توفر طرق المواصلات، ومعظم هذه الصناعات اندثرت بعد تطور العلم وانتقال الحرفيين وأسرهم للمدن ومزاولتهم أعمالاً أخرى. سمات قديمة وتشكيلات حديثة البيوت الطينية القديمة في حورة ووادي العين تتميز عن غيرها بسمات تطريز وصناعة الأبواب على يد حرفيي البناء من آل بن دهري، لكن البيوت الحديثة غلب عليها طابع النقش والزخرفة والتشكيل المستوحى من تريم وسيئون وغيرها. غزو أسمنتي مسلح العمارة الطينية في حورة ووادي العين ما زالت شامخة رغم كل ما أصابها على يد الطبيعة القاسية وما تفرزه من هبوب رياح السموم والمناخ الحار الجاف الرطب وما تتعرض له من حملات الغزو الأسمنتي المسلح الذي لا يتجاوز عدد مبانيه الاثنين في المائة من إجمالي البيوتات المبنية في حورة ووادي العين. تغير ملحوظ ولا يخفي العم سالم عبد الله باغريب، حقيقة أن كارثة السيول والأمطار التي ألمت بحضرموت في شهر أكتوبر الماضي ، قد كشفت وعرت بعض العيوب في البيوت الطينية القائمة، مما أدى إلى دفع بعض الميسورين للتفكير جدياً في امتلاك بيوت مصممة هندسياً من الأسمنت وحديد الخرسانة أو الحجر، تقيهم من عواقب غضب الطبيعة وتدرأ عنهم مخاطر التغيرات المناخية الطارئة. العم سالم قال بالحرف الواحد: إن منزله الطيني لو تهدم- لا قدر الله- ، فإنه سيلجأ إذا ما توفرت لديه الإمكانيات إلى البناء على أنقاضه منزلاً أسمنتياً أو داراً من حجر. اللهث وراء الربح السريع غالبية ساكني حورة ووادي العين هم من الموظفين في مرافق الدولة، وعمال البناء، والمزارعين، فابن حورة كان يأكل من ماله وحلاله، الذرة والشعير والأغنام والمواشي باستثناء الأرز، قبل أن يضرب الجفاف الأرض، وينهكها. نظرة فاحصة على حقول وبساتين حورة ووادي العين؛ تولد لديك الشعور بأن مساحتها الخصبة غير مستغلة جيداً، فمعظم المزارعين يلهثون وراء الربح السريع، استجابة لظروفهم المعيشية الصعبة، ووجود رقع أو بقع صغيرة يمتلكها أفراد أسرة واحدة أو عائلة كبيرة، منهم من يوجد في حورة ومنهم من هو بعيد عنها، أو مغترب في الخارج، مما يصعب من أمر اتفاقهم وتفاهمهم على كيفية استصلاح الأرض واستثمار خيراتها. ويتضح أن الذين استفادوا من أرضهم الزراعية هم أولئك الذين يمتلكون الإمكانيات، لحرثها وغرس البذور في أرجائها، ومن ثم حصدها، والاتجار بمحاصيلها. ومن المؤلم حقاً أن نطاق الزراعة في حورة ووادي العين اخذ في الانحسار والتضاؤل، لقلة الأمطار ونضوب العيون والآبار. تسلية لزحزحة الهم عن الصدور وفي المديرية يوجد مقر نادي الاتحاد الرياضي الثقافي الاجتماعي، الذي ينافس نظراءه في الوادي في مختلف الألعاب وفي مقدمتها كرة القدم، ويشهد خلال الفترة المسائية التئام مجاميع من الشباب والكبار في السن الذين يروحون عن أنفسهم بالألعاب المسلية، ويرتشفون أكواب الشاي الأحمر، ويتجاذبون أطراف الحديث في السياسة وقضايا المجتمع المختلفة بين الرياضة والقراءة مستشفى وحيد متواضع في حورة، يستقبل يومياً المرضى ويسعف إليه ضحايا الحوادث المرورية، كما يوجد بها مؤسسات تعليمية ومدارس للذكور والإناث منهم خريجات المرحلة الثانوية منذ سبع سنوات. ومعظم الشبان في حورة ووادي العين يمارسون الرياضة، وبعضهم يأوي إلى مكتبة ضخمة تابعة لجامع حورة، وتحتوي على كتب دينية وعلمية وكتب عامة. وفي وسط يوجد سوق الخميس الشعبي البسيط، الذي يقصده سكانها من مختلف الشرائح والأعمار لشراء حاجياتهم ومستلزماتهم اليومية. خط إسفلتي يلتهم أرواح البشر ينقص حورة ووادي العين مجمع يضم كل الإدارات الحكومية، وتحتاج إلى سرعة تدخل السلطة المحلية ووجهاء المنطقة لوضع حد لمسلسل الحوادث المرورية التي راح ضحيتها خلال النصف الأول من العام الجاري سبعة عشر شخصاً، من خلال توسعة خطها الاسفلتي الوحيد المنحدر من عقبة رأس حويرة باتجاه مديرية سيئون، وزرعه بالمطبات الصناعية.