هيئة مكافحة الفساد تُحيي ذكرى الشهيد وتكرم أسر الشهداء من منتسبيها    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    قبائل ريمة وإب تستنفر بلقاءات ووقفات مسلحة لمواجهة أي تصعيد    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    كتائب القسام تسلم جثة ضابط صهيوني أسير بغزة للصليب الأحمر    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة الشيخ أبوبكر باعباد    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    إصابة 4 مواطنين بانفجار لغمين من مخلفات مليشيات الحوثي غرب تعز    رحلة يونيو 2015: نصر الجنوب الذي فاجأ التحالف العربي    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    الحراك الجنوبي يثمن إنجاز الأجهزة الأمنية في إحباط أنشطة معادية    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    حزام الأسد: بلاد الحرمين تحولت إلى منصة صهيونية لاستهداف كل من يناصر فلسطين    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    تركتمونا نموت لوحدنا    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    عملية ومكر اولئك هو يبور ضربة استخباراتية نوعية لانجاز امني    "مفاجأة مدوية".. ألونسو مهدد بالرحيل عن ريال مدريد وبيريز يبحث عن البديل    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    عين الوطن الساهرة (1)    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    الوزير البكري يحث بعثة اليمن المشاركة في العاب التضامن الإسلامي في الرياض على تقديم افضل أداء    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    المستشفى العسكري يدشن مخيم لاسر الشهداء بميدان السبعين    وفاة جيمس واتسون.. العالم الذي فكّ شيفرة الحمض النووي    بحضور رسمي وشعبي واسع.. تشييع مهيب للداعية ممدوح الحميري في تعز    الهجرة الدولية ترصد نزوح 69 أسرة من مختلف المحافظات خلال الأسبوع الماضي    القبض على مطلوب أمني خطير في اب    لاعبة عربية تدخل قوائم المرشحين لجوائز "فيفا"    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    المحاسبة: من أين لك هذا؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الصحفي مطر الفتيح يطمئن على صحة الإعلامي القدير عبدالسلام فارع بعد رحلة علاجية في مصر    قياسي جديد.. 443 ألفا انتظار حفل مجيد    ضيوف الحضرة الإلهية    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حضرموت.. التي لم يخلق مثلها في البلاد (2)
نشر في المؤتمر نت يوم 04 - 09 - 2004

كان موعدي مع "الشحر" أكثر إغراءً فهي أعرق مدن الساحل وحاضرته التاريخية بلد اللبان والأساطير والمياه الكبريتية و و .. حسين المحضار الذي حملت من زوادته.
باشل حبك معي بالقيه زادي
ومرافقي في السفر
وبا تلذذ بذكرك في بلادي
في مقيلي والسمر
وأنت عسى عاد با تذكر ودادي
وإن با تنساه ياما ناس جم.. مثلك تناسوا الوداد
بخير أنا وأنت با نلتقي في "سعاد"
يقول: محمد عبدالقادر بامطرف في كتابة "الرفيق النافع على دروب منظومتي با طايع" أن اسم "سعاد" أطلق على الشحر تحريفاً للكلمة اليونانية (Alasa Emporium) ألاسا التي تعني "السوق" أو "المركز" وهو الإسم الذي أطلقه اليونانيون عليها في خرائطهم بعد أن وفدوا إليها في القرن الثاني الميلادي.
لقد سميت الشحر بمدينة "الأسماء" و "سمعون" و "الأحقاف" وغلب عليها اسم الشحر نسبة إلى قبائل "الشحرا" المهرية التي كانت تسكنها..
مثلت الشحر في التاريخ القديم سوقا تجارياً مهما للتوابل والبخور ؟؟ على طريق الملاحة البحرية والقوافل البرية وكانت بمثابة محطة "ترانزيت" للسفن القادمة من الهند المتوجهة إلى عدن والبحر الأحمر التي تقايض فيها "البز واللبان والمر والصبر والدخن –العنبر الدخني-".
اذهب إلى الشحر ودع عماناً إن لم تجد تمرأ تجد لبانا
كان على السيارة التي تقلنا أن تقطع60كم تقريباعلى شاطئ الفيروز من المكلا إلى الشحر ومن أراد عمان فليواصل مئات الكيلو مترات من الإسفلت المنبسط سألت مرافقي عن بعض الطائرات الصغيرة الصدئة الرابظة في الرمال على يمين الطريق فأجابني "هذا مطار الحزب" كان رده مقتضباً يوحي بالقرف فلم أزد على السكوت والنظر إلى السور الذي تسير السيارة بجواره منذ دقائق ولم ينته إنه أحد مشاريع "بقشان" الاستثمارية في حضرموت وبدأت أتخيل لو أن عندي من ثروة هذا الرجل مقدار ثمن هذا السور فقط واستطردت في الأحلام فبنيت المنزل الأنيق وطوفت البلدان سائحاً على سيارتي الفخمة وتزوجت ثلاث جميلات و..هنا انقطع شريط الأحلام وظهرت صورة زوجتي وهي تعض على أنيابها من الغيظ وتخمش وجهي بأظافرهامثل قطة متوحشة فأنتبهت ضاحكا اعتذر لها وأعدها ألا أدخل مسألة الزواج في أحلامي أبدا وإذا رزقني الله مثل ثروة بقشان فسأقتفي أثره في الاستثمار في بلدي مكتفيا من السعادة بتلك النظرة التي سأجدها في عيون أولئك الذين وجدوا في مثل هذه المشاريع سبيلاً للعيش والإنفاق على أسرهم بعد أن تقلبوا على جمر البطالة وتمني لقمة العيش الشريفة أما إذا سبق في علم الله أن أظل على الحديدة كما يقولون فحسبي الله ونعم الوكيل وهنيئاً لبقشان تلك السعادة والأجر ولا بد أن أكون سعيداً لو سعد وطني بأمثال بقشان من أصحاب رؤوس الأموال لو الذين حذواحذوه والقريب أولى من الغريب.
لم أنته من التفكير ببقشان والاستثمار الوطني إلا وقد تجاوزنا غيل باوزير أو فرجينيا اليمن حيث يزرع أجود وأغلى أنواع التنباك .
.غيل باوزير ينسب الى عبدالرحيم بن عمر باوزير الذي ينسب إلى والده غيل عمر الشهير بمديرية ساه في حضرموت الوادي وقد قدم إليه قبل اكتشاف أمريكا واستخدام الإنسان للتبغ في الانتحار البطيء من خلال التدخين ويعدهذا الوادي من أغنى أودية حضرموت بالنخيل وهكذا اجتمع فيه أجود النقيضين الشجرة الخبية التي تدر عشرات المليارات من الدولارات على تجار الموت والشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء وأختارها الله مثلا للكلمة الطيبة.. ماهي إلا كيلو مترات قليلة من غيل ياوزير حتى تستضيف عينيك "شحير" هذه الجنة الصغيرة التي تمد عنقها على خجل تتأمل البحر من حضن الجبل فتمد عليك ظلال النخيل والنارجيل (جوز الهند),بيوتها الطينية ذات النوافذ الخشبية المنمقة إنها تصغير ال"شحر" والتوطئة المناسبة التي تهيئك لرياض الشحر ومفاتنها التي ما إن تصلها حتى تجد نفسك عاجزاً عن مقاومة إغرائها فلا تملك إلا أن تترجل عن مركبتك وتحل ضيفا على تاريخها "ومعاجنها"_ جمع معجان وهو البستان الذي تنبع فيه العيون _بيوتها الطينية ذات الشرفات والنوافذ الخشبية المتقنة الزخارف المتنوعة النقوش تدير ظهرها لاضطراب الموج المتغطرس على شطآنها تمشط جدائل النارجيل وتلملم ظفائر النخيل مزينة مباسمها بحمرة ثمار "البيدان" القانية هواءها المعتدل ينسيك أنك في مدينة ساحلية وكأن هذا البحر الذي أمامك أتى ضيفا عليها وربما يعود الى مناطقه الحارة لوشاخ في قلبه الهوى أو شابت معاجن النخيل والنارجيل في جنباتها.. كان عليك قديما أن تعبر بوابة "الخور" او تأتي من البحر لتلج مدينة الشحر فقد كانت محاطة بسور من جهاتها البرية الثلاث يحميها من سطو القبائل ولكن مدافع القراصنة البرتغاليين دكته عام (929ه) (1522م)
ونهبت المدينة وقتلت عددا كبيرا من سكانها الذين استماتوا في الدفاع عنها وقد أعيد بناؤه في عهد الدولة القعيطية واستغرق عشرين عاما (1868-1888) بلغ محيطه (10297) قدما وارتفاعه قرابة 6 أمتار وسمكه (1.20) متر بطول يبلغ 3.3 كم تقريبا شيدت بأطرافه وزواياه 6 قلاع دفاعية ضخمة اثنتان منهما أقيمتا على الطرفين الجنوبيين للسور الممتدين من البحر مساحفة (400) ياردة كما شيد على السور أربعة وثلاثون برجاً دفاعيا تسمى "أكوات" جمع "كوت" وللسور بوابتان رئيسيتان سدة الخور وسدة العيدروس إضافة الى ست بوابات (سدد) فرعية صغيرة وزعت على محيط السور وترتبط بالقلاع الست الدفاعية الضخمة من خلال ممر سعته قدمان ونصف يحمي السائرين فيه جدار بارتفاع 1.5متر تقريبا أما أجزاء السور المقامة على مجرى وادي سمعون الذي يخترق المدينة فقد شيدت من الأحجار والجير على هيئة بوابات تعلوها مغلقة بأعمدة حديدية. غير أن الإهمال وجشع البعض في بيع بعض أراضي السور المندثرة قام بأسوأ مما قامت به مدفعية البرتغاليين الأعداء الذين لم يبيعوا على لأقل مكان السور عرصات للبناء فلم يبق من السور غير آثار قلاع وأساسات مطمورة أما سدة الخور فقد اندثر أجزاء منها وبقيت الفتحة وغرفتين على يمين الداخل ويساره ورواقين آيلين للسقوط ولم يبق غير سدة العيدروس التي تعد نموذجا فريدا لبوابات المدن اليمنية والإسلامية وتحفة معمارية من ثلاثة أدوار الأول يشتمل على مدخل 3 مترx 5 متر له مصراعان متساويان مصفحان بالحديد والمسامير وفي أحد المصراعين باب صغير للمشاة وبجوار المدخل جناحان على اليمين واليسار يتكون كل جناح من غرف وأروقة وسلالم الى الدورين الثاني والثالث.. أما الدور الثاني من السدة فيحتوي على غرفة واسعة في سقف البوابة وجناحان يحيطان بها في كل جناح غرفتان وحمام وفي كل جناح منفذ إلى سطح جهة السور المتصلة به. أما الدور الثالث فقد أقيمت فيه غرفتان للمراقبة إضافة إلى جدار يلتف حول سقف المبنى بارتفاع متر ونصف.
كان أول ما لفت نظري هو قصر القعيطي أو بن ناصر أو قصر عبود الذي شيده أحد أمراء آل بريك عام (1182ه) ثم أضاف إليه السلطان عبدالله القعيطي دورين على واجهته الشمالية والشرقية (1296ه) ثم الجهة الجنوبية من عام (1309ه) التي أكملها بعد وفاته ولده وحفرعلى خشب أحد أبوابه "ثم الحصن فلك النجاة 1309ه حسن بن عبدالله القعيطي رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا" وعلى الباب الثاني حفر
صح تاريخ عمارة بيتنا بيت الكرام بابها قد فتحا
وفي العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين أضاف السلاطين عدة غرف في الدور الثالث كان أهمها غرفة نوم السلطان وغرفة المستشار البريطاني واستغلت أجزاء القصر كمقرات للإدارات الحكومية التابعة للسلطنة في الشحر يقول الناس أن القصر يتصل عبر سراديب تحت الأرض بحصن ابن عياش في الجهة المقابلة له والذي أقامه باني قصر السلطان عبدالله عمر القعيطي على أنقاض قصر لآل عياش الذين كانوا يحكمون المنطقة وهو عبارة عن قلعة على مصطبة ترتفع عن الساحة قدر ثلاثة أو أربعة أمتارمبني بالحجارة والجير الذي يقول الأهالي أنه خلط بالسكر الأحمر المذاب بالماء ليزيد من صلابته وتماسكه وأن عملية المزج هذه أقيم لها 13 دائرة تعمل فيها الخيول والجمال لعجن الجير بالسكر المذاب الماء ومات السلطان قبل أن يكمل بناءه عام 1306ه- يقول الأستاذ عمر بازر قان السراديب موجودة لكني أعتقد أنها مخابئ وليست أنفاقاً تتصل بالقصر ويسترسل بازرقان في الحديث عن الإهمال والضياع الذي تتعرض له آثار الشحر ومعالمها التاريخية قائلاً: "هناك الكثير من الحصون والقلاع في هذه المدينة وخارجها ومن أشهرها حصن البياني والبطاطي وحصن قعطبة وقلعة بن هرهرة وغيرها فقد كانت القلاع والحصون منتشرة على امتداد طرق اللبان الذي يجمع من وادي الواسط "وتحمله السفن عبر البحر أو تسير به القوافل إلى أسواق الجزيرة العربية عن طريق الصحراء ومأرب لقد حاولت مع بعض الأخوة هنا أن نوثق ما نقدر عليه من آثار هذه المدينة ومعالمها ومن بينها وضعنا مجسما لسور المدينة بأكواته وقلاعه وسدتيه لقد أقيم هذا السور بطريقة هندسية عالية المستوى روعي فيها تعرض السور لسيول وادي سمعون الذي يخترق المدينة فوضعت له بوابات بسياجات حديدة وجعل جزء السور المعرض لنقطة ارتكاز ضغط السيل على شكل زاوية حادة تقوم بتشتيت الجهد وتوزيعه بحيث لا يؤثر على بناء السور, أمر آخر على قدر كبير من الأهمية هو قبور الجبابرة في جبل ضبضب وهي قبور كبيرة بالغة القدم يتوارث الناس أنها لقبائل إرم وعاد وأنا أتمنى على الهيئة العامة للآثار ألا تتعامل مع الموضوع وكأنه أسطورة نسجها الخيال فقط.. آثار المدينة مهددة بالانقراض وطابعها المعماري التاريخي يوشك أن يقضي عليه زحف المباني الإسمنتية.
كنت أستمع إلى الأستاذ بازرقان بحسرة وأتأمل في تفاصيل منزله التقليدي ونقوش بابه وزخرفة نوافذه فأصدمت عيني بنافذة ألمونيوم نشاز في المبنى سألته عنها رد بسخرية "عرضت على أولادي نافذة خشبية أشبه بتحفة صنعت يدويا على الطراز الأصيل فنسبوني إلى التخلف" رجعي ووضعوا هذه بدلا عنها لم أجرؤ أن أعبر عن انفعالي تجاه ذلك التصرف فهم على أي حال أبناؤه وما سأقوله لن يكون مؤدباً بالتأكيد فودعته متمتماً لأزور مساجد المدينة التاريخية
مسجد عبد الله مول القرن السادس الهجري
مسجد سعد الدين الظفاري القرن السادس الهجري
مسجد بالحاف القرن السادس الهجري
وغيرها لقد اجتاحها الجديد والأسمنت أشار الي أحد أبناء المنطقة إلى ساحة قائلاً هنا بني ثاني مسجد في اليمن بعد الجامع الكبير في صنعاء وحين سألته عنه أطرق قليلا ثم مضى دون جواب بعد أن أطرق طويلاً.. كان ذلك كفيلا بأن لا أصاب بالضيق وإنما بالجرب أيضا ولما أخبرت رفيقي بما أعتراني رد ببرود قائلاً لا تقلق الحمامات الكبريتية في الشحر كثير صوير- معيان باحميد- عين محدث – عين الصيق- ثوبان معيان الروضة- تبالة- معيان حسن- معيان القميع وجميعها غير بعيد والناس يأتونها بصفة مستمرة للتداوي ليس من الجرب وحسب وإنما من سائر الأمراض الجلدية وآلام الظهر والمفاصل والسكر وحتى الديدان "ضحكت بمرارة وتركت بائع "البيدان" وبائع "اللخم" دون أن أرد على عرضهما على الشراء من بضاعتهما واتجهت إلى "الحامي" 22 كم شرقي الشحروسميت بالمحمية لأنها لا تشاهد من عرض البحر لاختفاء موقعها بالتلال "حجي المقد" و "القارة" التي تسمى اليوم بالبلاد "الفوقية" وتنتشر حولها المزارع وأحراش النخيل والنارجيل التي تسقى من معيان "باحامي" ومعيان "باشحري" ويقع شمالاً "شعب الليه" الذي يعتبر بهضابه وكهوفه الجبلية من مستوطنات العصر البرونزي في اليمن ويؤرخ تقريباً بين الألف الثالثة- الثانية، ق.م وهي بحاجة إلى مسح ودراسة.. اشتهرت الحامي بملاحيها الذين برعوا في قيادة سفنهم عبر خطوط الملاحة في المحيط الهندي وأدوا دوراً مهماً في دعم الطاهريين بعدن ضد القراصنة البرتغالين وعرف سكان الحامي بأصحاب الحرف الأربع الصيد والزراعة والتجارة والملاحة كما اشتهرت بفنونها الشعبية وعروضها الفلوكورية.
لم أستطع أن أتحمم في عين الصيق لشدة حرارتها وأبخرة الكبريت الخانقة التي تتصاعد منها وهو ما جعل الناس يمدون منها سواقي مكشوفة تمتد إلى بركتين غير عميقتين في ظلال أشجار النخيل والنارجيل ومزارع الذرة والبرسيم في غوطة جميلة تتناثر بجوارها المباني الطينية وما أن يصل الماء إلى البركتين حتى يكون قد أصبح بإمكان الجسم تحمل حرارته وتفرغ مياه البركتين في سواقي لري المزروعات والشرب ما أبرد الحامي على القلب والعين لكن مرافقي كان يرغب في القضاء على الشريطية التي تنهبه قوته ولا تبقى له غير النهم والغباء فتوجهنا إلى ثوبان حيث توجد بئر مياه كبريتية يؤمها الناس ويشربون مياهها للقضاء على الديدان والأخلاط الرديئة ويستحمون بها للتداوي من الأمراض الجلدية كان صاحبي يشرب ماء البئر مبتهجاً بتلوي الديدان في أمعائه من الألم عند وصول هذا الماء إليها بعد طول معاناة والعين بالعين أما أنا ففضلت الاستمتاع بمرح العصافير على غصون البيدان وفوق عذوق النخل المحملة بالرطب مدخرا أمراضي الجسدية لحمام صويبر القريب فقائمة الأمراض التي يستشفى منها بمياه هذا الحمام أكثر ومنها الأمراض الجلدية وآلام المفاصل والسكر وتشرب مياهه للقضاء على الديدان وحصوات الكلى وأمراض الكبد وهو أكثر تنظيما من سابقيه حيث أقيمت سواقي تمتد من العين الحارة إلى برك صغيرة في غرف فردية وموضوع جدول للنساء وللرجال وبجواره أقيم مسجد للساكنين في الغرف المجاورة الذين يستغرق تداويهم فترة طويلة والقادمين من بلدان بعيدة ودول مجاورة تعرفها من أرقام السيارات الفخمة الواقفة بجوار الحمام السعودية قطر عمان الإمارات.
سعيد الجابري قدم مع أسرته من السعودية إلى هنا للاستشفاء يقول وهو يملأ الإناء ذا الخمسة ليترات بمياه البئر لتشرب منه الأسرة في سكنها "أتيت إلى هنا بناء على وصف الكثيرين من جيراننا الذين جربوا التداوي الطبيعي هنا واستفادوا بعد يأسهم من جدوى الأدوية الكيميائية التي أنفقوا عليها الكثير أتيت إلى هنا مع عائلتي للتداوي من الروماتيزم "ويستطرد مبتسما لقد ربحت أولا متعة الرحلة إلى هذه المنطقة وأحس أنى لا أحمم جسدي وإنما أحمم روحي في هذه الطبيعة الخلابة من صخب المدينة وأطلقها من بين جدران الأسمنت لتحلق في هذه البساتين على خرير المياه لتعود إلى ضلوعي مطبوعة بسلوك النسائم" كان أكثر ما أعجب مرافقي عندما عدنا إلى الشحر أن الحمامات الطبيعية مجانية أما أنا فأعجبتني مبادرة مؤسسة العفيف في إقامة متحف المحضار في مدينة الشحر وفاء لهذا الشاعر المبدع والقامة الأدبية الشامخة.
إذا كنت من هواة الغوص أو مداعبة السلاحف أو أخذ حمام شمسي على ساحل جزيرة يمكنك منه النظر إلى الشاطئ بأمان فواصل طريقك إلى الديس الشرقية فما هي إلا 70 كم تقريبا تكون بعدها في شاطئ شرمة حيث الشاطئ الرملي الأبيض المكان الملائم لتكاثر السلاحف وحوض الغزي المحاط بالمرتفعات الصخرية من ثلاث جهات المكان المثالي للغوص والصيد والجزيرة لا تبعد عنك في البحر غير 2 كم أما أنا فمضرب عن ذلك حتى تقدر الدولة الأهمية السياحية لهذا الشاطئ وتقوم بتهيئته بالمرافق الخدمية والسياحية وتخطط للاستفادة الحقيقية منه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.