احتضنت دعوة الرسول فتخلقت وتعلقت وأنبتت العلماء گالزرع تريم.. مدينة التاريخ والمآذن ودار الموعظة الحسنة ( 1 – 3)
حشد نت: الجمهورية نت: معين قائد الصيادي
تريم مدينة يفوح التاريخ من ازقتها وتتصاعد من مآذن مساجدها التي وصلت إلى ثلاثمائة وستون مسجداً فاستطاعت أن تفوز بلقب مدينة المآذن تصاعد منها نفحات الإسلام واخوته وروحانية الدين وسماحته،معلنة عن قدرتها العلمية والدينية في تقديم المزيد من تلك العلوم،وتلك الفنون المعمارية والزخرفية المهندسة على واجهات ابنيتها وقصورها التي من بينها ماترتدي الطابع المعماري الروماني.. تريم الفقه والحديث والموعظة الحسنة، هي من أطلق على شوارعها شيخ من لاشيخ له.. لأنها هكذا فعلاً..
النشأة تعود نشأة تريم إلى ما قبل الإسلام، وقد تطورت عمارتها التي مازالت تحمل طابعاً فريداً إلى يومنا هذا تتزين بالزخارف والفنون المعمارية، ولكن تريم مازالت تحمل سمات الماضي في الأزقة والأسواق والمساجد والدور والأسوار المحيطة بها، ويمكن تقسيم مراحل تطور المدينة إلى ثلاث مراحل هي المرحلة القديمة والوسطى والحديثة. أما المرحلة القديمة لتريم فتفوح نكهتها من حارة الأزرة وماتضمه من سوق وحوانيت اضف إلى ذلك أعرق الحصون وأشهرها حصن الرناد القابع غرب هذه الحارة، وهذه المرحلة تمثل النواة التكوينية الأولى، وربما كانت نواتها مكونة أيضاً من حارتي الأزرة والخليف معاً وهما متصلتان بالحصن والسوق النجدية أو أنها لاتتجاوز من الغرب مابين مقبرة الغريط جنوباً و مسجد باجرش شمالاً، ومن الشرق مابين مسجد عاشق المعروف سابقاً بمسجد آل أبي حاتم و مسجد باعلوي شمالاً.
الفكر الصوفي المرحلة الوسطى ابتدأت منذ دخول تريم تحت رأية الإسلام في السنة الحادية عشرة للهجرة إلى المرحلة الحديثة التي تم تحديدها بعهد الاستقلال في 30 نوفمبر 67م وخلال هذه المرحلة شيدت العديد من المنشآت ومن أهمها الجامع المبني بين عامي (375 ه 402ه) في عهد الحسين بن سلامة الذي تولى الحكم سنة 375 ه وهو أول من أنشأ هذا الجامع إضافة إلى جوامع أخرى. وفي هذه المرحلة تعاقبت على المدينة كثير من الدويلات ابتداءً من دخول الإسلام إلى تريم في السنة العاشرة للهجرة حتى سقوط الدولة الكثيرية فكانت هذه المرحلة مرحلة مليئة بالأحداث، كما أنه في هذه المرحلة بنيت القلاع التاريخية التي أصبحت الكثير منها حاضرة إلى يومنا هذا فوق سفوح الجبال كما بنيت الجبانة سنة 566ه وفي عام 601ه بنى عبدالله بن راشد السور حول المدينة الذي قام بهدمه عبدالله بن راصع عام 895ه ثم تم اعادته على يد أحمد بن محمد بن راصع عام 913ه وأحكمه وجعل له ثلاثة بوابات، البوابة الأولى من جهة الجنوب عند البئر المسماة (عاسل) والبوابة الثانية من جهة الشرق عند حارة آل الشريف والبوابة الثالثة عند حارة العقارص ويعتبر هذا السور الذي تم تجديد عمارته في القرن الثالث عشر معلماً بارزاً من معالم تريم.. وتشير كتب التاريخ إلى أنه بعد تجديد عمارته سورت الجهة حول عمارة عيديد وتم في هذه المرحلة تغير الشكل العام لنسيج المدينة وظهرت أعمال خيرية متمثلة في العمارة الدينية مثل تطور بناء السقايات وبناء المدارس الملتحقة بالمساجد (الزوايا) وبداية ظهور القباب الطينية بدخول الفكر الصوفي مثل قبة مسعود بن يماني وهي أول قبة طينية في وادي حضرموت، حيث تم بناؤها سنة 648ه وتعدد بناء المساجد ذات النمط المعماري الطيني في تريم ذات الفناء والصحن وظهور الأعمدة الطينية عريضة البدن، كما تم فيها تصميم بركة الوضوء المسماة حالياً (الجابية) المصممة ضمن ضوابط فقهية حوالي سنة 800ه.
فن معماري جديد وفي القرن الثالث عشر الهجري شهدت تريم حركة عمرانية وتطوراً لاسيما في الشمال المتمثل في حارتي النويدرة والسحيل، إلا أنه بالرغم من ذلك التطور ظلت المدينة صغيرة ومساحتها محدودة واقتصرت حركتها التجارية على السوق القديم وتقفل أبوابها في المساء حتى إذا طرق الصباح نوافذ المنازل نفخ فيها روح الحياة من جديد وهكذا، وفي اثناء نهاية الدولة الكثيرية بلغت الحركة العمرانية في إطار رقعة المدينة أوجها إلا أن عامل الهجرة إلى سنغافورة واندونيسيا كان له أثر عظيم في إدخال طراز وفن معماري جديد تمثل في قصور تريم لينتشر بعض منها خارج الأسوار وبدأ الطابع العمراني الحضرمي يتأثر بفنون المشرق الإسلامي في تقليد فنون عمارته المعقدة التفاصيل والمتعددة الأشكال إلا أن البناء بالطين في حضرموت وتريم ساعد كثيراً في الإبداع والاتقان وتطور ذلك إلى فن النقش والتشكيل للأعمال الخشبية مثل الأبواب والنوافذ والدواليب وغيرها التي بدأت عقب ذلك مرحلة اكتشاف المواد المستخدمة في التلوين والنقش على الجدران وتطور تقنية عمل الجير (النورة) ومن هذه المعالم المعمارية الأخرى في هذه المرحلة بناء رباط تريم وبناء مسجد المحضار الذي تعد منارته من أطول وأشهر المعالم وبداية ظهور الأعمدة الحجرية أيضاً.
التوسع العمراني أما المرحلة الثالثة فقد بدأت منذ عهد الاستقلال في 30 نوفمبر 67م مع انطلاق حركة التوسع العمراني والسكاني من العقال الذي كان يقيدها قروناً طويلة وامتدادها إلى خارج السور وتكثف الرصف العمراني في هذه المرحلة باتجاهات عديدة لاسيما المنطقة الغربية (عيديد) وتأتي أسباب استحسان السكان لهذه المنطقة لصلابة بنية أرضها واستقرارها فهي غير هشة ناهيك عن وجود الانحدار الذي شكل عنصراً مساعداً في تصريف مياه الأمطار (السيول) بعد ذلك بدأ التوسع العمراني باتجاه الشرق وفي بعض المناطق الزراعية داخل المدينة ومن ثم تم إدخال ضاحية دمون إلى المدينة بعد تهديم السور. وفي هذه المرحلة وأثناء هذا التوسع تفاوتت انماط العمارة في تريم من عمارة إلى أخرى اضف لذلك هجرة أبناء الريف إلى المدينة وهذه الزيادة السكانية ضاعفت من حركة التوسع العمراني والتجاري.
وصول أول سيارة اعتمد تخطيط المدينة على نظام الحارات وكل حارة تضم عدداً من المساجد وأمام كل مسجد بستان (جرب) ولكل مسجد بئر لتزويده بالمياه وبجوارها سقاية لاغتراف الماء منها والبعض تضم أيضاً حوضاً لسقي الماشية وتذهب المياه الزائدة عن حاجة المسجد إلى البستان لري بعض المحاصيل وأشجار النخيل وهي وقف يذهب عائدها للمسجد، وشوارع المدينة ضيقة يصعب على السيارات دخولها في أغلب الأماكن فيها حيث كانت الجمال والحمير هي وسيلة المواصلات المعروفة. وفي عام 1920م وصلت أول سيارة إلى مدينة تريم مفككة على ظهور الجمال عبر الطريق الذي يمتد 300كم من المكلا، وفي تريم تم تجميع أجزائها على يد شاب متدرب على هذا العمل وأمام هذا التطور بدأت شوارعها بالاتساع. تميزت مدينة تريم بطابع معماري خاص فشيدت الحصون والقلاع والجوامع بنمط فريد فكان من بين تلك الحصون التي شيدت في سفوح جبال هذه المدينة حصن الرناد، وهو حصن قديم يرجع بناؤه إلى عهد ماقبل الميلاد يعود بناؤه إلى ما قبل البعثة المحمدية باربعمائة عام، واتخذته الدول المتعاقبة على تريم مقراً للحكم من عهد ما قبل الإسلام ومابعده.. في عهد زياد بن لبيد الانصاري عام 203ه وفي عهد الحسين بن سلامة حتى عام 404ه وفي عهد عبدالله بن راشد القحطاني عام 600ه وهو الذي جدد بناءه .. وفي حدود العام 1350 ه هدم محمد بن حسين الكثيري حاكم تريم اجزاء منه وأعاد بناءها من جديد.. وأثناء الهدم تم العثور على رأس حيوان من الرخام الأبيض الجميل عليه كتابات بالخط المسند وبعد ذلك لم يتم أي تنقيب وشهد مؤخراً الحصن عملية ترميم شاملة وواسعة بتوجيهات من فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق وبسعي وإشراف وزارة الثقافة والسلطة المحلية بالوادي والصحراء.. كما يوجد أيضاً حصن (العر) وهو أحد الحصون الدفاعية التي ثبتت باساسات حجرية متينة تؤكد مقدرة البناءون على قوة البناء، حيث تظهر عليه ملامح العمارة الرومانية إضافة إلى مجموعة أخرى من الحصون والقلاع مثل حصن مطهر، حصن فلوقة، حصن غرامة، حصن نافي وحصن المقدم ابن يماني في منطقة قسم وحصن عوض وكوت الشتوي وكوت عدن وكوت عبدالدائم وغيرها.
البيت التريمي لكل أسلوب معماري طابع معين وميزة خاصة تميزه عن غيره والبيت التريمي يمتاز بارتفاعه ويتراوح متوسط عدد طوابقه بين (3 4) طوابق أما مساحات غرفه فتتراوح اطوالها بين ثلاثة ونصف إلى خمسة أمتار وعرضها لايزيد عن أربعة امتار، وكان من أهم الأسباب التي جعلت مساحات البيت التريمي بهذه الأطوال هي الاخشاب المحلية المستخدمة في عملية التنسيق. ومن مرافق البيت التريمي الخدمية الحمامات والمطابخ والمخازن والدرج وتوضع في الجزء الشمالي من المبنى، كما يستغل الفراغ الداخلي في كل طابق بوظائف خاصة.