كم هو الواقع سخيف جداً حين صار المواطن في شهر رمضان - وتحديداً في شهر رمضان - في بلد الفقه والحكمة فريسة سهلة أمام جشع التجار الذين لايحملون في قلوبهم ذرة رحمة أو خوف من الله تعالى الذي بيده ملكوت كل شيء.. فما إن يأتي شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا جميعاً بالخير واليمن والبركات حتى يتسابق التجار في ذبح المواطن المسكين وسلخه وطبخه على نار هادئة على مرأى ومسمع من الجهات المعنية في الدولة والتي تتذرع بحكاية تحرير التجارة وبقصة الرقابة على السلع والأسعار وحكاية اللجان المشكلة في هذا الخصوص .. بينما الواقع يحكي قصة مأساة حقيقية وجريمة شنعاء يرفضها الدين وتنبذها العادات والأخلاق الإسلامية الحميدة بطلها التاجر الذي اتخذ من شهر مبارك وعظيم هو رمضان مطية لرفع سلم أرباحه.. على حساب قوت المواطن المسكين الذي لاحول له ولاقوة في دفع هذا البلاء سوى الدعاء لله سبحانه وتعالى بزلزلة كيانهم «أي التجار».. ولكن مايؤلمني كثيراً أن هذا السيناريو الذي ينفذ وسط هذه القوقعة يتم في ضوء النهار والقانون.. فيما نلاحظ أن أهل القانون أنفسهم لم يحركوا ساكناً بذلك .. الحقيقة أن الأغرب من هذا كله حينما لمسنا هذه القضية ليس في العاصمة صنعاء فحسب وإنما في جميع المحافظات اليمنية وطرحت علينا تساؤلات كثيرة ووصلتنا هموم ودموع مواطنين شتى بذلك ارتأينا أن نقف عليها في وزارة الصناعة والتجارة ولجنة الصناعة والتجارة في مجلس النواب.. ولكن للأسف لم نلق لهذه القضية بالاً أو جواباً شافياً فالوزارة يصعب عليك أن تمر من بابها للقاء أهلها فوق عرشها الحصين.. بل الأدهى من هذا كله تهرب لجنة الصناعة والتجارة في مجلس النواب من الرد والايضاح حول هذا الموضوع وكأننا في صحيفة الجمهورية جئنا من عالم آخر وكون آخر وحتى لايزعلوا جميعاً منا نقول لهم عفواً طبتم سلاماً ومنزلاً وعذراً إن أسأنا في حقكم ولكننا نتساءل ونأمل أن يكون هناك رد واضح وسريع لما سنقوله: إذا كان التهرب عن الافصاح ووضع الحروف على نصابها فمن هو المعني بذلك!؟ وماهو دوركم!؟ وعلى ماذا يقتصر!؟ وأين أنتم من حماية المواطن المسكين الغلبان من جشع عديمي الضمير!؟ وكيف يمكن حماية المستهلك الغذائية والتموينية!؟ وأين خططكم وأدواركم وجهودكم في استقرار السوق المحلي.. ومن ثم أتساءل أيضاً ياسادة هل أنتم معنا ضمن هذا السرب فوق سفينة هذا الوطن أم أنكم خارجه؟.. عفواً إذا كنت أحرجتكم بذلك ولكن قلبي وكثيراً مثلي يعتصر ألماً لما يجري ولانرى لذلك سبباً ولا رادعاً وكأننا في عالم من الغاب يلتهم بعضنا بعضاً جرياً وراء المال الذي هو أمانة الله تعالى في أيدينا ليس إلاَّ.. لاشك أنك تصاب بالذهول حينما تطوف في أروقة الأسواق المحلية في بلادنا وتلاحظ ما آلت إليه أسعار المواد الغذائية ومادة الغاز حيث تجد هنالك أسعاراً تصيبك بالصدمة فمثلاً وصل سعر الكيس السكر فئة «50 كجم» إلى «8000ريال» بعد أن كان سعره في بداية الشهر الحالي «5000 ريال» وبارتفاع تجاوز نسبة «60%» فيما وصل سعر إسطوانة الغاز في أمانة العاصمة إلى «1000 ريال» وتجاوزت في بعض المناطق والمحافظات إلى «1700 ريال» والحجة ارتفاع عالمي بينما الواقع عكس ذلك. فهذا قحطان علي مصلح يشكو ارتفاعاً مخيفاً لأسعار المواد الغذائية وبصورة مدهشة ويقول إن التجار احتكروا هذه السلع لأجل رفع أسعارها تحت مظلة أنها غير متوفرة في السوق المحلي بينما هي موجودة في مخازنهم .. محمد مطهر هو الآخر أيضاً يشكو ذلك ويقول أين الدولة والجهات المعنية مما يحدث؟ فنحن مواطنون لاحول لنا ولاقوة وهذا سعيد محمد علي من أبناء تعز يعول أسرة قوامها «6 أفراد» تعتمد بشكل مباشر على راتبه الذي لايتجاوز «30 ألف ريال» ولايكفي لإعالة أسرته.. وأسعار رمضان المخيفة قد أفسدت عليه كل أحلامه فهو اليوم لم يعد يحلم إلاَّ بكيس دقيق فقط بينما مادة السكر صار شيئاً من المحال.. وغير هؤلاء كثر فإلى أين تسير هذه العاصفة وكيف سيكون مصير هؤلاء الناس المساكين الذين لا أمل لهم في الحياة إلاَّ إذا وقفت إلى جانبهم الدولة وأوقفت هذا الطوفان الجائح. الأغرب من هذا كله.. بل والأعجب في ذلك أن الغرفة التجارية وقفت في صف هؤلاء التجار في حكاية الأسعار المهولة وفسرت ذلك بأن السوق حرة وأن الأسعار وبارتفاعها وهبوطها خاضعة للعرض والطلب وكأن المواطن الغلبان ماهو إلاَّ فريسة يُلتهم حينما تحين نهايته.. ياجماعة الخير ارحموا المواطن المسكين وبطلوا من حبك القصص والحكايات والأساطير ووضع السيناريوهات فالمواطن لم يعد فيه قدرة على المزيد من التحمل فالذي فيه يكفيه.. وخذوا في بالكم أن «من تغدى بالكذبة ماتعشى بها». وأيضاً القاعدة الفقهية التي تقول «مابني على باطل فهو باطل» فهل يرضى أعزائي التجار الحذاق أن تصبح أموالهم حراماً في حرام وحتى لا أطيل عليكم أعتقد أنني لم أحك كل شيء ولكن الواقع مؤلم.. وبالتالي في الختام نسأل الله تعالى أن يرينا في هؤلاء التجار الجشعين عجائب قدرته وأن يجعلهم عبرة للآخرين ثم ندعو وزارة الصناعة بحق القبيلة أن يقوموا بدورهم في حماية المستهلك الذي هو هذا المواطن الغلبان الكلحان.. والله من وراء القصد