كل شيء كان هادئاً في الفندق الوثير الواقع في إحدى المناطق إلى الجهة الجنوبية من العاصمة، كان الوقت يقترب حينها من الخامسة والنصف عصراً، فجأة يشق هدوء المكان صوت لطلقة نارية بدا وكأنها صادرة عن مسدس، تخللها تأوه ضعيف ومزيج من الصراخ والجلبة الأقرب للشجار والالتحام، يهرول موظفو الفندق صوب أحد أدوار البناية المكونة من عدة طوابق تتبعاً لمصدر انبعاث العيار الناري، اقتربوا من إحدى الغرف التي كان يُسمع بوضوح الجلبة والشجار في داخلها، اقتحموها ليجدوا شاباً في ال23 من العمر ممسكاً على يده اليمنى التي يسيل منها خيط من الدم الأحمر القاني، متألماً من الجرح في الوقت الذي كان شاب صغير السن لم يتجاوز ال17 من العمر ممسكاً بمسدس ويهدد به من يقترب منه فيما شاب آخر هو ثالثهم كان يحاول ربط يد المجنى عليه حتى يتوقف النزيف. وبالعودة إلى استقبال الفندق فقد كان الشبان الثلاثة استأجروا الغرفة لغرض المقيل في ذلك النهار، فما الذي حدث حتى صارت الأمور إلى ما صارت إليه؛ وكيف تحول ذلك الركن الهادئ من الفندق الوثير إلى مكان ارتكبت فيه محاولة جريمة قتل، جاءت على خلفية جُرمين أظهرتهما التحقيقات فيما بعد؟!!. عندما يضع المرء نفسه في موضع الشبهة، حتى وإن كان لا يحمل نوايا سيئة تحفزه على ارتكاب الخطأ، فإن النواتج قد تكون مؤلمة؛ ليس ذلك فحسب بل إن أي نفس الشخص قد يصبح الوحيد الذي يدفع الثمن، وعليه حينها أن يتحمل الوزر، فالحوادث قد تحصل، والغفلة لا تقي صاحبها الوقوع في الفخ والهلكة. هو شاب صغير السن، ربما يحتاج لعام آخر حتى يبلغ السن القانوني، وأمام هذا العمر الصغير يقل النضج الذي لم يتخضب بعد بتجارب ومواقف الحياة، ومشكلته التي وضعت ثُلماً في بداية معتركه مع الحياة أنه اختار الوضع الخطأ حينما نأى بنفسه في المكان غير المناسب، ودائماً تأتي أخطاء من هم على شاكلته عبر الرفقة، التي تكون من السوء بحيث يغيب الإدراك عن قراءة ثناياها والوقوف على حقيقتها، هذا تقريباً ما حصل؛ فالقرين إلى المقارن ينسب، وهو قد اختار قرناء غير صالحين، متعشماً بصداقتهم الزائفة وتبسمهم في وجهه الشبيه بتبسم أبي الحصين في وجه الديوك، طبعاً هو لم يتعرف عليهم التعرف الكافي، ولم يشهد بعض أفاعيلهم التي تدفع بالسذج إلى الهاوية، فقط لأنهم من الحي الموارب والبعيد نسبياً عن حيه، لكن هل ذلك يكفي لاختيارهم قرناء وأصدقاء ملازمة في الرخاء والشدة؟!. صبيحة ذلك اليوم اتفق ثلاثتهم على اختيار مكان مناسب وهادئ لقضاء وقت المقيل بعيداً عن الإزعاج والضجيج، فقد صادف ذلك اليوم اجازة، وهو الأنسب للتخفف من المشاغل وتجاذب الحديث وتعميق الصداقة، اقترح أكبرهم والبالغ من العمر 23 عاماً أن يكون مكان المقيل فندقاً من تلك النوعية التي يرتادها السياح وأبناء المترفين؛ حيث تتوافر بها مميزات الخدمة النموذجية، ثم إنه بالغ في تجميل مقترحه بالتأكيد على أن ارتياد هذه الأماكن يمثل تجربة فريدة، كما أن حجز غرفة من غرف الفندق لنهار واحد لن تكبدهم الكثير من المال، لاسيما إذا تم تقسيم التكلفة عليهم الثلاثة بالتساوي. وفيما الشاب يشرح بالتفصيل مميزات مكان المقيل، كان الإثنان ينصتان باهتمام لحديثه، ولم يكد يكمل حديثه حتى وافقاه على مقترحه واستعدا لمشاطرته التكلفة، ووقع الاختيار على فندق من فئة 5 نجوم جنوبي أمانة العاصمة. قام الثلاثة بشراء القات ومستلزمات المقيل وانطلقوا إلى الفندق حيث استأجروا إحدى الغرف لقضاء ساعات «التخزينة» انقضت الساعات الأولى بشكل طبيعي، قبل أن يدوّي صوت العيار الناري داخل الفندق، حيث هب الموظفون نحو مصدر الطلقة في الغرفة التي استأجرها الأصدقاء الثلاثة، وكانت الوضعية كالتالي: الشاب البالغ من العمر 17سنة ممسكاً بمسدس يرغي ويزبد ويسب ويتوعد، والشاب الأكبر سناً يصرخ متألماً نتيجة إصابة يده اليمنى بالطلقة النارية، والشاب الثالث بدا صامتاً من شدة ذهول ما حدث.. قام موظفو الفندق بتهدئة الأمر واستدعاء رجال الشرطة في أمن المنطقة والذين قاموا بتحريز المضبوطات واجراء الإسعافات الأولية للمجنى عليه وفتح تحقيق بالواقعة، وقد ظهرت من خلال استنطاق الشبان الثلاثة والأدلة الموجودة بالغرفة أن جريمة محاولة القتل عبر اطلاق النار والتي أدت إلى إصابة أحد الشبان الثلاثة بجرح خطير في يده اليمنى، هي في الواقع جريمة مركبة اختزلت وقوع أكثر من جرم بنفس الحادثة، إذ تبين من خلال الأقوال والدلائل أن الشاب المجنى عليه صدر عنه تحت تأثير تناوله لمشروب مسكر أثناء جلسة تعاطي القات مزاح ثقيل اعتبره الشاب الأصغر سناً أمراً معيباً مما أدخله في خلاف ومهاترة مع ذلك الشاب، فما كان منه إلا أن استل مسدساً شخصياً كان يختصره ووجّهه صوب الصديق الخصم الذي حاول تفادي السلاح القاتل بإزاحته بيده اليمنى فكان أن أصابته الطلقة النارية في يده ليتلوى في الغرفة من شدة الألم، ولم يحدث بعدها أن حاول الجاني إطلاق عيار آخر برغم حالة الهياج التي انتابته في تلك اللحظة.. وهكذا تم استكمال التحقيقات من قبل الشرطة قبل أن يحال ملف القضية إلى النيابة المختصة.