والمتأمل في حاله صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف يلحظ أموراً تجلي له سنته وحاله فيه، ومن ذلك: اعتكافه صلى الله عليه وسلم في المدينة في رمضان من كل سنة، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان» البخاري. تقلبه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف في كل عشر من الشهر، ثم استقراره في آخر الأمر على الاعتكاف في العشر الأواخر منه؛ لإدراك ليلة القدر، والنصوص الدالة على ذلك عديدة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «إني اعتكفت العشر الأول التمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف؛ فاعتكف الناس معه». وحديث عائشة رضي الله عنها : «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر في رمضان حتى توفاه الله». أمره صلى الله عليه وسلم بأن يضرب له خباء في المسجد يلزمه بعيداً عن الخلق، يخلو وحده فيه بربه ويجمع قلبه عليه عز وجل، بحيث يصير ذكره تعالى وحبه والخضوع له والانكسار بين يديه هم القلب واشغاله، وموضع أنسه وخطراته، يدل لذلك: حديث أبي سعيد رضي الله عنه : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية على سدتها قطعة حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس». وما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما :«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، قال نافع: وقد أراني عبدالله رضي الله عنه المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد» مسلم قال ابن القيم: «كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم، فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون، والله الموفق» زاد المعاد. دخوله صلى الله عليه وسلم معتكفه عند غروب الشمس يوم عشرين، واستهلال ليلة واحد وعشرين، يدل لذلك: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله، ثم قال: كنت أجاور هذه العشر ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها، فابتغوها في العشر الأواخر، وابتغوها في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين، فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت، فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين».