تختلف القلوب البشرية من شخص إلى آخر فهناك قلوب تتأثر بالأجواء الروحانية وترطب وتلين بذكر الله وعمل الخير ليس في رمضان فحسب بل وفي بقية الشهور.. ولكن هذه القلوب يزيدها رمضان وأجواؤه الإيمانية رطوبة وليناً، وعلى النقيض توجد هناك قلوب قاسية لا تتأثر ولو حتى بألف رمضان، قلوب صدأتها المعاصي فازدانت بظلمة حجبت عنها رؤية الخير في رمضان أو في غير رمضان.فأصحاب تلك القلوب تعودوا على المعاصي وظلم الآخرين وبذلك يكون رمضان بالنسبة لهم ضيفاً غير مقبول، بل ربما يصل الأمر بهم إلى إظهار التذمر وعدم الرغبة بقدومه وتكون أيامه ثقيلة عليهم ينظرون للصيام على أنه امتناع عن المفطرات فقط دون النظر أو استلهام الجوانب الروحية للصوم ومع ذلك يظل مثل هؤلاء قليلين في المجتمع.. حيث إن أكثر قضايا الصلح سواء على مستوى الأفراد أو العائلات تحدث في شهر رمضان. وفي تحقيقنا هذا نسلط الضوء على أهم قضايا الصلح التي تمت في رمضان وبماذا يشعر المتصالحون حال وقوع الصلح؟ وهل للصوم والأجواء الروحانية الرمضانية أثر في ذلك..؟ كست الابتسامة الوجوه أخيراً جاء الصلح في شهر رمضان بعد الخصام فالشيخ الرزين العاقل الذي تدخل لحل الخلاف بين أسرة الزوجين بعد انفصال دام طويلاً وفق في ايجاد الحلول وقرب بين الطرفين بعد أسابيع من المحاولات لإقناع الأبوين بالصلح ولم الشمل بين الزوجين ومع دخول الشهر الكريم استجاب الأبوان لنداء العقل والروح وترك الطفل «ماجد» يغرد بين أحضان والديه بعد حرمان وعناء. ندم وحب تتوالى الحكايات المؤثرة عن القضايا التي يتم فيها الصلح من خلال العقلاء في شهر رمضان. فهذه «م.ع» والتي لها عدة أشهر في بيت أبيها تطالب بالطلاق من زوجها العصبي المزاج رغم أنه لم يمر على زواجهما إلا سنة فقط، ورغم أن الزواج جاء بعد قصة حب عاشاها لأكثر من ثلاث سنوات من خلال النظرات المسروقة.. كان الزوج في أحيان كثيرة يشعر بالندم، فيعتذر لزوجته عن أفعاله وغيرته وعصبيته.. تحملت «الزوجة» الكثير ولكنها قررت في النهاية أن تبحث عن الطلاق وأكدت لأسرتها أنها لن تستمر في حياتها الزوجية.. بذل العديد من الوسطاء جهوداً كبيرة للصلح بين الزوجين ولأن الزوجين كان زواجهما قبل سنة وفي شهر رمضان فقد استغل أحد الوسطاء هذه المناسبة واجتمع بالطرفين وكان ذلك في أول يوم من رمضان وقد ظهر على الزوجين الإجهاد من أثر الصيام.. وبدأ الحاج «أحمد» يذكر الزوجين بقصة الحب البريئة التي عاشاها قبل وبعد زواجهما. وأكد للزوجة أنها لا تستطيع أن تحكم مبكراً على تجربة الزواج بأنها فاشلة بسبب عصبية الزوج، وأوضح بأن السنة الأولى من الزواج دائماً تغمرها المشاكل بين الزوجين بسبب اختلاف الأطباع، والسنة الثانية تكون دائماً أفضل إذ يتمكن الحب من قهر أية مشاكل بين الزوجين.الجلسة بين الزوجين امتدت حتى موعد أذان المغرب.. فأفطر الجميع وبعد الإفطار عادت الابتسامة إلى وجهي الزوجين. خلاف الجارين أحمد علي وقاسم الاشول، جاران منذ مايقرب من عشرين عاماً في أحد أحياء مدينة إب الحديثة.. كانا يعيشان كأخوين يتبادلان الزيارات.. قليلو الخير لم يرق لهم هذا الأمر فعملوا على نسج خيوط الشر بين الجارين ودب الخلاف بينهما حتى وصل إلى درجة التمادي بالسلاح الأبيض وكل ما وجدا في طريقهما.. الخلاف كان بسبب مشاجرة الأطفال.. استمر الخلاف لأكثر من ثلاث سنوات، الجار أحمد عندما يرى جاره قاسم في طريق يمشي هو في طريق آخر وكذا هو الجار قاسم. عاقل الحارة المعروف عنه بالصلاح والتقى قرر مع دخول رمضان أيامه الأولى أن يقوم بمبادرة صلح مع مجموعة من أبناء الحارة فانقسم الطريق إلى قسمين الأول توجه للسمر في منزل أحمد والآخر توجه إلى منزل قاسم وهناك تم الاتفاق ان يكون اليوم التالي الجميع في ضيافة عاقل الحارة.. ومع بدء السمر في منزل عاقل الحارة قام أحمد وقاسم بالتصافح أمام الجميع، وعادت المياه إلى مجاريها. الصلح بعد الافطار نحب رمضان ونشتاق إليه ونتطلع إلى طقوسه ذات الخصوصية من عام إلى آخر لكننا مع ذلك نعرف أن تعباً جماً ينتظرنا، وأعباء شاقة ومرهقة سوف تأخذ من أجسادنا المنهكة الشيء الكثير، فهذا الشهر الذي يفترض ان يكون شهراً للصفاء وسكينة النفس والروح والتخفيف من ماديات الحياة اليومية للزوجة إذ تجد ربة البيت نفسها على الرغم من صيامها وتعبها لصيقة المطبخ ليلاً ونهاراً لاتخرج منه إلا لتدخله. تؤكد الأخت إلهام السادة أن رمضان شهر الخير ولكنه يتحول في بعض الأسر إلى شهر خلافات بين الزوجين وبين أفراد الأسرة بالكامل إذ إن الرجال في الغالب يميلون إلى الاسترخاء ويستغلون هذا الشهر للراحة والكسل بحجة صيامهم عكس المرأة التي تكون غارقة في دوامة لاتنتهي من الاشغال الشاقة المنزلية. ومع ذلك ورغم الانشغال في الاعداد لوجبة الافطار واستقبال الضيوف الذين يتزايد عددهم في شهر رمضان إلا أن الزوج والزوجة ومهما وصلت بينهما درجة الخلاف فإنهما يعودان إلى المودة والألفة عقب الافطار وذهاب الضيوف. زوجي رجل متعاون أما أم مروان فلاتحمل رمضان ذنب الخلافات التي تنشأ بين الزوج والزوجة، فالمرأة تتفنن في تحويل هذا الشهر الكريم إلى شهر احتفالي على جميع الصعد فهو أجمل وأطيب شهر في السنة لما يتميز به من خصوصية ساحرة تنسينا مانختلف فيه وإذا نشب أي خلاف فإن الأجواء الرمضانية سرعان ماتعالج هذا الخلاف وتعود الأمور لحالتها. وبالنسبة لزوجي وللأمانة فإنه رجل متعاون ويقوم بمساعدتي ببعض الأعمال الخفيفة وإذا رأيته قد بدأ بإثارة بعض المشاكل فأني أصمت عن الكلام حتى ينهي كلامه ويعود إلى حالته الطبيعية. ترك البيت قبل الإفطار!! أما أم هشام فتصف تعب الزوجة بالمضاعف في شهر رمضان خاصة إذا كان لديها أطفال صفار ولايوجد من يساعدها على إعداد الطعام. ولذلك فإن أي نقد أو كلام جارح من الزوج يثيرها ويعصبها فتندفع للانتقام من خلال الرد على الزوج مما يؤدي إلى الأخذ والرد وقد تصل الأمور إلى ترك المنزل وترك الأبناء والزوج بدون فطور ومع ذلك فإن أجواء رمضان الروحانية كفيلة بإعادة الحياة بين الزوجين والوقوف أمام الأخطاء ومعالجتها. الخلافات الرمضانية هناك من الناس من لايزيده صيامه سوى غضب ونفور من الآخرين لأن الشعور بالجوع لايشعرهم بالآخرين من الفقراء كونهم لايفكرون بذلك لذلك تلاحظ عليهم قساوة في المعاملة لاسيما مع أولادهم وزوجاتهم ويتلقى الابناء معاملة قاسية منهم، وأمثال هؤلاء محرومون من نسمات هذا الشهر الكريم والتي تنعش النفوس وتصفي القلوب وتزيد الوجوه إشراقاً لأن الصيام الحقيقي ينعكس على اصحابه، فتلاحظ عليهم الهدوء والوقار فيزدادون حباً للآخرين ويزدادون كرماً وجوداً فينفقون مما يحبون ويصلون أرحامهم ويعفون عمن ظلمهم. والشخص الذي يثير الخلاف ولايسعى إلى الصلح والتوافق يعتبر شخصاً محروماً من ثمار هذا الشهر الكريم والذي تتدلى ثماره الطيبة فيقطفها الصالحون والمصلحون. بينما الآخرون يجدون أن تلك الثمار تحولت في أيديهم إلى أشواك يتذوقونها فيجدون مرارتها فتزيدهم جوعاً وألماً.