كان الباص يمشي مسرعاً وصوت الغناء قد انبعث من الهاتف النقال بصوت يكاد يسمعه من في الباص ولأن الباص لا مسجل فيه فقد كان ذلك الصوت الخافت أفضل من لا شيء. الجو ماطر وبارد وبدأ يبرد أكثر كلما أسرعنا بالمضي إلى الأعلى.. كانت قمة جبل صبر هي الهدف لكن الباص توقف عند أول استراحة.. لندخل جميعاً ذلك المكان الكاسح بالجمال الرباني ويالها من مفارقات عجيبة إن المدينة تعج بالحر القاتل والجبل تملأه البرودة الممتعة.. كنا خمس نسوة.. وطفلتين وطفل.. أخذ كل منا مكانه بفرح ومرح بالغين وكأننا لانعرف المكان أو كان هو قطعة من جنة لما به من الهواء البارد النقي.. جلست أتأمل المدينة من ذلك الشاهق وكان المنظر ضرباً من الخيال ولايمت إلى الواقع بصلة.. سالت دمعة من عيني شعرت بها دافئة وقد سالت على خدي بنهدة عميقة لا أدري لعلي كنت أتمنى لو كان الآن يجلس قربي لكان الجو أروع مما هو عليه.. وكم دارت بخلدي ذكريات جميلة جمعتني مع ذلك الإنسان الرائع الساحر.. نعم لقد سحر عقلي فلم أعد أفكر إلا بذكرياتي معه.. وهالنا ما حدث عدت بعد الدموع أضحك.. لقد رأيت الآن كل المدينة هو .. بذلك الوجه الأسمر.. الضارب بالحنان لم أنتبه إلى إن الجميع ينظر إليّ ويضحك ولعلهن قد سخرن مني وهن يمزحن. ها اللي أخذ عقلك؟ أصابتنى الدهشة مما أنا فيه من حالة. حالة الحب الصارخة.. كأن لطعم الشاي هناك مذاقاً خاصاً. وكأنه قطرات ماء على ظمأ في يوم حار كان لذيذاً في قمة اللذة والسحر.. وغابت الشمس خجلى بهدوء غير معهود تاركة خلفها ظلاماً زاحمته أضواء المدينة بغرور وأصبح وكأنها فقاعات صابون تنير واحدة تلو الأخرى وبدت المدينة وكأنها عود كبريت تتمايل أضواؤه في حضن ذلك الصدر الحنون إنه جبل الحب.. من على قمته أحس أنني أتنفس هواء لا أجده في أي مكان كان. إنه هواء يأتي من السماء مباشرة لا علاقة له بجو الأرض.. وغارت الشمس وأخذت معها ما تبقى من دفء الجبل الراحل في الصمت لا من صوت تلك الصراصير الليلية.. وأصوات الخفاش الذي خرج يبحث عن مكان له وسط الخوف والبرد وراح فكري يدور في سماء المدينة الساحرة الجميلة ليس لشيء إلا أن قلبي هناك أسفلها فأينما ذهبت تركته فيها ضارباً جذوره في حب أبدي.. في تلك المدينة يعيش الحب مظلوماً معذباً.. مأسوراً. أسوار ذلك القلب الوحيد.. لأن عالم القلوب عند من عنده قلبي مبهماً غير واضح لا حكم لقلبه سوى النسيان فقلبه أسير بين فكره وجيبه وقلبي أسير قلبه.. اشتد البرد.. حتى لم نعد نقوى على الكلام وعاد قلبي يتلوى من الألم لا أدري أي ألم أهو ألم فراقك أم نار الحب التي باتت تحرق أجواء قلبي المفعم بالحب وأي بعد بين المدينة والجبل كهاوية تعيشها روحي وروحك وأي حياة أحياها ولم يبرد قلبي كبرود الجبل الذي أذاب جسمي لكنه لم يصل إلى قلبي وعاد قلبي حزيناً مشتعلاً في ذلك الجو الذي لم يزده إلا حسرة وألماً.. لا أدري أي حب نائم بين أحضان قلبي والجبل معاً ولعلهما حب واحد لا ينفصلان..