كثيراً ما نقرأ على شبكة الانترنت لمن يسمونهم (كُتّاب الحراك) العديد من الأكاذيب عن تاريخ اليمن .. ولا أدري هل هو الجهل بالتاريخ أو الافتراء المقصود بُغية قطع أواصر الصلة والقُربى بين أبناء الوطن الواحد والذي مزقه في السابق الاستعمار وأطماع بعض الأنظمة المحلية ..!كما أن هناك مُراهقين سياسيين يهرفون بما لا يعرفون، أو أنهم يعرفون الحق ويكذبون..فنجدهم يُنكرون ويَستنكرون أفعال رجال الأمس وهم المُنكر ذاته وهم أشباه الرجال.. نجدهم يتغنون بالوطن وأصواتهم نشاز وأفعالهم تجاه الوطن قبيحة. من الأقوال التي تدل على جهل أصحابها ولؤمهم: إنكار الصلة الوثيقة بين ثورتي اليمن سبتمبر وأكتوبر، حيث أن بعضهم يذهب في القول إلى أنه ليس ثمة دعم حدث من أبناء شمال اليمنلجنوباليمن أيام الاستعمار البريطاني وصولاً إلى الاستقلال، وهناك من ينفي دور أبناء جنوباليمن في حماية الجمهورية في الشمال، بل هناك من يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين ينفي واحدية التراب اليمني..! بينما لو رجعوا إلى التاريخ الذي لا يكذب، لوجدوا ما يُخيب أمانيهم هم وشياطينهم.. وهنا سأضع -موجِزاً- بعض المعلومات والحقائق التي استقيتها من بعض الكتب والمراجع القديمة المُحايدة، وصياغتها بشكل مختصر كي أُسهّل على القارئ والباحث الحصول على المعلومات والتواريخ وأسماء الشخصيات والكيانات اليمنية التي شاركت في صنع سبتمبر وأكتوبر، مُتجنباً الأسلوب الإنشائي الذي يكتب به هواة الانفصال والذي يستندون فيه على الأماني والتخيلات والرغبات الآنية... والتالي سرد مُختصر لمحطات في تاريخ اليمن منذ عام 1800م، وهو العام الذي بدأ فيه الاستعمار البريطاني مد نفوذه في جنوباليمن.. وماذا كان دور شمال اليمن في محاربة هذا الاستعمار، كما سيتضمن هذا السرد مواقف تتحدث عن مدى الدعم الكبير الذي قدمه أبناء جنوباليمن للحفاظ على ثورة 26سبتمبر في الشمال. واحدية الأرض والحفاظ عليها كانت قضية غير قابلة للتفريط حتى من الأئمة رغم سلبيات نظامهم الكثيرة وتخلفهم، ففي عام 1801م وبعدما عينت المملكة البريطانية أول سفير بريطاني في اليمن؛ طلبت بريطانيا من «الإمام» إبرام مُعاهدة تجارية تضمن امتيازات خاصة لبريطانيا في الاستثمار في ميناء عدن- وذلك خوفاً على طرقهم التجارية البحرية من الفرنسيين بعد ما سيطرت الإمبراطورية الفرنسية على منفذ البحر الأحمر من جهة مصر سنة 1879م- إلا أن الإمام رفض حينها العرض، بيد أنه طمأن الانكليز بأنه لن يسمح للسفن الفرنسية باستخدام المرافئ اليمنية.. لم تُثن تلك الوعود - التي طرحها الإمام - عزم البريطانيين على السيطرة على ميناء عدن، فتوجهوا إلى سلطان لحج بهدف الحصول على موافقته دون الرجوع إلى الإمام .. فرفض سلطان لحج العرض كما رفضه الإمام لكنه رضخ بعد جولات من الضغط والترهيب سنة 1802م، وتم حينها إعلان عدن ميناء حراً لدخول البضائع البريطانية، مع وضع الحماية لرعايا ملكة بريطانيا وهذا الأمر كان بمثابة الخطوة الأولى للاحتلال البريطاني لجنوباليمن كما وصفها المؤرخون. تتالت الأحداث ما بين سنة 1802م وحتى 1918م، فتوسعت بريطانيا في جنوباليمن حتى وصلت الشعيب ومفلح غرباً وحضرموت شرقاً سنة 1888م، كما احتل العثمانيون شمال اليمن في هذه الفترة وعند هزيمتهم أمام الحلفاء اُجبروا على الانسحاب من الأراضي اليمنية وتسليم السلطة للإمام «يحيى» سنة 1918م، وفي عام 1919م أعلن الإمام «يحيى» عزمه على تحرير أراضي اليمن من المستعمر البريطاني، ووجد تأييداً كبيراً من أبناء القبائل الجنوبيةاليمنية، ومن ثم أرسل المُقاتلين من أبناء المناطق الشمالية إلى محميات عدن، وقدم مختلف أنواع الدعم للمناطق المحتلة حتى تم تخليص مساحات كبيرة من السيطرة البريطانية من جهة الغرب مثل الشعيب ومفلح وغيرها وذلك سنة 1926م، ولكن هذا الأمر لم يدم طويلاً، فقد ردت بريطانيا بشراسة سنة 1928م حيث ألَّبت بعض القبائل من اليمنالجنوبي على المقاتلين الذين أرسلهم الإمام وعلى القبائل اليمنيةالجنوبية الموالية لهم وقامت بالقصف بالطائرات عليهم حتى تم جلاء وخروج فصائل الإمام يحيى من المناطق المحررة وإعادة السيطرة البريطانية، وفي الحادي عشر من فبراير 1932م تم توقيع معاهدة بين الإمام والبريطانيين مفادها اعتراف بريطانيا بسلطة الإمام على الجزء الشمالي مع احتفاظ بريطانيا بالجزء الجنوبي من اليمن لأجل لا يزيد عن 40 عاماً واعتبرت هذه المُعاهدة غلطةً تاريخيةً ارتكبها الإمام يحيى.. وحين انضم اليمن الشمالي إلى الجامعة العربية سنة 1945وإلى الأمم المُتحدة سنة 1947م؛ سعى النظام الإمامي إلى الضغط على بريطانيا للخروج من الأراضي اليمنية عندما قام بإجراء اتصالات دبلوماسية بهدف الحصول على دعم دول العالم الثالث والدول الاشتراكية وغير الاشتراكية المُعادية لبريطانيا لترغمها على الجلاء من الأراضي اليمنية. أما عندما بدأ الثوار في المناطق الشمالية بالقيام بخطوات عملية للقيام بالثورة ضد الحكم الإمامي الذي اتخذ سياسة تجهيل الشعب بُغية الحفاظ على النظام الإمامي؛ وقف أبناء جنوباليمن إلى جانب الثوار الفارين من بطش الإمامة في عدن واحتضنوهم ولعل أبيات(صيحة البعث) للشهيد «محمد محمود الزبيري» لازالت شاهدةً على تلك الحفاوة التي تم بها استقبال ثوّار الشمال في الجنوب. وكما أشار المؤرخون ..فقد أدت ثورة 26سبتمبر سنة 1962م دوراً مُهماً في تصعيد الاندفاع الوطني لدى أبناء جنوباليمن بهدف التخلص من الاستعمار البريطاني، كما وقفت معظم الأطياف السياسية والأحزاب الوطنية في الجنوب إلى جانب الثورة في الشمال، وهذا ما أشعر البريطانيين أن رياح التغيير القادمة من الشمال باتت تُعرِّض مصالح بريطانيا الإستراتيجية في جنوباليمن للخطر، وبالتالي قامت بريطانيا في أواخر عام 1962م بإنشاء قواعد عسكرية في جنوباليمن لإيواء وجمع المقاتلين (الملكيين)الذين هزموا في بعض المواقع في شمال اليمن وإرسالهم على شكل فرق مُخربة في المناطق الخاضعة للجمهوريين، كما قدمت الدعم العسكري واللوجستي لهذه القوات المُحاربة ضد الجمهورية.. وعندما أحس الثوار بالمكيدة البريطانية ضد ثورة 26سبتمبر، قاموا بدعم إخوانهم في الشمال ودعم الجمهورية عن طريق إشغال البريطانيين بهدف عدم إتاحة الفرصة للبريطانيين لضرب الجمهوريين في شمال اليمن(ولعل إسقاط هذا الحدث التاريخي البطولي الذي قام به الأحرار اليمنيونالجنوبيون على ما يفعله علي سالم البيض وطارق الفضلي اليوم لدعم الحوثي في الشمال عندما يقومون بفتح جبهات ضغط على الحكومة اليمنية في بعض المناطق؛ ليظهر مدى عبث البيض والفضلي ومدى بُعد ما ينادي به هؤلاء -أرباب الحراك اليوم- عن مبادئ وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين).. وقد وضع الأحرار في جنوباليمن مهمة الدفاع عن ثورة سبتمبر في الشمال كواجب وطني كون الأرض واحدة إضافةً إلى أن الثورة المُسلحة في الجنوب دون تغيير الأوضاع في الشمال عبارة عن مُغامرة.. فتتالى الدعم من المُنظمات والأحزاب السياسية للثورة السبتمبرية حيث دُوِّن حول هذا الصدد -على سبيل المثال لا الحصر - أن الاتحاد الشعبي الديمقراطي أرسل أعداداً من المُتطوعين لدعم الثورة السبتمبرية، فقد اعتبروا صيانة الجمهورية الفتية هي المُهمة الأساسية المطروحة كما جاء في( كتابات مُختارة لعبد الله باذيب الصادر عن بيروت الجزء الثاني). كما أنه في 14 فبراير سنة1963م اجتمع عدد كبير من أبناء جنوباليمن في دار السعادة بصنعاء، وخرج هذا اللقاء بقرار ينادي بتجميع القوى الوطنية المُختلفة في جبهة وطنية موحدة تقوم بالدفاع عن ثورة 26سبتمبر في الشمال ودحر الاستعمار البريطاني في الجنوب..وعلى إثر هذا الاجتماع شُكِّلت لجنة تحضيرية مكونة من (قحطان الشعبي، وعبد الله المجعلي، وعلي الكاظمي، وعبدالله الصلاحي، ومحمد الصومالي، وثابت المنصوري، ومحمد الدقم، وبخيت مليط، وأحمد العولقي، وعيدروس قاضي) ثم قدمت هذه اللجنة ميثاقاً جاء فيه (الوضع الثوري في الجمهورية العربية اليمنية هي ثمرة تجارب الشعب اليمني شمالاً وجنوباً، ولذلك يجب التفاعل مع الثورة وقادتها ويجب أن تكون الجمهورية العربية اليمنية قاعدة للنضال في الجزيرة العربية، وحماية هذه الثورة من أي نكسة قد تقوم بها الرجعية أو الاستعمار أو الانتهازية). وقد قال علي ناصر محمد حول هذا الصدد في مُقابلة معه في مجلة «النهج» ص83 بأن: (الثورة المُسلحة في جنوباليمن بدون تغيير الأوضاع في الشمال تُعد مُجرد مُغامرة، وأنه لكي تنتصر ثورة تحريرية في الجنوب لابد أن تنتصر ثورة وطنية في الشمال) وهذا ما حصل.. كما التحق كثير من العسكريين من أبناء جنوب الوطن بالحرس الوطني في الشمال وخاضوا حروباً ضد الملكيين ومن هؤلاء (صالح مصلح، وعوض الحامد، ومحمد ناصر الجوي، وسعيد صالح، ومحمد علي الصماتي، وقاسم الزومحي، وثابت عبده حسين، والشيخ راجح لبوزة الذي أطلق شرارة الثورة المسلحة من جبال ردفان). أما عن مُشاركة أبناء شمال اليمن في صنع ثورة أكتوبر على المستعمر البريطاني، فقد تجلت في كثير من الأشكال السياسية والعسكرية حيث إن المناطق الشمالية كانت تحتضن لقاءات الأحزاب والنقابات والاتحادات الثورية في كل من صنعاءوتعز وجبلة وغيرها من المناطق..أيضاً تدريب المقاتلين في معسكرات أُعدت لذلك.. كما تجلى هذا الدعم في إدخال السلاح والمعونات الغذائية من المناطق الشمالية إلى الجبال في جنوباليمن والتي كان يرابط فيها الثوار (كان الشيخ راجح لبوزه وبعض رفاقه من الأشخاص الذين كانوا يُهرّبون هذه الأسلحة والمعونات من الشمال). إضافة إلى أن الثوار هناك لم يجدوا في أيام نضالهم أفضل من الأراضي اليمنية الشمالية كمأوى لهم من بطش المستعمر. وعلى سبيل المثال لا الحصر.. فقد فر «عبدالله باذيب» إلى تعز في أواخر سنة 1958م بعد مُحاولة اغتياله، ثم فتح مكتب باسم( مكتب تحرير الجنوباليمني المُحتل) واصدر صحيفة «الطليعة» وتعاون مع «محمد عبده نعمان» بإشراف من السلال في تقديم برنامج إذاعي موجه من «تعز» وكانت مهمة هذا البرنامج: دعوة أبناء جنوباليمن إلى مُحاربة الاستعمار.. ومن الذين فروا من بطش الاستعمار البريطاني عندما انقلبوا عليه بعد موالاتهم له إلى اليمن الشمالي السلطان الفضلي احمد بن عبد الله، وعامل سلطنة العواذل الأمير صالح بن حسين، كما فر بعض السياسيين إلى الشمال مثل رئيس حزب رابطة أبناء الجنوب العربي «محمد علي الجفري» وأخويه سنة1956م. على الصعيد العسكري.. في سنة 1963م انشئت مُعسكرات في شمال اليمن تخصصت لاستقبال الفدائيين اليمنيين من أبناء الجنوب وتدريبهم على استخدام الأسلحة الخفيفة والألغام والتفجير، ومن هؤلاء الفدائيين (عبد الرب علي مصطفى، وعلي عبود، وأحمد محمد عبده، وفضل محسن، وخالد هندي، وعبد الكافي عثمان، وصالح الجابري، وسالم باجبع، وعوض سعيدي). حاولت أن أوجز قدر الاستطاعة وذكرت - آنفاً - بعض المواقف التاريخية التي تُثبت تداخل العمليات النضالية والثورية لسبتمبر وأكتوبر وتعاون أبناء اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه في الوصول للتحرر من الحكم الكهنوتي في الشمال والاستقلال من الاستعمار البريطاني في الجنوب، وهذا ما ينكره بعض من يُطالب اليوم بدولة الجنوب العربي دون اليمن.