سعاد عبدالله.. فنانة من الجيل الرائد في الدراما الكويتية تحرص دائماً أن تديم تواصلها مع الجمهور وتختار أعمالها الأخيرة خصوصاً بحنكة وحرص شديدين بحثاً عن التميز وتجنباً للوقوع في التكرار.. أم البنات آخر أعمالها شاهدناه في رمضان وهو دراما اجتماعية من تأليف هبة مشاري وإخراج عارف الطويل ونستطيع القول أن العمل أفلح هو الآخر في شد نسبة كبيرة من الجمهور لكونه يعالج ثيمة عائلية شيقة ومحببة.. الزوج «الفنان غانم الصالح» الأب المستبد الصارم الذي يحكم العائلة بقسوة شديدة والأم التي تمارس بسعادة بالغة دور التابع الذليل الذي لا يبدي أي أعتراض مما يجعلنا نظن في البداية أن المسلسل يحاول أن يكرر «سي السيد» وزوجته «أمينة» في ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة لكن الحبكة لاتستمر على هذا المنوال الرتيب بل تحدث نقطة التحول الحاد في شخصية الأم «وفي المسلسل ككل» عندما يقرر الأب الزواج من امرأة أخرى شابة لتنجب له «ولي عهد» جديد بعد وفاة ابنه الوحيد صقر «الفنان أحمد العماني» تحس الأم بوجودها المعنوي وتقول لا كبيرة لأول مرة في حياتها وترفض القيام بخدمة الزوجة الجديدة وتأخذ بناتها الستة وتغادر بيت الزوجية معلنة استقلالها التام وانسلاخها من العبودية لتمارس وجودها الفعلي وتحقق شخصيتها ولو بعد حين في «هروبها» من البيت.. تترك أم البنات كافة أوراقها الثبوتية في اشارة رمزية واضحة إلى بحثها عن هوية جديدة بعيداً عن الزوج الذي طمس هذه الشخصية على مدى عقود، تكافح الأم وبناتها ويعملن في أعمال وحرف مشرفة لاتنقص من قدر المرأة ولاتحط من قيمتها بل تزيدها فخراً، تعمل البنات وأمهن في الطبخ والخياطة والتدريس والتجميل ويحصلن على دخل جيد فالاستقلال الاقتصادي أهم عوامل استقلال الأسرة الجديدة الناشئة التي لم تعد الآن بحاجة إلى الأب الراعي، والأهم من ذلك كله أن البنات اللواتي لم يعدن صغاراً والأم نفسها يقررن مواصلة التعليم من جديد كدعامة أخرى من دعائم الاستقلال. يمتاز العمل بلمسة رقيقة تضفيها تعليقات الأم السردية والشاعرية بعض الأحيان والكثير من المواقف الكوميدية التي تخلو تماماً من الإسفاف ويبقى العمل رشيقاً خالياً من الترهل والمشاهد المقحمة والإطالات غير المبررة بل أن سرد الأم يختصر الكثير من المشاهد التمثيلية عبر روايتها بإيجاز شيق كالمشاهد الأخيرة مثل انفصال الأب عن زوجته الجديدة بعد اكتشاف خيانتها ورجوعه نادماً إلى «حضن» أم البنات بعد أن أقعده المرض ومشاهد زواج البنات وانجابهن الواحدة تلو الأخرى التي عرضت بنفس الوقت بتتابع خاطف وظريف. ينجح مسلسل «أم البنات» على الصعيد الفكري بتقديمه للمرأة الخليجية بصورة جديدة لم نعتد ولم تعتد هي رؤيتها فتهجر الفلل والخدم والثراء لتعيش وسط المدينة والناس وتعمل بيدها بدون خجل أو وجل بل دون استعلاء طبقي،مثلما ينجح المسلسل على الصعيد الفني في إيصال رسالته الفكرية دون تكلف أو اصطناع في إطار إخراجي محترف يرقى بالعمل إلى مصاف الأعمال التي يحرص الجمهور على متابعتها.