الرايات البيضاء ترفرف في كل مكان .. على أسطح المنازل الطينية العتيقة.. وفوق السيارات «الشاحنات» المكشوفة الملونة بلون الصحراء .. أهو سلام أم استسلام؟! ..هو التساؤل الذي تبادر إلى ذهني من أول وهلة . وكانت الإجابة «سلام» ولكن مختلف، فالذي أعرفه ويعرفه الكثيرون أن قبائلنا باتجاه الصحراء سلامها لا يتعدى المصافحة واصطدام الأنوف .. وهو الأمر الذي وجدت صعوبة بالغة في إتقانه، حيث لم استطع «التنشين» وأثناء تكرار المحاولات قلت في خاطري ترى هل تستطيع الوقاية الطبية أن تلغي هذه العادة في المجتمع البدوي خاصة مع التفشي المريع لإنفلونزا الخنازير؟!. انتصار مُنصف عودة إلى الرايات البيضاء التي لا تباشر أية قبيلة في رفعها إلا في حال أرادت أن تعبر وتفصح بأسلوب معنوي فريد عن شكرها وتقديرها وعرفانها وامتنانها لكل من يساندها ووقف معها في أي مصاب جلل حدث لها.. وقد صادف زيارتي لقبيلة «بني نوف» .. أنه يوم الإفراج عن سجينين من أبنائها أدينا في قضية «الخطأ» فيها غير مقصود وهو ما سنوضحه لاحقاً. هنا يتحدث الشيخ مبخوت محمد هضبان بنبرة لا تخلو من الاعتزاز عن عادات وقيم متجذرة من الماضي التليد لا زالت القبيلة محافظة عليها فإذا ما تعرض أحدهم لمصيبة ما وهو مظلوم فيها وليس ظالماً فالواجب على الجميع وكبار القبيلة خاصة، أن يقوموا بواجبهم على أكمل وجه وأن يبذلوا قصارى جهدهم في سبيل إزالة الظلم عنه.. وعكس ذلك يحدث إذا كان الشخص المتضرر «ظالماً» .. ومن العيب حينها أن يعترف أحد به.. وهذه القيم كما يصف الشيخ مبخوت مستمدة من قيمنا الإسلامية السمحة ومن منطلق القاعدة الدينية «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» والسطور التالية توضح هذا التجسيد.. الصلح خير ولب الحكاية التي دعت لمثل هكذا رداً جميلاً أن السجينان المفرج عنهما ويدعيا مبارك محمد طويرش ومبارك محمد ملها هم في الأصل جنديان في قوات الأمن المركزي في محافظة ذمار.. خرجا ذات نهار مع مجموعة من زملائهم بداية شهر مايو من العام الجاري في مهمة حولها بعض الزملاء إلى اعتداء اثم على مواطنين من قبيلة «آل النجري» محافظة إب وقد كانت الأضرار بالغة سواء في جسديهما أو في محلهما التجاري. وفي الوقت الذي فرت المجموعة بقي «مبارك ومبارك» في مكان الحادث حتى تم إلقاء القبض عليهما وايداعهما السجن .. دون أن يطال باقي المجموعة أي شيء من هذا القبيل. في هذه اللحظات الحرجة خاصة مع إصرار الطرف المعتدى عليه على عدم قبول الصلح.. وبما أن بقية المشاركين في الاعتداء هاربون.. تدخل عدد كبير من مشايخ وأعيان ووجهاء محافظة الجوف بغرض حل القضية صلحاً وكان المحكمون عن قبيلة «بني نوف» الدكتور ناجي صالح ثوابه والشيخ مبخوت هضبان والشيخ يحيى الهندوس والعقيد محمد عمران والشيخ أحمد محمد زيد عمران .. إلى جانب محكمين آخرين من قبيلة «آل النجري». وقد كان ذلك الصلح تحت رعاية ومباركة العميد الركن أحمد علي عبدالله صالح قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة الذي تابع القضية أولاً بأول وحث الجميع على الاحتكام إلى الصلح بل وكان الداعم له عملاً بقول الله تعالى والصلح خير» صدق الله العظيم يقول الشيخ يحيى مرضي الهندوس شيخ قبيلة «بني نوف»: لقد كان لتدخل العميد الركن أحمد علي عبدالله صالح في مجريات هذه القضية وتفاصيلها الأثر البالغ فلولاه ما تلطفت الأجواء ولكان الأمر تطور إلى الأسوأ فقد بادر حفظه الله ورعاه ومن ساعة وقوع الحادثة بالتواصل مع مشايخ «آل النجري».. وحثهم على قبول الصلح والاحتكام له .. ومهد لذلك بأن أحال المصابين إلى العناية المركزة في مستشفى 48 بالعاصمة صنعاء .. وليس هذا فحسب فقد تكفل أيضاً بدفع أرش الاعتداء والذي قدره القاضي سبأ الحجي قاضي حكم الصلح بثمانية ملايين ريال ونحن من هذا المنطلق لن ننسى له هذا الجميل ونقول له جزاك الله ألف ألف خير.. حفل بهيج وقد أقام أبناء قبيلة «بني نوف» لهذه المناسبة التي انتصروا من خلال الصلح لمظلوميهم احتفالاً بهيجاً حضره حشد كبير من أبناء القبيلة وماجاورها شاكرين من وقف بجانبهم ومرحبين بضيوف الحفل من مشايخ ووجاهات وأعضاء السلطة المحلية في المحافظة. وبعد أن ابتدأ الاحتفال المُهيب بالقرآن الكريم تناثرت الكلمات والأشعار والزوامل المعبرة عن المكنون والمفصحة عما كان وسوف يكون.. وقد ابتدأ يحيى مرضي الهندوس شيخ القبيلة وعضو المجلس المحلي في المحافظة حديثه بعبارات تحمل في نبراتها كل محبة ومعزة وتقدير لأولئك الرجال الذين عجزت لسانه أن تعبر عما يحويه قلبه لهم من معزة تفوق التصور. وعلى رأس أولئك الرجال الذين تشكرهم قبيلة «بني نوف» بلسان شيخها العميد الركن أحمد علي عبدالله صالح قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة يقول الشيخ يحيى: ونحن نشكر هذه الشخصية الفذة ذات العزيمة والإقدام التي حملت حملنا ونفست كربتنا فله جزيل الشكر والعرفان دوماً ما حيينا. وفاء من جانبه تحدث الشيخ فيصل مبارك بن غرزة باسمه وباسم جميع أبناء محافظة الجوف شاكراً فخامة الرئيس علي عبدالله صالح على ما بذله من جهود في سبيل خدمة هذا الوطن.. مؤكداً أن جميع أبناء محافظة الجوف سيبادلونه الوفاء بالوفاء.. اتبع الشيخ فيصل حديثه بزامل مهدى إلى العميد الركن أحمد علي عبدالله صالح يقول مطلعه مرحباً بالواسطة وألف حيا بالوفود عد مالاحت بروق الحيا بمزانها نشكر الاخوة ومنهو بذل كل الجهود والعميد أحمد علي للجمالة نالها نشهد إنه نمر فارس ومن شبل الأسود ماتهزه ريح والموج في عصفاتها وفاء آخر بعد ذلك ألقى الشيخ مبخوت محمد هضبان كلمة مطولة أثنى من خلالها ثناءً حاراً على جهود قائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبدالله صالح التي بذلها في سبيل الاحتكام إلى الصلح.. مضيفاً: إن الفضل راجع إلى الله سبحانه وتعالى ثم لجهود قائد الحرس الذي أفنى وقته الثمين في متابعة القضية ومستجداتها.. بل إنه في حال انشغاله كان يكلف خيرة رجاله في إكمال المتابعة.. وأردف الشيخ مبخوت: إن ما قام به قائد الحرس من أعمال عظيمة ماهو أصلاً إلا حب في الصلح وحب في هذه الوجوه.. ونحن بهذه المناسبة نشكره الشكر الجزيل ومهما قلنا ونقول عنه والله ما أوفيناه حقه وكما نشكره عند الله تعالى نشكره أيضاً عند حمران العيون.. وختم الشيخ مبخوت حديثه بأن قبيلة بني نوف وقبائل الجوف قاطبة مع حماة الثورة والجمهورية ولن تكون يوماً مع دعاة الفتنة والتخريب والأهواء الضالة .. وكما بادلنا فخامة رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح وولده أحمد الوفاء سنبادلهما الوفاء ولن يجدا منا إلا مايسرهما.. الموت للي خانها للشعر في قبيلة «بني نوف» صولة وجولة وكأن الجميع شعراء ومتذوقون للشعر فعندما صعد شاعر القبيلة علي محمد مرها إلى المنصة ليلقي ماجادت به قريحته خرست الألسن وشنفت الآذان بالسماع والإصغاء ودمت الكفوف من التصفيق.. وقف شاعرنا يلقي قصائده البدوية الشديدة البعيدة عن التكلف القريبة من الوجدان فقد لامست كلماتها شغاف القلوب وعبرت باسم الجميع عن مدى التلاحم والاصطفاف الوطني في مواجهة عصابات التمرد الحوثية هذا أولاً وثانياً شكر وعرفان لكل من وقف معهم في مصابهم الآنف الذكر.. لفتة هي لفتة كريمة وجهود جبارة قام بها العميد الركن أحمد علي عبدالله صالح قائد الحرس الجمهوري في الاصلاح بين قبيلتين كبيرتين في الجغرافيا اليمنية.. وباعتقادي لو كثر المصلحون من أمثاله ماكان للثأرات والحروب القبلية في يمننا أي بقاء.. وهذه اللفتة «الصالحية» تستحق بجدارة عظيم الشكر والامتنان ليس من قبيلة «بني نوف» وحسب بل من الجوف.. والقلب وكل الجسد اليمني..