في الأعراف الفنية، أن ضرباً من الجنون يمكن أن يصاحب القناعات الابداعية.. ذلك مناط المقولة التي تذهب إلى أن الجنون فنون، والمعنى هنا مقلوب مثل حال التشبيه المقلوب في البلاغة العربية.. حالة الجنون هذه، مما يفقدها بالتالي المتعة والإثارة.. الفن اليمني يعاني من العقلانية المفرطة، لدرجة أن تتحول كثير من الأعمال الفنية اليمنية إلى مآتم وأحزان تذكرنا بالموشحات الشيعية التي تبكي على الحسين بن علي وفاطمة الزهراء!! كثير من الاشكال التي يفترض أنها فنية تجيء أثقل من الديون اليمنية لصندوق النقد والبنك والدوليين!! وحتى أشكال من الرقص تبدو وكأنها محاولات للهروب من المدرسة،أو حركات لتعليم الصم والبكم، ولاحول ولاقوة إلا بالله!! الفن اليمن لايزال على الفطرة، وربما ماقبل الفطرة.. يتسم، للأسف الشديد«!!» بالاتزان والالتزام والسكينة والوقار؛ حد أن يتكلف الأخ العزيز والباحث الحصيف مجيب الحميدي، بإحضار الفنانين من عند الإمام البخاري أينما وجدوا، في الحجاز أو بخاري أو سمر قند. الذي يجري بالضبط، فيما يظهر، أن الهاجس الأمني يغلب على الهاجس الفني، فنضطر إلى أن نشرعن للأعمال الفنية أولاً، لنقدمها ثانياً.. إننا نوشك أن نبتدر إلى تأسيس مرجعيات لتكون المرجعيات الفنية في الجمهورية اليمنية، ومابقي إلا أن يرتدي الفنانون العمائم البيضاء والسوداء، وترتدي الفنانات الجلبات الإسلامي ثم يغنين من وراء حجاب، أو من وراء الكواليس بلغة الفن!! نتوق إلى شيء من الجنون في مختلف الفنون.. نتوق إلى إيقاعات صاخبة، وكتابات صاخبة وملابس صارخة حتى!! ما أجمل أن تغزونا الأفكار الفنية الحداثية لنضيف إلى الابداعات اليمنية الحاصلة رصيداً جديداً يكسب التجارب اليمنية فاعلية وجدوى!! في أحيان ليست بالقليلة، يبدو الفن اليمني تراجيع تراثية تعود إلى عصر الدولة الحميرية، وكأن العالم توقف عند الكتابة بخط المسند والتاريخ توقف عند «سيف بن ذي يزن»!! يكترث اليمنيون، إلى حد المبالغة والاعتساف، بالإيمان والحكمة، فيقحمونهما في كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة من حياتهم، إلى أن يفرغوا الإيمان والحكمة من فحواهما!! نحتاج بالفعل إلى بضع جنون، لنكف عن تحلية الفنون بالحُلي الفضية والستاير الصنعانية والكوافي التعزية والمقاطب البيضانية!!.. الفن خروج عن أطوار العقل وحالات الخشوع إلى الدنيا الواسعة.. الفن في جانب منه طيش وعنفوان!! إنما كان الفن اللبناني مثلاً بهذه الدرجة من الشهرة لوجود «المجانين» إلى جانب الفنانين ولك أن تنظر إلى الهستيريا العجرمية ثم تحكم!! كذلك، لِمَ لانجري مقارنة بين الدبكة الشامية والربكة اليمانية؟!! أصحابنا يرقصون إلا فيما ندر رقصاً يذكرنا بالفوضى الحاصلة في مكاتب الدوائر الرسمية!! وبالنظر إلى الاشتغالات الفنية اليمنية، نجد أنها تدور في حلقات مفرغة، وكل فنان إنما يغني كما غنى أسلافه،والعود الواحد لأحد المطربين قد يتداوله خمسة زملاء!! نعم، أزمة الفن هي جزء من أزمة المشهد الثقافي برمته، لكن يبقى في الفن متسع لايمكن أن نجده في بقية أنحاء المجال الثقافي.. يستطيع الفنانون،حصرياً، أن يتمردوا على السائد والمألوف، وأن يجدوا لهم نوعاً من الجنون «المُخارج» عوضاً عن «عقل يحنبهم» !! الفن اليمني مالم يحرره أصحابنا من تابوهات الخطيئة والتكفير «سيظل رهين المحبسين» العود والمزمار!! أعتقد أن بمقدور أصحابنا إضفاء شيء من البهارات على مائدة الفن، من دون أن يعني. ما أحلى أن نتابع الفضائيات اليمنية يوماً وهي تنقل لنا مهرجاناً فنياً حافلاً، يشارك فيه «كوكبة» من الفنانين والفنانات، بأغانٍ لأول مرة.. «أمل كعدل» تغني باللهجة المغربية؛ و«كرامة مرسال» يغني باللهجة الفارسية، و«أحمد مهيوب» يغني باللهجة السورية،«نانسي اليمنية» تغني باللغة التركية!! تخيلوا أن يحدث ذلك،أو يحدث شيء يشبه ذلك!!حتى ذلكم الحين أترككم في حفظ الله ورعايته،،، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وإذن لنتفق، من الآن، أنه مرفوع القلم عن كل مجنون!! [email protected]