القوة لها أشكال ووظائف وفي نفس الوقت تنطلق من مصادر مختلفة وواحد من مصادر قوة المرأة هو الرجل وعلاقتها به وبتلك القوة تحاول المرأة السيطرة أو تغيير السلوك ، تستطيع المرأة أن تستمد القوة من الرجل في كل مجتمع،حتى تلك المجتمعات التي تكون مكانتها فيها منخفضة أو عندما يتعذر عليها ترجمة نشاطها الإنتاجي وإنجازاتها إلى قوة. وهذا النوع من القوة يكون محدوداً عادة، بحيث إنه قد يقتصر على قدرة المرأة على التحكم في حياة نساء أصغر منها سنا أوالتغيير في سلوكهن، وقد يمكنها أحياناً التحكم إلى حد ما في حياة شبان من أسرتها والتحكم في سلوكهم، إلا أنها لا تستطيع مع ذلك على الرغم من تمتعها بهذا القسط من القوة المستمدة من الرجل أن تقرر شيئاً عن حياتها أو تتخذ قرارات أو تبدي اختيارات دون موافقة رجال الأسرة ومساندتهم. وتستمد المرأة بعض قوتها من قوة الرجل، خلال عوامل ومظاهر كثيرة، أهمها قوة الانجاب «خاصة انجاب الذكور»، وقوة الزواج المبنية على الحب غير المتكافئ «الذي يفوق حب الزوج فيه حب الزوجة له» والقوة المبنية على المكانة الاجتماعية للزوج وثروته، وأخيراً القوة المبنية على مكانة السيدات المسنات أو اللاتي في خريف العمر، وهي مكانة لا علاقة لها بالجنس. نحن نعرف أنه في المجتمعات التي تقوم على تدرج اجتماعي صارم على أساس النوع «ذكر /أنثى» وعلى أساس نظام أبوي وخط للانتساب للأب، نعرف أن المرأة تستمد قوتها من قدرتها على الانجاب،خاصة انجاب الذكور،فالانجاب هو في الواقع أساس قوة المرأة في جميع الطبقات الاجتماعية، وفي ظل جميع أنواع العلاقات الزوجية، وتلك قوة تستطيع المرأة أن تتحكم بها. لذلك لايوجد ما يحث المرأة على تحديد ما تنجبه من الأبناء،حتى يصل عدد أبنائها الذكور إلى اثنين أو ثلاثة على الأقل، تدعم بهم مركز الأسرة. وهناك متغير آخر يخضع لتحكم المرأة بشكل جزئي لكنه فعال، أعني به قوة الزواج المبنية على الحب غير المتكافئ،حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن المرأة في الدول النامية التي لا تتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة من خلال ارتباطها بأقربائها تستمد من الحب مكانة اجتماعية عندما تتزوج رجلاً يحبها أكثر مما تحبه هي. والواقع أن النساء يفضلن مثل هذا الزواج إذ يميل الزوج في هذه الحالة إلى التخلي عن وضعه المسيطر، ويقبل أن يمنح القوة لزوجته وبذا تطمئن المرأة في ظل هذا الزواج إلى اهتمام الزوج بمشاعرها ويصبح باستطاعتها استخدام وسائل التأثير النفسي بنجاح مثل حرمان الزوج من الحب، أو العطف أو البكاء. واضح من تحليل هذا المظهر من مظاهر قوة المرأة المستمدة من حب الزوج أن الموقف كله يعتمد بالأساس على حب الرجل للمرأة، وهذه العاطفة وإن بدت خاضعة لتحكم المرأة إلى حد بعيد، إلا أنها تجعلها في حالة لهث دائم ومستمر وعدم استقرار، لأن ميزان العلاقة بينها وبين زوجها يصبح قلقاً كل القلق ولايمكنها الاعتماد عليها اعتماداً كلياً أو السيطرة عليه سيطرة مطلقة. وعلى الرغم من كل ذلك فهذا المظهر من مظاهر قوة المرأة، الحسن من غيره من المظاهر، بالنظر إلى نقطة تحكم المرأة وسيطرتها عليه، فإذا تأملنا بقية الأسس الأخرى للقوة وجدناها تعتمد على الطبقة الاجتماعية، للزوج أو الولد أو كليهما أو على سن الزوجة، لذلك لا يمكن التحكم في تلك الأسس أو تغييرها. لكن الواضح على أي حال إذا اسقطنا بعد تحكم المرأة في العلاقة أن المرأة تستطيع أن تتخلص من قيود مكانتها الدنيا التي وضعت فيها إذا كانت مكانتها الاجتماعية «الموروثة عن والدها أو عن أي قريب ذكر آخر» عالية، بحيث تعادل مكانتها المتواضعة التي يفرضها عليها التدرج على أساس النوع القائم في المجتمع. وفي مثل هذه الحالة تستطيع المرأة أن تحصل على القوة في مواجهة الرجل، إذا كانت تتحكم في ميراث خاص معقول أو إذا كانت مكانة الوالد أو الاخوة واتصالاتهم تساعد الزوج في حياته العملية. وهكذا تترجم النساء الموارد المستمدة من الأقارب الذكور في مواجهة الأزواج ويجب أن تنتبه هنا إلى ملاحظة بعيدة الدلالة، وهي أن درجة القوة تختلف حسب مدى انخفاض مكانة الأزواج عن مكانة الآباء أو الأقارب الذكور الآخرين للزوجة. والملاحظة في العادة أن القوة المستمدة من صلات القرابة «بالآباء والاخوة والاعمام» تكون أكثر متانة من تلك المستمدة من روابط الزواج، إذ إن روابط القرابة الاقتصادية والاجتماعية لا تنفصم ولا تزول. ونجد كذلك في المجتمعات التي تعتمد فيها مكانة المرأة أو ملكية الأرض على إنجاب الأطفال وخاصة الذكور يكون أساس هذه القوة ثابتاً وفي الحالات التي تكون فيها مكانة الوالد الاجتماعية عالية وترتبط بسيطرة المرأة على الدخل «المتحصل من عائد الأرض أو من إيجارها» بمساهمتها مساهمة كبيرة في دخل الأسرة، تستطيع المرأة أن تقرر طبيعة تقسيم العمل داخل الأسرة أو تعدل فيها تعديلات هامة، وذلك باستخدام مواردها الخاصة تلك في شراء بعض الخدمات أو دفع أجور أشخاص يقومون بتأديتها. والأهم أن نتنبه إلى أنه لما كانت فكرة سيطرة الرجل في هذه المجتمعات التي يبرز فيها التدرج الطبقي على أساس «ذكر / أنثى» فكرة سائدة ويؤمن بها النساء والرجال على حد سواء فإن النساء، لايحاولن الاستقلال اقتصادياً عن الرجال، وإنما هن يشاركن في الأنشطة الإنتاجية نتيجة تخلف الطرف الآخر عن أداء واجبه، فهن لم ينشأن اجتماعياً على فكرة الاستقلال أو الاستمتاع به، أو فكرة السيادة وحياز القوة المبنية على نشاطهن الانتاجي.