كلمة استوقفتني كثيراً ((الناس على دين ملوكهم)) فأحببت أن أوجه هذه الكلمة أو المقولة وسمها ما شئت لكل قائد استحوذت عليه صفات المدير ليتحرر منها ويكون قائداً مبدعاً وهذه المقولة قصد بها ملوك البلاد فالحاكم اليهودي شعبه يهودي والمجوسي شعبه مجوسي وهلم جراً فإذا غير الحاكم أو الملك ديانته غير القوم ديانتهم تبعا له (حباً فيه) ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يبعث رسله إلى ملوك الدنيا يقول لهم ( اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ) ويقصد أجره وأجر من اتبعه من قومه (فإن أبيت فعليك إثمك وإثم من اتبعك) وكان يسميهم بأسمائهم مثل إثمك وإثم القبط للمقوقس وهنا يقصد ان القوم لن يدينوا بدين الله وذلك بسبب حاكمهم. (والمعنى يحمل أكثر من هذا ويتجاوزه إلا الطباع وهذا ما سنأتي على ذكره بشكل يسير). فإذا أسلم الأمير أسلمت رعيته ولهذا كان للقائد على مر العصور أهمية كبرى والآن وبعد تطور علم الإدارة وتطور الحضارات الإنسانية أصبح معنى القائد يتجاوز الوالي أو الرئيس ليشمل كل صاحب منصب في إدارة أو في مؤسسة أو منظمة ومن هذا المنطلق أقول للقائد الذي لا يرى في موظفيه صفات الإبداع ، الانضباط، روح الفريق ،..الخ من مشكلات الإدارة، أقول له: الناس على دين ملوكهم فابدأ بنفسك واعرف أين يكمن الخلل ولا تبحث عنه بين موظفيك وإنما بين جوانحك تلقى النقص فعندما ترى أن الموظفين غير مهتمين بالعمل فهذا راجع لعدم اهتمامك كقائد بهم وعلى هذا فقس وأعلم أن أي تدهور يصيب فريق عملك ترجع أصوله إليك فابحث عن جذور المشكلة واترك أوراقها لفصل الخريف فهو كفيل بإسقاطها وتعلم فقط كيف تكتشف الوباء من الجذر واعلم أيضاً انه لا يوجد قائد ناجح في إدارة فاشلة وعليه لا توجد إدارة ناجحة وقيادتها فاشلة، ففشل الإدارة أو الفريق من فشل قائده وعلوها من علوه واسمع أيها القائد لهذه القصة:- وقعت أحداث هذه القصة لأحد المدربين حيث تعاقد مع إحدى المؤسسات ليدرب فريقهم على التعاون والثقة فيقول :- عندما أتيت لتدريب الفريق وجدته غير منسجم ولا منظم وغير ملتزمين إضافة إلى بعض المشاكل فأحببت معرفة الخلل لأكمل عملية التدريب وتوجهت في اليوم التالي إلى المبنى الرئيسي للمؤسسة والتقيت بالموظفين وهم على مكاتبهم وفجأة أتى النائب الأول للرئيس وبدأ بمحادثة إحدى العاملات بعد أن قاطع حديثها والتفت إلى احد المندوبين صارخا به لماذا يحتفظ بصورته الشخصية على المكتب مع أن هذا ممنوع فانتظرت حتى دخل النائب مكتبه فدخلت بعده وبعد تبادل التحايا وهو يتأرجح على كرسيه قلت إن هناك مشكلة ويجب علينا حلها فابتسم لي فقلت له :هل لي أن أسألك سؤالا ليس له علاقة بالعمل، فابتسم وهو يتأرجح على الكرسي، وقال نعم، فقلت له:- (كيف تؤدي عملك كل يوم وقلبك في المنزل فنظرني طويلا ثم قال وماذا تعرف عني أيضاً فقلت:- انه أمر محير يبدو أنك شخص لطيف إلا أن أفعالك تبين أنك لا تبالي بالناس فعندك أداء المهام أهم من العلاقات مع الآخرين واعتقد انك تعرف الفرق ) فنظر النائب إلى ساعته وقال: هل تقبل دعوتي على العشاء واستمر العشاء، ثلاث ساعات وفيها شرح لي بالتفصيل عما كان يفعله في فيتنام حيث كان ضابطا بحريا هناك وتكلمنا عن المآسي حتى فاضت عيوننا من الدمع. وفي صباح اليوم التالي استدعاني إلى مكتبة وسألني:-( هل تسمح أن تجلس معي حتى انتهي من العمل فوافقت وبعدها استدعى المندوبة التي تعاقدت معي واعتذر منها عن عدم كياسته معها أمام الآخرين مما أصابها بالدهشة وقال لي: هل تريدني أن افعل شيئاًً آخر فقلت له اعتقد أنه يجب أن تعتذر من الفريق بأكمله. فرفع سماعة الهاتف وقال لسكرتيرته: نادي لي الموظفين إلى المكتب واعتذر منهم جميعا لمعاملته الفظة وعدم كياسته وقلة الاحترام وعرض عليهم تغيير كل شيء وكانت بداية الاجتماعات الجديدة بين النائب وأعضاء الفريق ومنذ ذلك الحين توقف بعض الموظفين عن البحث عن عمل جديد وبدأ الموظفون يشعرون أن العمل لم يعد عبئاً عليهم وإنما متعة وهكذا بدأ الفريق يحصد النجاح . وهكذا أيها القائد انطلقت شرارة التغيير بتغير القائد وتحسنه فكلما اظهر تحسناً اظهر الفريق براعة كبرى في انجاز العمل، وكما أسلفت لا تبحث عن الأوراق ولكن الجذور هي الأهم فالورق ستتبدل وستظهر نفس المشكلات لأن الجذر مازال موجوداً لكن إذا تبدل الجذر صلحت الأوراق تلقائياً وهنا أنصحك إذا أردت تغيير الطباع فلا تجعلها قناعاً تلفقها على طباعك فالأقنعة دائما ما تسقط وتظهر الحقيقة ولكن تطبع بها وتعلم من جديد وأخيرا أكرر (( الموظفون على دين قادتهم)). القصة من كتاب شوربة دجاج للحياة العملية بتصرف