كانت آخر مرة أغتسل فيها قبل شهر، بدأت الأوساخ تغزو ملابسه بشراهة، شعره وذقنه يضيقان الخناق على صفحة وجهه، القلق والتوتر يلازمان كل تصرفاته، صار يهذي، يصطنع الحديث مع نفسه لساعات، يصحو على إثرها متسائلاً: هل الحديث مع الذات ضرب من الجنون، وهل يوجد من يبحث عن الجنون؟ أم إنه يأتي إلينا دون عناء؟ يصمت قليلاً، ثم يقفز ضاحكاً، يعود ليتأمل الفضاء أمامه، يلوح بيديه، يصيح: لاحدود للهذيان..في المنزل هذيان،في الشارع..في كل مكان، ويطبق عليه السكون ثانية، يحدث نفسه: ما الذي يجعلنا نتصرف بهذه الطريقة، هل صعوبة الحياة، ندرة الاشخاص الطيبين...خسارة من نحب هي التي صنعت بي كل هذا؟ أم إنني أردت الجنون ورحت أبحث عنه؟!.. تعلو وجهه ابتسامة.. تتعالى من فمه ضحكات مدوية...يصرخ باكياً، ويعود للانطواء على ذاته، هل الجنون يأتي إلينا ببطء فنذهب إليه هرولة؟ أم إن الدنيا لا تتسع لعقلاء أكثر؟ يهز رأسه قائلاً: سيكون هناك خلل فادح إذا لم يحدث توازن بين الناس؟ لا بد من وجود عقلاء ومجانين، أمناء وخائنين، صالحين ومفسدين، لا بد... ويغمره الصمت...هل أكون قد عشقت الجنون أو إنه قد أحبني فسرى إليّ؟هل..وتدوي ضحكاته في الغرفة..