كان أبو العباس جالساً في مجلسه على سريره، وبنو هاشم دونه على الكراسي، وبنو أمية على الوسائد، قد ثنيت لهم - وكانوا في أيام دولتهم يجلسون هم والخلفاء منهم على السرير، ويجلس بنو هاشم على الكراسي - فدخل الحاجب فقال: يا أمير المؤمنين، بالباب رجل حجازي أسود راكب على نجيب، متلثم، يستأذن ولا يخبر باسمه، ويحلف ألا يحسر اللثام عن وجهه حتى يراك، قال: هذا مولاي سديف، يدخل، فدخل، فلما نظر إلى أبي العباس وبنو أمية حوله، حدر اللثام عن وجهه ثم سلم، ودنا وقبل يده، ثم انصرف إلى خلفه، فقام مقام مثله، وأنشأ يقول: جرد السيف وارفع العفو حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا لا يغرنك ما ترى من رجالٍ إن تحت الضلوع داء دوياً بطن البغض في القديم فأضحى ثاوياً في قلوبهم مطوياً وهي طويلة قال: يا سديف، خلق الإنسان من عجلٍ، ثم قال: أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا فلن تبيد وللآباء أبناء فتغير لون أبي العباس، وأخذه زمع ورعدة، فالتفت بعض ولد سليمان بن عبدالملك إلى رجل منهم، وكان إلى جنبه، فقال: قتلنا والله العبد، ثم أقبل أبو العباس عليهم، فقال: أرى قتلاكم من أهلي قد سلفوا وأنتم أحياء تتلذذون في الدنيا، خذوهم، فأخذتهم الخراسانية وضربوهم فأهمدوا، إلا ما كان من عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز فإنه استجار بداود بن علي، وقال له: إن أبي لم يكن كآبائهم وقد علمت صنيعته إليكم، فأجاره واستوهبه من السفاح، وقال له: قد علمت يا أمير المؤمنين صنيع أبيه إلينا. فوهبه له، وقال له: لا تريني وجهه، وليكن بحيث تأمنه، وكتب إلى عماله في النواحي بقتل بني أمية.