وتكرس مناسبة اليوم العالمي للمياه هذا العام لمناقشة موضوع نوعية المياه وإبراز أهمية ونوعية الموارد المائية بهدف إذكاء الوعي بشأن استدامة نظم ايكولوجية صحية ورفاهية الإنسان من خلال التصدي للتحديات المتزايدة في مجال إدارة المياه في سبيل تحقيق نوعية المياه والتي يُسلط الضوء عليها لتشجيع الجهات المعنية على الاضطلاع بأدوار استباقية بشأنها، والقيام بأنشطة من قبيل منع التلوث وأنشطة التنظيف والإصلاح. ولأنه تقرر أن يكون الاحتفال بهذا اليوم في محافظة تعز التي تعتبر الأكثر معاناة من شحة وندرة وتلوث المياه وتزامناً مع هذه المناسبة نحن بدورنا قررنا أن نستعرض لكم في المادة التالية بعضاً من الملامح الحائرة لأزمة المياه في تعز: تحد تنموي عام يعتبر شح الموارد المائية واستنزاف خزاناتها الجوفية كنتيجة للعجز المائي المتزايد عاماً بعد عام وتعرض العديد من المصادر المائية للتلوث، مشكلة من أعقد المشكلات التي يواجهها اليمن بشكل عام وهذا الواقع الذي يمثل من أهم التحديات التنموية يفرض على البلاد تخفيض الاستخدام الحالي غير المستدام للموارد المائية عن طريق تحسين إدارة هذه الموارد وتخطيط استغلالها بصورة عقلانية والعمل على تحقيق المشاركة المجتمعية في إدارة الموارد المائية. هذه المشكلة تتعاظم بكل تجلياتها في تعز لتبدو كأزمة ذات ملامح حائرة مما يتطلب تكثيف الجهود وفرض الحلول اللازمة للمعالجة. بعض من ملامح مدينة تعز من أكثر المدن معاناة من مشكلة المياه، وشحة مواردها المائية المتاحة، إذ تتسم مدينة تعز بزيادة النمو السكاني وزيادة الهجرة من الريف إلى المدينة والتوسع العمراني يقابله شحة في الموارد المائية والتناقص فيها هو متاح من هذه الموارد. ومنذ سنوات وهناك عجز مائي يتراكم عاماً بعد عام حتى اتسعت الفجوة بشكل كبير بين الاحتياج اليومي للمدينة من المياه ووصل العجز إلى أكثر من “70 %” فالمدينة تحتاج إلى “60000” متر مكعب يومياً من المياه بينما الإنتاج اليومي لمؤسسة المياه لايتجاوز “20000” متر مكعب يومياً، أي إن هناك فجوة مقدارها “40000” متر مكعب لاتستطيع المؤسسة توفيرها، الأمر الذي هبط بنصيب الفرد من المياه بانخفاض يصل إلى 2 % من مستوى خط الفقر المائي.. من ملامح المشكلة المائية في تعز عدم توفر المعالجات المناسبة للمياه العادمة للاستفادة منها ولو في الجانب الزراعي وغياب الإدارة المتكاملة لإدارة مياه تعز وتلوث الأحواض المائية السطحية والجوفية. أعالي رسيان تعتمد مدينة تعز وضواحيها من المديريات الريفية على مياه حوض أعالي وادي رسيان كمصدر أساسي للتزود بالماء، ويمتد هذا الحوض في مساحة واسعة من محافظة تعز ويدخل في أجزاء من محافظة إب، وكل الحقول والآبار التي يتم تزويد مدينة تعز بالمياه واقعة في إطار حوض أعالي وادي رسيان، حيث تتغذى تعز حالياً من ستة حقول رئيسية هي حقل الحيمة وحقل حبير وحقل الحوبان وحقل الحوجلة وحقل المدينة وحقل الضباب، وكلها تدخل في نطاق حوض أعالي رسيان الذي يعاني من مشاكل عدة أهمها قلة التغذية الراجعة مقارنة بما يتم سحبه واستنزافه من مياهها، وهي مشكلة كبيرة ذات أبعاد عدة وتأثيرات سلبية على المدى الطويل والمتوسط بل والقصير أيضاً، فحسب الدراسات التي نفذتها الهيئة العامة للموارد المائية لحوض أعالي وادي رسيان تشير التقريرات إلى أن حجم التغذية للمياه الجوفية مقدرة ب 15مليون متر مكعب في السنة بينما يبلغ معدل الاستخدام أو السحب من الحوض 43 مليون متر مكعب في السنة منها 41مليون متر مكعب من المياه الجوفية و2 مليون متر مكعب من المياه السطحية أي إن مخزون الحوض يتناقص باطراد وسيقود ذلك إلى نفاده على المدى الطويل وارتفاع نسبة التلوث فيها على المدى المتوسط والقصير.. وبحسب الدراسات فإن “65 %” من المياه المسحوبة من الحوض تستخدم للزراعة و”7 %” للاستخدامات المنزلية للمناطق الريفية و”17 %” للاستخدامات المنزلية للمناطق الحضرية بما فيها مدينة تعز، و”11 %” للاستخدامات الصناعية. نفاد شبه أبدي وأوضحت الدراسات الجيولوجية لأعالي وادي رسيان أن هذا الحوض يتكون من رسوبيات الوديان الرباعية والصخور البركانية والصخور الرسوبية والصخور النارية.. فيما أفادت الدراسات الهيدرولوجية أن حوض أعالي وادي رسيان يتراوح سقوط الأمطار في مناطقه بين “550600” مم في المتوسط حيث تزداد في المرتفعات الجبلية وتقل في المناطق الوسطى الأقل ارتفاعاً وتتواجد العيون والغيول في منطقة أعالي وادي رسيان في الجزء العلوي شمال وادي رسيان “الجعاشن والسهلة” وفي الجزء الغربي الجنوبي من أعالي الحوض “الضباب وصبر” ومعظمها موسمية تتعرض للجفاف شتاءً الأمر الذي يقلل من معدل التغذية الرجعية ويزيد من معدل التناقص الحاد للحوض، كما بينت الدراسات أن الخزانات الجوفية لحوض أعالي وادي رسيان تتوزع بين ثلاثة أنواع هي خزانات رسوبيات الوديان الرباعية وخزانات البركانيات المتشققة المحصورة وخزانات الحجر الرملي التابعة لمتكون الطويلة، وهي في أغلبها غير قابلة للتعويض ونفادها سيكون نفاداً شبه أبدي. إنتاج أقل ومشاكل أكثر وفيما أشرنا أن مدينة تعز تتغذى حالياً من ستة حقول رئيسة فقد أشارت الدراسات أن كمية المياه المنتجة من قبل المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي لاتتماشى مع كمية احتياج المدينة للمياه حيث يبلغ معدل الإنتاج السنوي من تلك الحقول “7.3” ملايين متر مكعب في السنة بينما الاحتياج السنوي للمدينة يقدر ب22 مليون متر مكعب في السنة. ويبلغ عدد الآبار العاملة لدى المؤسسة 51 بئراً في الحقول الستة المشار إليها والموزعة على حوض أعالي وادي رسيان. وللتعرف أكثر على حجم المشكلة المائية في تعز وملامح أزمتها الحائرة وخصوصاً فيما يتعلق بنوعية المياه الموضوع المحتفى به في هذه المناسبة سنستعرض في الفقرات التالية وضع أحد الحقول الستة المغذية للمدينة وهو حقل الحوبان لنقربكم أكثر من تفاصيل ملامح الأزمة الحائرة للمياه في تعز. تنبيه كما نبهت الدراسة إلى أن غياب التشريعات البيئية الواضحة والإجراءات الصارمة “إجراءات الضبط القضائي” شجع على التمادي في انتهاك حرمة البيئة وارتكاب الجرائم البيئية ومشيرة إلى بعض الممارسات الخاطئة والعشوائية والضارة مثل تصريف المياه العادمة في المجرى المائي للحقل بطريقة أو بأخرى والاستخدام العشوائي للمبيدات والري بالمياه المالحة، وغياب التخطيط العمراني السليم الذي يراعي الجوانب البيئية، وكل ذلك يمثل مسببات رئيسية في المشكلة التي تعاني منها منطقة حقل الحوبان ومياهها الجوفية. حقل الحوبان حقل الحوبان أحد الحقول الرئيسية الستة التي تمد مدينة تعز بالمياه وقد نفذت الهيئة العامة للموارد المائية، فرع تعزوإب دراسة لتقييم نوعية المياه وحصر نقاط التلوث في هذا الحقل حيث هدفت الدراسة إلى تحديد طبيعة المصادر المائية للحقل والمستجمعة من أعالي وادي رسيان وحصر نقاطها ومصادر التلوث في الحقل وتعيين حجم تأثير الملوثات الحضرية على مصادر الحقول المائية.. ونفذت الدراسة في منطقة يتراوح ارتفاعها بين “17201360” متراً وتقدر مساحتها بحوالي 57 متراً، ومنطقة الحقل تقع إدارياً ضمن مديريتي التعزية وصالة “68 %” منها في مدينة التعزية و”32 %” في مديرية صالة. وخلصت الدراسة إلى أن المياه الجوفية في معظم أنحاء الحقل هي مياه ملوثة وغير صالحة للشرب بسبب احتوائها على بكتيريا الكولي فورم وتركيز المادة العضوية وارتفاع نسبة الملوحة بسبب زيادة الكاتيونات والأنيونات إلى المستويات التي تسبب ضرراً بالغاً بالإنسان والنبات والتربة، وأكدت الدراسة أن هناك مخاطر حقيقية لإصابة الإنسان بالأمراض الفتاكة. النقاط الأكثر تلوثاً وأشارت الدراسة إلى أن التوسع العمراني والصناعي يفاقم من مشكلة تلوث وتدهور نوعية مياه حقل الحوبان نظراً لغياب إدارة المياه العادمة والنفايات الصلبة وخدمات المياه والصرف الصحي في منطقة الحقل، منوهة أن هناك أربع مناطق رئيسية في إطار الحقل يتركز فيها التلوث بشكل عال وتتضح فيها علامات تدهور المياه وهذه المناطق هي “المجمع الصناعي، كلابة، النجدين، وحديقة الحوبان”. لم نبلغ حد الاستعصاء هل استعصت أزمة ومشكلة المياه ذات الملامح الحائرة في تعز على الحلول وإذا ما كان هناك حلول ناجعة.. فماهي؟ ولماذا لايتم الإسراع بتبنيها إذا كانت موجودة وممكنة؟ لأنه إذا وجد الحل ولم ينفذ فبالتأكيد ستصبح هذه الأزمة مشكلة شبه مستعصية وتتراكم تأثيراتها السلبية مع مرور الوقت ف100%” ستغدو مشكلة مستعصية تماماً على أي حلول نحاول تنفيذها فهل وصل الوضع حالياً مرحلة الاستعصاء؟ يجيب المهندس عبدالصمد محمد يحيى مدير عام فرع الهيئة العامة للموارد المائية بتعز عن ذلك بكلمة “لا” لا لم نصل إلى مرحلة الاستعصاء والأزمة حالياً ليست مستعصية فالمشكلة الأساسية كما يقول تكمن في سوء إدارة الموارد المائية، فالموارد المائية مهما بدت لنا قليلة إلا أننا بحسن إدارتها لن تمثل لنا مشكلة مؤكداً أن الحل يتمثل في حسن وتطوير إدارة الموارد المائية وهي مهمة مناطة بكل الجهات وبكل شرائح وقطاعات المجتمع، والحرص على الحفاظ على كل قطرة ماء وترشيد الاستهلاك وإنجاز التدابير اللازمة للحد والتقليل من مصادر التلويث للمياه الجوفية. بعض من الحلول وبشأن كيفية إدارة الموارد المائية بالشكل الصحيح قال المهندس عبدالصمد: إن ذلك مناط بتقديرنا لنعمة الماء وشكرها وعدم الإسراف في استخدامها وإشراك كافة أبناء المجتمع في إدارتها مشيراً إلى أن هناك دراسة أجرتها الهيئة حول تقييم المصادر المائية في مدينة تعز وقد أوضحت هذه الدراسة كيفية الحفاظ على كميات المياه وكيفية الحفاظ على نوعيتها ففي جانب الحفاظ على كميات المياه أوصت الدراسة بوقف الزحف العمراني على أحواض المياه وعمل مدرجات في مصبات جبل صبر التي تصب في المدينة وتنفيذ مشاريع حصاد الأمطار عن طريق دعم بعض المواطنين لتنفيذها وتأهيل جميع العيون المتواجدة من خلال البحث عن المصادر الرئيسية لها وتجميع كل ماينبع منها وحفظها في خزانات تمنع عنها التلوث والتقليل من فاقد شبكة المياه بشقيه الفني والإداري وإعادة النظر في أعمال الرصف وبناء القنوات بما يحقق تغذية للمخزن المائي بدلاً عن تصريف كل الكمية خارج مناطق الحوض المائي. أما بشأن التدابير اللازمة للحفاظ على نوعية المياه في تعز فقد قال مدير عام الهيئة: هناك عدد من التوصيات ومنها تفعيل دور الرقابة على السراويس وورش تغيير الزيوت وعمل حل لمشاكل المجاري التي تصب في العبارات وإلزام المواطنين بعدم تصريف المجاري ورمي المخلفات إلى العبارات وتحديد مقلب خاص بالمخرجات الخطيرة مثل زيوت السيارات وتشجيع القطاع الخاص للقيام بعمل معامل تدوير المخلفات الصلبة.