من الصعب موارة قبح الحروب خاصة تلك التي فرقت بين الأخ وأخيه.. والجوف الموبوءة بنار الثأرات القبلية، التي لم تهدأ جذوتها حتى جاءت حرب صعدة وزادتها اشتعالاً.. واليوم وبعد أن توقفت الحرب يبدو أن المهمة صعبة على رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية للإشراف على وقف إطلاق النار وتنفيذ الشروط الستة المعروفة.. في محور حرف سفيان، السواد، الجوف .. وخلال نزولي الميداني وحضوري جانباً من بعض اللقاءات التصالحية اتضح لي أن الجوف خارجة عن السياق العام للمصالحة خاصة وأن أطراف الصراع فيها قبائل متجاورة متناحرة.. وهو الأمر الذي حفزني لأن ألتقي برئيس وأعضاء ذات اللجنة بهدف التعرف أكثر على مجريات الأمور ولسان حال الجميع يقول: الفتنة كانت نائمة لعن الله من أيقظها”. أسرة يمنية واحدة البداية كانت مع الشيخ على عبدربه القاضي عضو مجلس النواب ورئيس اللجنة المشرفة الذي بدأ حديثه بالتهاني لأننا بدأنا في طريق السلام. الشيخ القاضي قال: الحرب كانت فاجعة ولا يشعر بمرارتها إلا من شاهد آثارها.. وكونه شاهد ركامها في حرف سفيان وبعض مناطق صعدة، وصف ما شاهده بما بثته الفضائيات من برامج وثائقية عن آثار الحرب العالمية الثانية من حيث التدمير الكامل لكل مقومات البنية التحتية. وأضاف الشيخ القاضي: إنه وحتى نتخلص من كل المشاكل العالقة فنحن بحاجة إلى صحوة وطنية وصحوة ضمير.. وأن نتحرر من التعصب الأعمى والصراع الطائفي.. وولاؤنا يجب أن يكون لله ثم للوطن فلا زيدية ولا شافعية ولا وهابية ولا سلفية ولا عدنانية ولا قحطانية بل أسرة يمنية واحدة. جزء من الحل وفي إطار حديثه عن طبيعة مهمة اللجنة التي يترأسها استعرض القاضي ما قامت به في مديرية حرف سفيان.. من نزع للألغام وإصلاح للطرق وإشراف على إخلاء الحوثيين للمواقع.. لافتاً إلى أن المهمة في محافظة الجوف مهمة صعبة لأنها في الأصل قضية ثأرات ساعدت الحروب السابقة على تأجيجها والمطلوب من الجميع في ظل هذه المرحلة الحرجة أن يتطلعوا إلى المستقبل وأن ينسوا الماضي، وأن يتعايشوا بهدوء وسلام، فالصراع ليس فيه غالب ولا مغلوب، والخاسر الوحيد هو اليم بشعبه وبنيته الاقتصادية والتنموية، ونأمل أن تكون هذه الحرب درساً تتعظ ويستفيد منه الأجيال القادمة، وأضاف القاضي: نحن نمشي بالاتفاقية ولا زلنا بالبند الأول منها وهو الأهم والمتمثل بنزع الألغام وإصلاح الطرقات.. وقد وصلنا فيه إلى ما نسبته 90 %، وما تعدى هذا البند فهو سابق لأوانه وسنبدأ فيها حال الانتهاء من هذا البند. وعاد القاضي وذكر بأن مهمتهم صعبة وأن وسائل الإعلام لا تنقل إلا الشيء اليسير، معتبراً ما يقومون به بالمغامرة منهم، يمرون على مناطق مزروعة بالألغام والعبوات الناسفة ولكن كل المخاطر تهون في سبيل الوطن وأن ينعم أبناؤه بالأمن والاستقرار. وختم القاضي حديثه بأن لجان الوساطة المشرفة بيدها جزء من الحل وليس كل الحلول، والواجب علينا جميعاً أن ننعش ثقافة السلم في واقعنا وأن نقبل بعضنا على أمر من الحنظل بالنسبة للماضي وأحلى من العسل بالنسبة للسلام والمستقبل. الكثير من الجهد الشيخ/ منصور الحنق عضو مجلس النواب يرى أن الإصلاح بين الناس ضرورة تؤطر التعايش السلمي بين الناس وتبعدهم عن الحروب والفتن ذات الآثار المدمرة اجتماعياً واقتصادياً فهذه الحروب تؤثر على العلاقات الأسرية سواء بين الأخ وأخيه.. واقتصادياً تؤثر على البنية التحتية وتؤدي إلى إيجاد بنية خصبة للفقر والمجاعة والنزوح الجماعي. وخلص الشيخ الحنق إلى أن حل المشاكل والثأرات تتطلب الكثير من الجهد ومن المهم أن يستند على التحلي بالصبر والحكمة وهي الصفات المثلى التي يجب أن يتحلى بها من يريد الإصلاح بين الناس. وطالب الشيخ الحنق محافظ محافظة الجوف وأهل الخير والصلاح فيها أن يعيروا مثل هذه القضايا جل اهتمامهم، وأن يكونوا سنداً للصلح وأن يزيدوا من اهتمامهم بهذه المحافظة المحرومة في مجالين مهمين المجال الخدمي والمجال الأمني لأنها ستخفف كثيراً من المشاكل الدائرة ويتجه الناس نحو البناء والتنمية. ما لليمن إلا أهله يشاركه الرأي الشيخ أحمد أحمد العقاري عضو مجلس النواب الذي أردف: إن ما بين محافظة الجوف والدولة الأكل خير، وأن حروب الفتنة التي دارت ما هي إلا بدعم وتحريض من قبل أياد خارجية، لا تريد لليمن أن يستقر.. ونحن في بلد الإيمان والحكمة وما أكثر العقلاء والمصلحين فينا! وما من قضية إلا ولها حل وما لليمن إلا أهله.. والإنسان مأجور وأجره عظيم عندما يسعى للإصلاح بين الناس. وأضاف الشيخ العقاري: إن الجوف فيها أيضاً الكثير من العقلاء والذي نأمله أن يرجعوا إلى حل قضاياهم بأنفسهم وخاصة الثأرات لأنها إذا لم تحل من البداية تتوسع وتزيد بمدتها عن حروب داحس والغبراء والبسوس.. ومما أكد عليه الشيخ العقاري أن الجوف مخزون اليمن الغذائي وهذا المخزون يجب أن يؤمن وهذا لن يتم إلا من خلال تكاتف كل الجهود فالدولة واجبها أن تهتم كثيراً بهذه المحافظة المحرومة من أبسط المشاريع.. وعلى المواطنين أيضاً أن يكونوا عاملاً محفزاً ومطمئناً فحسب علمي أن المشاريع عندما تأتي إلى هذه المحافظة يقوم الموطنون بالاعتراض عليها وطلب شروط تعويضية تعجيزية من “المقاول” مما يضطر هذا المقاول أن يرحل وعلى المشاريع الخدمية “السلام”. عزم على الحل النائب البرلماني علي العمراني قال: إن الهدف الرئيسي من تحرك لجان الوساطة هو السلام، فلا حياة ولا استقرار ولا نهوض تنموي ورقي حضاري، إلا إذا تحقق الأمان والسلام الشامل، وما حدث في محافظة صعدة من حرب استمرت ست جولات متتالية، هي امتداد لحرب الستينيات من القرن المنصرم والتي كانت بمثابة مخاض لثورتنا السبتمبرية المباركة. وأكد العمراني أن لجان الوساطة عازمة على تصفية كل المشاكل والاختلالات القائمة، داعياً أبناء القبائل في محافظة الجوف وغيرها من المحافظات، إلى التوجه بصدق إلى التصالح والتسامح، ونبذ العنف والثأرات الجاهلية لأنها من عوامل التخلف ولا يمكن لأي مجتمع من المجتمعات أن يتقدم وهذه السلبيات معشعشة فيه. شعبنا طيب مهام لجان الوساطة كما يصف النائب البرلماني” علي شائع صعبة للغاية فالبناء ليس سهلاً كما الهدم، موضحاً أن الأمن والاستقرار، والعمل على نشره، أضحت سمة عصرية للبناء والنماء والتقدم في أي مجتمع من المجتمعات. شائع أردف أيضاً أن الحروب والقلاقل والفتن تسيء لسمعة البلدان، وبلادنا جزء من ذلك، وإذا لم نعمل جميعاً على إنهاء الزوابع فلن يذكرنا أبناؤنا مستقبلاً بخير، خاصة وأن بلادنا وبشهادة كثير من المهتمين بيئة خصبة للاستثمار، وهي أيضاً غنية بالآثار العظيمة والمناظر الخلابة، ومحط اهتمام الزائرين والباحثين، ولا سياحة بلا أمن، وما نرجوه ويأمله الجميع أن تنجح مهمتنا التصالحية، ويحتكم الجميع للعقل وأن يترك السلاح جانباً ونتجه جميعاً لبناء هذا الوطن الحبيب. وخلص شائع إلى أن الوطن لم يعد يتحمل المزيد من القلاقل والفتن وإذا لم يستشعر أبناؤه ذلك فهي الطامة الكبرى وسينهار البناء على من فيه، وعلى عقلاء اليمن أن يكونوا قادة بناء وإصلاح وقطعاً سينقاد الشعب نحو هذا التوجه، لأن شعبنا طيب للغاية ولكنه بحاجة إلى من يرشده ويقوده صوب جادة الصواب. الحكمة تنتصر من جانبه ناجي الظليمي عضو مجلس الشورى عبر عن سعادته لانتهاء الحرب، معتبراً ما حدث بأنه عبث خارجي خسيس، من أجل الإضرار باليمن أرضاً وإنساناً.. وأننا- اليمانيين- أهل حكمة، قادرون على التعامل مع تلك المؤثرات ونتحدى الخطوب وننتصر عليها، ولو قرأنا التاريخ وتأملناه جيداً، لوجدنا أشباه ذلك، وأن النصر في النهاية يؤول للعقل والحكمة. وأضاف الظليمي: المهمة صعبة ولكن أجرها عند الله عظيم، والوطن الذي أعطانا الكثير يجب أن نضحي في سبيله.. لأن الأمن والاستقرار أساس بقائنا وأجيالنا. وفيما يخص محافظة الجوف قال الظليمي: أهل الجوف أهل حكمة، وإذا كان وضعهم في هذه القضية يختلف عمن سواهم، إلا أننا نناشد العقلاء منهم، وأطراف الصراع على وجه الخصوص، أن يجعلوا من السلام الذي نسعى إليه ركيزة يجددون من خلالها لقاءاتهم التصالحية، المبنية على الأخوة والمحبة ولم اللحمة.. وأن يكونوا قدوة لغيرهم في تبني روح المبادر والسبق في التخلص من هذه الثأرات المقيتة التي لا يرضاها عقل ولا شرع.