باستطاعة المبضع أن يستأصل الألم، وباستطاعته- أيضاً- أن يستأصل الروح.. فشتان بين استئصال الألم لتبقى الروح، وبين استئصال الروح ليبقى الألم. في علوم ما وراء الطبيعة «الباراسيكيولوجيا» يستطيع الواحد منا أن يتواجد “ جسدياً “ في مكانين.. في وقت واحد.. لكننا -حتى اللحظة- عاجزون عن التواجد “ جسداً وروحاً “ في مكان واحد. عندما يريد الطبيب قتل مريضه المصاب بالكساح فليس أسهل عليه من إيهامه بقدرته على ممارسة رياضة حمل الأثقال. قد ننجح إذا طلبنا من القتيل أن يرسم على شفتيه ابتسامة عريضة أثناء احتضاره حتى لا نشعر بوخز الضمير وَجَلدْ الذات.. لكن من الصعب أن نحدد له مقدار الدم الذي سينزفه . فما جدوى أن نقوم بتخديره ليعيش بيننا مقتولاً.. وكم سنتفنن في خداعنا إذا حاولنا استخدام كاتم الصوت الذي سيدوِّي في أعماقنا طويلاً وسيلازمنا كآذاننا. مرات عديدة هممت بإحراق كتابي لمجرد أنني لم أستطع فَكَّ شفرته.. وعندما تجاوزت سطحيته وقرأت ما وراء السطور أدركت أنني كنت أنانياً ولم أكلف نفسي عناء التوقف داخل كل علامة استفهام فيه، وكأني أريد منه أن يختصر نفسه في جملة مفيدة تنتهي بحمَّام ساخن. حينها أدركت - بل أيقنت - أن هناك نوعاً من الكتب يتطلب نظارة خاصة.. فلماذا لا نعترف بالعمل تجاهها؟ نتمتع بقدرة خارقة في مزج الكلام بالعسل، لكننا لا نستطيع تقطيره في القلوب الظامئة إليه... ربما أننا نتفوَّه بما لا نؤمن عندما نخفق في تفعيل هذا المزج.. ونتناسى دائماً أن الخشب موصل رديء للحرارة.