يدور جمل معصوب العينين عكس عقارب الساعة لمدة تزيد عن 5 ساعات حول قالب خشبي ممتلئ بحبوب السمسم ليستخرج منه الزيت في عملية بدائية لا تختلف عن الطريقة التي كان يستخرج بها هذا الزيت منذ مئات السنين. وتتكون المعصرة من قالب خشبي وذراع خشبية صلبة وثقيلة تمتد خارج القالب لتوضع عليها الأثقال لتضاعف وزنها، وتربط هذه الذراع على ظهر الجمل. ويستخدم في صناعة هذا النوع من المعاصر خشب السدر القاسي. وتعصب عينا الجمل ليظل يعتقد أنه يسير في مشوار طويل حتى لا يرى واقعه المدوخ الذي هو عبارة عن دوران متواصل في ذات المكان حتى يستخرج كل الزيت الذي يلقى رواجاً كبيراً في الماكولات الشعبية.. معاصر الزيوت الشعبية في صنعاء القديمة سجلت تاريخاً لامعاً في منظومة الموروثات الشعبية اليمنية من حيث قدمها وعمرها الممتد لمئات السنين .. ومن حيث خدماتها التي استفاد منها سكان مدينة صنعاء القديمة وضواحيها .. ويقصدها الكثيرون لشراء زيت السمسم والخروع والخردل والترتر وغيرها من الزيوت التي يرون فيها فوائد جمة سواء للاستشفاء أو التغذية .. هذه المعاصر الشعبية رغم عمرها القديم لا تزال تعمل حتى اليوم .. وتعتبر مصدر عيش مالكيها ، وتتميز منتوجاتها من الزيوت بمذاق رائع ونقي .. حتى اليوم لم تتدخل فيها الآلات والمكائن الحديثة . ولا زالت متمسكة بتقليدها الإنتاجي والتشغيلي اعتماداً على ثلاثة عوامل " الإنسان " و " الجمل " و " الحجر " ، بالإضافة إلى روابط من الخشب الصلب . تراث حضاري في معاصر الزيوت بصنعاء القديمة تجد طبيعة الإنسان اليمني الحقيقية وبيئته الجميلة المتوارثة وعاداته وتقاليده وتراثه الغني بالروائع والإبداعات .. زيوت متنوعة كزيت الحبة السوداء والخشخاش وزيت الثوم وزيت اللوز والسمسم والخردل والترتر وغيرها من الزيوت الطبيعية العلاجية والغذائية . في صنعاء القديمة توجد قرابة ثمان معاصر شعبية موغلة في القدم ذات جودة في منتجاتها التي يقبل عليها السياح الداخلين والخارجين ، وذلك ما أكده " علي ساوي " صاحب معصرة .. وأردف قائلاً : نقوم بشراء الحبوب التي يراد استخراج الزيت منها .. يتم غسلها وتنظيفها جيداً ثم نضعها في المعصرة لطحنها بواسطة خشبة تشد أطرافها المرنة والصلبة إلى متن الجمل ويدور حول المعصرة وتدور معه الخشبة طاحنة الحبوب ، وبعد الطحن نضيف القليل من الماء إلى خلاصة الحبوب المطحونة فيتقاطر الزيت إلى باطن الحجر فنقوم بشفطه بواسطة أدوات خاصة مثل ( الشاني ) والإسفنج . تاريخ المعاصر الشعبية تتوزع المعاصر الشعبية على أماكن متفرقة في أسواق وأطراف مدينة صنعاء القديمة .. ومعصرة ( علي ساوي ) أقدمها ، حيث يصل عمرها إلى حوالي 500 عام .. وإلى جانبها توجد معاصر " محمد ساوي " ومعصرة " عبدالله القرماني " ومعصرة " أحمد القرماني " ومعصرة " حسين القرماني " . والملاحظ هنا أن ثلاث عائلات في صنعاء القديمة تتوارث هذه الحرفة الشعبية وتمتلك أسرارها .. وبلا شك محلات المعاصر القابعة تحت المنازل القديمة في دكاكين متوسطة الحجم وشبه مظلمة ستلفت أنظار السائح ، وهي سباقة في انتزاع إعجاب السياح ومنحهم متعة مشاهدة ( الجمل ) أثناء تدوير الخشبة ودورانه حولها ببطء لمدة ثلاث ساعات.. يعجبهم كثيراً استقراء ملامح هذه الحرفة .. الجمل يدور مربوط العينين ومساحة حركته حول الخشبة محدودة ومعروفة لديه .. أثناء دورانه يلتهم نباتات القصب وأعواد الذرة التي تقدر قيمتها بألف ريال يومياً . وبالنسبة للحجر " الرحى " الضخمة والمستديرة التي تدور الخشبة فوقها طاحنة الحبوب .. هي حجر صلب تتوسطها حفرة صغيرة واسعة نوعاً ما تقاطر فيها الزيت.. أكد صاحب معصرة أن الزيت بعد تعبئته في قنينات متنوعة الأشكال والأحجام يحظى برواج واسع .. حيث يقتنيه المرضى والنساء في أيام الوضع .. والأطفال الرضع والشيوخ كبار السن .. ويفضلون زيت المعاصر الشعبية على منتجات معاصر الزيت الآلية كون الأخيرة لا يتمتع زيتها بنفس الجودة والقيمة الغذائية .. فالمعاصر الحديثة تأكل فوائد الزيوت ولا تنتجها إلا بعد إضافة مواد كيمائية إلى الزيت