تعتبر قضية التفكير وأثره على صناعة واقع ومستقبل الإنسان من أهم واخطر القضايا التي ينبغي أن تحظى باهتمام كل إنسان يسعى إلى النجاح والتميز .. وقد تناولنا في حلقات سابقة مواضيع تتعلق بالشخصية الايجابية وكما سميناها الشخصية المغناطيسية التي تستطيع التأثير الايجابي في الآخرين ..ومن أهم مقومات هذه الشخصية هو التفكير الايجابي والتقدير العالي للنفس والاعتقاد الايجابي عن الذات..وفي مقابل هذا التفكير الايجابي يأتي التفكير السلبي الذي يصبغ حياة الإنسان بنظرة تشاؤمية يائسة تنعكس على سلوكياته مع نفسه والآخرين...وقد صنف الدكتور صالح الراشد في برنامجه التفكير الايجابي عشرة نماذج لما سماه بالتفكير المعوج وسوف نتناولها في هذه الحلقة بشيء من التفصيل النموذج الأول : كل شيء أو لاشيء هذا النموذج من التفكير يقوم على التعامل بحدية وتطرف مع القضايا .. فإما أن يكون الأمر ابيض أو اسود ولا وجود للون الرمادي ويجب الحصول على كل شيء أو لاشيء. فعلى سبيل المثال كما ذكر الدكتور صلاح الراشد لو أن شخصاً يسير على برنامج لإنقاص الوزن وفي مرة أكل قطعة من الحلوى فيقول في نفسه خلاص انتهى الأمر لقد أفسدت برنامجي الغذائي ويقبل على أكل كل الحلوى الموجودة.. وهذا النموذج في التفكير هو الذي يقود إلى التشدد والتطرف في كل الأمور .. فصاحب هذا التفكير يعاني من غياب المرونة ويعتقد أن عدم تحقيق كل ما يرغب به بشكل كامل يعتبر خسارة فادحة...وهنا يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم درساً رائعاً في التوسط والمرونة وعدم التشدد كما قال انس رضي الله عنه: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج رسول الله يسألون عن عبادته فلما أخبروا عنها كأنهم تقالوها، قالوا: أين نحن من رسول الله وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله اني لأخشاكم لله واتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني». إن نظرية الحصول على كل شيء أو لا شيء تنتهي بالحصول على لا شيء! وهذا بالفعل ما نجده عند كل من يقبل بقوة على شيء جديد كالتدين مثلاً لشخص غير متدين أو تعلم علوم حديثة معينة نجده سرعان ما يتسرب اليأس إلى نفسه لعدم حصوله على الصورة الكاملة لهذا الامر فيتركة ويعود الى ماكان عليه سابقاً. النموذج الثاني:- ثانياً:المبالغة في التعميم : في هذا النموذج يرى الشخص حادثة مؤسفة واحدة مثل رفض عاطفي أو فصل من العمل كخسارة أبدية، لذا فإنه يستخدم ألفاظاً ك دائماً أو أبداً عندما يفكر في الحادثة، صاحب هذا التفكير لو كان ابي تاجراً وخرج من محله فرأى سيارته مصدومة فإنه يقول: (حظي السيئ، دائماً تحصل لي هذه المشاكل) ويتذكر المثل العامي (“أينما أصوبها تأتي عوجاء” والمثل الآخر «المنحوس منحوس ولو وضعوا على رأسه فانوس » . ان تعميم حادثة واحدة على كل الحوادث يلغي التفكير والتقدير السليم ويؤدي الى نتائج سلبية على واقع ومستقبل الانسان ومثال لنموذج التعميم ما ذكره النبي (ص) عن ما تقوم به بعض النساء (وبعض الرجال ايضاً ) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رأيت النار ، و رأيت أكثر أهلها النساء ، قالوا : لم يا رسول الله ، قال : ( لكفرهن ) ، قال : أيكفرن بالله ، قال : يكفرن العشير ، و يكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ، ثم رأت منك شيئاً ، قالت : ما رأيت منك خيراً قط ) صحيح مسلم .وهذا الحديث ليس انتقاصاً من النساء ولكن بياناً لخطورة التعميم والمبالغة فيه سواء من قبل النساء ام الرجال على حد سواء. ثالثاً: المصف العقلي : في هذا النموذج يأتي الشخص بمشكلة واحدة سلبية ثم يتعمق في العيش فيها بحيث يصبح يرى الأشياء مظلمة بسبب هذه المشكلة مثل نقطة الحبر التي تسود كأس الماء، هكذا التعبير عنده. كأن يلقي صاحب هذا النوع من التفكير عرضاً أو كلمة أمام الناس أو يقوم بعمل ما، فيمتدحه الآخرون غير أن أحدهم يعطيه نقداً، فيمكث أياماً في شعور سلبي ويتجاهل جميع المدائح الإيجابية. رابعاً: إلغاء الإيجابية : في هذا النموذج يرفض الشخص التجارب الإيجابية بإصراره على أنها شيء لا يحسب فهو إذا عمل عملاً جيداً يقول لنفسه: (لم يكن بالدرجة المطلوبة) أو (أي شخص قد يعمل هذا)،. وصاحب هذا النموذج من التفكير يركز دائماً على السلبيات وينتقص من نفسه وأعماله وهذا يدفعه الى اللامبالاة والسلبية وعدم الانجاز كما تدفع الى التشاؤم وضعف تقدير الذات إن إلغاء الإيجابيات يأخذ متعة الحياة ويجعل الشخص يشعر بعدم التقدير والتشجيع. خامساً: التسرع في الحكم : فصاحب هذا النوع من التفكير يصدر الأحكام جزافاً، كأن يحكم على شخص بأنه يتصرف اتجاهه بسلبية دون أن يتحقق. وهذا النموذج سبق وتناولناه في حلقة سابقة عند الحديث عن فرضية الخريطة ليست بالضرورة هي الموقع..حيث أن إصدار الأحكام المتسرعة يتم بناء على تصورات ذهنية خاطئة مبنية على معلومات غير دقيقة تلقاها عقل الإنسان قادمة من حواس الإنسان القاصرة وغير المطلقة والتي يمكن أن تخدع بسهولة اشراقة (العقول كمظلات الطيارين، لا تنفع حتى تُفتح). اللورد توماس * خبير تدريب واستشاري اداري وأسري [email protected]