على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة اليمنية للحد من ظاهرة عمالة الأطفال التي تعد من أهم إفرازات الهوة الاقتصادية والاجتماعية لدى مجتمعات ودول العالم الثالث ومن ضمنها بلادنا إلا أن تلك الجهود وإن وجدت فهي بنسب ضئيلة نتيجة لازدحامها بالكثير من القضايا ذات الأولوية. وكنتيجة منطقية لزيادة السكان مع الارتفاع الملحوظ في نسب البطالة والفقر باتت ظاهرة عمالة الأطفال هي الظاهرة الأخطر التي يحدق بالمجتمع اليمني ومستقبل أجياله إذا ما نظرنا إلى أن الأطفال دون 12 عاماً يشكلون ما نسبته 46 % من إجمالي السكان في اليمن حسب آخر إحصائيات رسمية وأكدت تقارير رسمية زيادة نمو عمالة الأطفال في اليمن خلال العقد الأخير وبمعدل 3 % سنوياً 9.1 % من إجمالي القوى العاملة وهم في عمر من 614 سنة وستكون النسبة أكبر إذا أعتبر كل من هم دون ال 18 عاماً. محدودية المعلومات والبيانات يشتكي العديد من الباحثين والمهتمين بقضايا الأطفال سواء من منظمات دولية في مجال حماية الأطفال ودعمهم أو منظمات محلية ومتابعين لشأن الأطفال من محدودية المعلومات والأرقام وافتقاد البيانات الحقيقية التي توضح حجم العمالة وبشكل علمي ودقيق الأمر الذي يخلق مشكلات وعوائق عديدة تجاه جهودهم الرامية للمساعدة في خلق الحلول والمعالجات تجاه هذه الظاهرة سواء بالدعم المادي وخلق فرص العمل أو من خلال إيجاد برامج توعوية وتدريبية تساعد على إيجاد والحلول والمخارج من المآزق المتعددة التي تخلفها ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن. ويوضح عبده الحكيمي وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن بلادنا لا تزال تفتقد إلى الأرقام والبيانات بشأن عمالة الأطفال ويؤكد في ذات السياق أن الأرقام المتداولة حول الظاهرة ليست سوى تقديرات لا تستند إلى مسوحات أو دراسات علمية ودعا إلى ضرورة إيجاد مثل هذه البيانات كونها تساعد وبشكل فاعل في معالجة ظاهرة عمالة الأطفال بعد الاستناد عليها لوضع برامج وخطط المعالجات. جهود واهتمام رسمي ونظراً لتفاقم الظاهرة وتناميها في الفترات الأخيرة فقد أطلقت الحكومة اليمنية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية مطلع الشهر الماضي بصنعاء تنفيذ أول مسح ميداني شامل لعمالة الأطفال في عموم محافظات الجمهورية بغية توفير قاعدة بيانات متكاملة توضح حجم الظاهرة كخطوة جادة في طريق مكافحتها والتخلص منها.. وأوضح سام البشيري المدير التنفيذي للمسح الميداني الذي ينفذه الجهاز المركزي للإحصاء أن فرقاً ميدانية مكونة من 315 باحثاً ستعمل على جمع البيانات الخاصة بتنفيذ مسح عمالة الأطفال في اليمن للعام 2009م 2010م قد بدأت عملها في عموم محافظات البلاد. وقال إن آلية التنفيذ تتضمن أربع مراحل تشمل مرحلتي الإعداد والتحضير والحصر ومرحلة المسح الفعلي قبل الوصول إلى المرحلة النهائية المتمثلة بتحليل البيانات ونشرها.. وأكد أهمية المسح الميداني الذي قال أنه سيوفر قاعدة بيانات ومعلومات حقيقية لحجم الظاهرة وإبراز الأسباب التي أدت إلى تواجدها الأمر الذي سيساعد الحكومة والجهات المعنية على وضع الحلول والمعالجات اللازمة لمواجهتها والقضاء عليها. ولفت إلى أهمية المسح في تطوير السياسات والبرامج التنموية التي تساعد على تقديم المعالجات والحلول المناسبة للحد من انتشار ظاهرة عمالة الأطفال،كونه يركز على توفير بيانات حديثة عن عمالة الأطفال في اليمن يمكن من خلالها قياس وتقييم مستوى الالتزام بتنفيذ توصيات الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الطفل. اتفاقيات وقوانين مشروعه صادق بلادنا على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عام 1991م إيماناً منها بأهمية شريحة الأطفال وضرورة رعايتهم كخطوة لمواجهة التحديات الناجمة عند الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية التي تخلقها مثل هذه الظواهر وتنص المادة رقم “32” من هذه الاتفاقية على حق الطفل في الحماية من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء عمل خطر عليه أو يمثل إعاقة لتعليمه أو ضار بصحته أو نموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي وكما دعت الدول الموقعة عليها إلى إتخاذ التدابير التي تكفل تنفيذها. وعلى الجانب الآخر ينص قانون العمل في بلادنا رقم “5” لعام 1995م في المادة رقم “48” على أن ساعات العمل للأحداث يجب أن لا تتجاوز 7 ساعات يومياً أو 42 ساعة أسبوعياً وعلى أرباب العمل إعطاء ساعة واحدة استراحة ولا يجبروا الأطفال بالعمل لمدة أربع ساعات متتالية.. بالإضافة إلى عدة ضوابط وشروط يجب التقيد بها من قبل أرباب العمل وإلا سيتعرضون لغرامة مالية تتراوح من “1000” إلى “10.000” ريال حال خرقهم لهذه الضوابط حسب المادة “145” من القانون. تحذيرات حذرت منظمات دولية من ازدياد معدل عمالة الأطفال في مجتمعات العالم الثالث بشكل ملفت للنظر في الفترات الأخيرة وهو الأمر ذاته الذي ينعكس سلباً على مستقبل الأطفال والمجتمعات ككل.. وأكدت منظمة راداً بارمين السويدية أن الوضع غير مطمئن لدى الأطفال العاملين مع ازدياد أعدادهم وهو مايشكل انعكاساً سلبياً على حياتهم نتيجة المخاطر التي تواجههم أثناء العمل.. وأوضحت أن الأطفال يتعرضون لمخاطر وأضرار جسدية ونفسية نتيجة الأعمال الشاقة التي يؤدونها أو العمل لساعات طويلة وبطرق غير قانونية واستغلالهم من قبل عائلاتهم لكسب المال أو من قبل أرباب العمل في إنجاز مهمات أكبر من قدراتهم الجسدية والعقلية. وربطت المنظمة تزايد الوافدين من الأطفال إلى سوق العمل بالتسرب من الدراسة واعتبرتها نتيجة منطقية للحالة الاقتصادية وغياب التعليم الإلزامي بالإضافة إلى بعض العوامل الاجتماعية والتربوية. الأسباب والدوافع يقف الفقر والبطالة على رأس قائمة الأسباب التي حرضت الأطفال إلى الذهاب إلى سوق العمل حيث تشير الدراسات أن مايقارب 33 % من سكان اليمن الذين يتجاوزون 22 مليوناً يعيشون تحت خط الفقر وأن البطالة في تضخم مستمر رغم الجهود الحكومية التي تبذل في هذا المضمار بالإضافة إلى الدعم الذي تقدمه المنظمات المهتمة بالطفولة وأولها اليونسيف.. إلى ذلك تعتبر ظاهرة التسرب من المدارس من الأسباب المساعدة وبقوة لدخول الأطفال في سوق العمل إذا مانظرنا إلى أن 50 % من الطلاب المتسربين من الدراسة يلجأون إلى العمل. ولم تكن الإناث في منحى عن العمل بل كان لها نصيب وافر منه وتحديداً لدى الأرياف حيث تعمل الفتاة في سن مبكر وتخوض غمار الأعمال الشاقة سواء في الزراعة أو الري أو الأعمال التي تقدمها كخدمة مجانية لعائلتها وتساعد في ذلك العادات والتقاليد التي تفرض على الفتاة أن تقوم بهذه الأدوار كضرورة اجتماعية ناهيك عن العوامل الأخرى وأبرزها الزواج المبكر ومايترتب عليه من تداعيات تكون في مجملها سلبية. معاناة أحلام ففي إحدى جولات العاصمة صنعاء لم تكمل أحلام النصف الأول من عقدها الثاني، حتى وجدت نفسها تزاحم الكبار في سوق العمل بالإضافة إلى تحملها مسئوليات أخرى أهمها الدراسة، فأحلام تعمل على بيع المناديل للمارة وعلب الماء المعدنية في الفترة الصباحية وتذهب للدراسة في الفترة المسائية. تقول أحلام إن الظروف المعيشية الصعبة لعائلتها أجبرتها على العمل وتحمل مشاقه. وهي نفس الظروف التي أجبرت أحمد فتيني القادم من الساحل الغربي محافظة الحديدة الحائزة على الأكبر في نسب العمالة ب14 % فيما تأتي عدن في المرتبة الأخيرة بنسبة 0.3 %. أحمد يعمل في بيع الفل وقد ترك الدراسة نهائياً يقول أن العائد المادي من هذا العمل ليس كافياً فهو يدفع للسكن ناهيك عن الأكل والشرب. ومن الأسباب التي ساعدت على نمو عمالة الأطفال في المجتمع اليمني النمو السكاني المتزايد والذي يصل إلى مانسبته 3.5 % سنوياً. وهناك عوامل أخرى تتمثل في الوعي ونسبة الأمية المنتشرة بشكل كبير لدى أولياء أمور الأطفال الملتحقين بسوق العمل، حيث تشير مسوحات ميدانية أن أغلب عمالة الأطفال في بلادنا تنتمي إلى أمهات أميات وذكرت أن 70 % تقريباً تنتمي إلى آباء أميين و92 % إلى أمهات أميات، كما أن للعادات والتقاليد المقيدة لحريات الأطفال وبالذات الفتيات في الحصول على حقهم في الطفولة والتعليم تأثير كبير على هذه الظاهرة بالإضافة إلى العامل الأبرز وهو الثأر والصراعات القبلية. مخارج وحلول يقول الدكتور أحمد رئيس قسم الخدمات الاجتماعية بكلية الآداب جامعة صنعاء أن عمالة الأطفال ظاهرة ذات أهمية كبيرة وتستحق الوقوف عليها لمعالجتها بجدية كبيرة. وأوضح أن هذه الجهود ليس حكراً على الجانب الحكومي في معالجتها، لكن الأمر يعني كل الأطراف كانت حكومية أو منظمات داعمة ومجتمع بشكل عام. وقال أن أهم الحلول والمعالجات لعمالة الأطفال هو التعليم وكذا التعليم المهني بمعنى فتح معاهد متخصصة للأطفال لتعليمهم المهن بطرق علمية وقانونية إلى جانب الرعاية الكاملة لهم. وأكد ضرورة دعم الجهات الحكومية بالدراسات والنظريات التي تساعدها على الإلمام بالظاهرة ووضع الحلول المناسبة لها.