رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    حقائق سياسية إستراتيجية على الجنوبيين أن يدركوها    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    تطورات خطيرة للغاية.. صحيفة إماراتية تكشف عن عروض أمريكية مغرية وحوافز كبيرة للحوثيين مقابل وقف الهجمات بالبحر الأحمر!!    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما ياكلش.. يا دكتور!
المرضى الذين علموني
نشر في الجمهورية يوم 19 - 06 - 2010

لقد كانت الحمية الغذائية هي الأساس العلاجي الذي قام عليه الطب العقلاني منذ أيام “ابقراط” سواء كان ذلك في الأمراض الحادة والحميات، أو في الأمراض المزمنة، وقد كان الطبيب يصف الراحة للمريض ويمنعه من أغذية معينة، ويصف له أخرى إلى جانب الأدوية العشبية المختلفة، والرياضة، والهواء الطلق.
وكانت الحمية الغذائية القديمة تقوم على عقيدة الأخلاط الأربعة، والمبدأ العلاجي فيها أن “الضد يشفى بضده” وهذا يعني امتناع المريض عن المأكولات والمشروبات الباردة عند الإصابة بأمراض البرد مثل الزكام والأنفلونزا والتهابات الحلق والبلعوم، وأن يتناول المشروبات الساخنة والأغذية الحارة، والعكس من ذلك في الأمراض الحارة كالحميات المختلفة، حيث يمتنعون عن الأغذية الحارة ويتناولون الأغذية الباردة.
وقد ألغى الطب الحديث هذه المفاهيم وأبطل الحميات الغذائية التي لايقوم عليها دليل علمي تجريبي، وأصبحت الحميات الغذائية محددة، وموصوفة في أمراض معينة محددة، على أسس علمية مثل الأدوية سواءً بسواء.
وفي الأمراض المزمنة أو الحالات البسيطة العادية التي لاتحتاج إلى حمية غذائية فإن الطبيب يواجه مشكلة، تتمثل بأن المريض يطالبه بالحمية، التي يعتبرها الموروث الثقافي الطبي لمختلف الشعوب جزءاً أساسياً من العلاج، وإذا حاول الطبيب أن يبين للمريض بأمانة أنه لايحتاج إلى أي حمية غذائية، فأنه يستنكر ذلك ويعبر عن دهشته، وربما ينصرف وهو يحمل الشكوك في مدى حكمة هذا الطبيب الذي لايصف له أي حمية غذائية.
أما في الحالات الحادة والحميات الشديدة، مثل التهابات المعدة والأمعاء الحادة والزحار المعوي الحاد، والملاريا، والالتهاب الرئوي، أو أي أمراض أخرى شديدة يكون فيها المريض غير قادر على تناول الطعام، ومصاب بالغثيان أو الإقياءات الشديدة المتكررة، فإن الطبيب يواجه مشكلة مختلفة، وتتناقض بشكل كامل مع المفاهيم القديمة الراسخة عن أهمية الحمية الغذائية، واعتبارها جزءاً أساسياً مكملاً للعلاج.
ففي مثل هذه الحالات الحادة والحرجة، ينسى أهل المريض وأقاربه أهمية الحمية الغذائية، ويركزون تفكيرهم واهتمامهم على أهمية الطعام للمريض، وضرورة إيقاف الغثيان والطرش، والعمل على فتح شهية المريض للطعام بأي سبيل.
وفي المقابل فإن الطبيب في هذه الحالات يكون منهمكاً في تركيز كل تفكيره واهتمامه على استخلاص المعلومات التي يمكن أن تقوده إلى التشخيص الأساسي للمرض الخطير الذي يهدد حياة المريض والتركيز على علاجه بسرعة وقوة، وأن ذلك هو السبيل الصحيح لإنقاذ المريض، وتخليصه من جميع أعراضه التي تشمل كذلك انعدام الشهية والغثيان والإقياء.
ولكن أهالي المريض يأخذون في الإلحاح على الطبيب حول مشكلة الأكل وانعدام الشهية للمريض، ويعيدون ويكررون، أن المشكلة الرئيسية للمريض هي انعدام الشهية والغثيان ويطلبون من الطبيب الأدوية الفعالة التي يجب أن توقف الغثيان والقيء والأدوية التي سوف تفتح شهيته للطعام، وهي المقدمات الضرورية للشفاء.
وإذا حاول الطبيب إقناعهم بأن هذه أعراض ثانوية سوف تختفي تلقائياً عندما يتحسن المريض من المرض الأساسي الذي تسبب فيها، فإنهم يثورون ويصممون على آرائهم بأن انقطاع المريض عن الطعام هو الخطر الأساسي الذي يهدد حياته وصحته.
وينسى أهل وأقارب المريض المرض الخطير ويتجاهلونه، وينسون ضرورات الحمية الغذائية، ويركزون جهودهم في محاولات ملحة ومتكررة لإقناع المريض بضرورة تناول الطعام، أو حتى قسره عليه، فيضيفون إلى آلامه ومعاناته، أعباء جديدة وضغوطاً مرهقة على نفسه وأعصابه وتحمله مالا يطيق.
وكثير من المرضى يحاولون الامتثال لأوامر ونصائح الأهل والمقربين بتناول الطعام، ثم يجد نفسه غير قادر على الاستمرار في مجاملتهم، ولايقدر على ابتلاع لقمة أو استساغة قليل من شراب، أو يفاجئه الغثيان والإقياء أثناء محاولاته إرضاء المحبين والمشفقين، مثل هذا المريض يقدر بامتنان ما أقوله لأهله بأن يتركوا ممارسة هذه الضغوط عليه، وأنه عندما يتحسن بعد أيام قليلة، فإنه سوف يعود إلى طعامه وشرابه كالمعتاد بعد أن يبلو من مرضه ويعود إلى طبيعته، ولكن أهل المريض ومرافقيه عندئذ يشعرون أن الطبيب قد خذلهم وانحاز إلى المريض الذي لايستطيع تقدير مصلحته في أولوية وأهمية تناول الطعام، ويبدون استغرابهم من الطبيب الذي يوافق المريض في الامتناع عن الطعام.

يدخل إلى غرفة الكشف مريض في منتصف العقد السابع من عمره، ويحف به من جوانبه وأمامه وخلفه، زوجته وابنتاه واثنان من أبنائه، يساندونه ويساعدونه على الحركة، ويفسحون الطريق أمامه نحو سرير الكشف مباشرة، ويتعاونون في إجلاسه على السرير ورقوده في وضع مريح، وأقف خلفهم بانتظار أن يفسحوا لي المكان لأتقدم وأقوم بمعاينته.
لما رأيت أن الأمر قد تأخر قليلاً سحبت الكرسي الذي أجلس عليه إلى جوار السرير وأنا أقول لهم: “خلاص.. خلاص.. هذا يكفي.. اسمحوا لي الآن بمعاينته”.
جلست على الكرسي إلى جانب سريره، وأنا أحييه وأرحب به، وما أن جلست حتى وضعت يدي على يده الممدودة إلى جانبه، وأنا أربت عليها برفق، وأسأله: “ها.. يا حاج محمد قول لي أيش التعب.. وفين الوجع”.
انطلق من ورائي صوت إحدى ابنتيه: “ما ياكلش يادكتور..! ما ياكلش ولا حاجة.. خمس أيام وهو ما ياكلش.. وأي حاجة يأكلها يطرشها.. اليوم الصباح شرب قرطاس عصير.. لا.. نصه بس.. وطرشه على طول..”.
“طيب.. خلي هذي المسألة بعدين.. أشتي أعرف كيف بدأ المرض ومتى؟.. أنا شايف الآن أنه محموم.. متى بدأت الحمى يا حاج محمد؟”.
وفيما بدا لي فإن الرجل كان يحاول أن يبدأ في الإجابة على سؤالي،لكن ابنته الثانية الواقفة قرب نهاية السرير قاطعتنا قائلة:” نحنا قد وديناه للمعاينة عند الدكتور قبل ثلاثة أيام .. والدواء موجود معانا هنا في الكيس .. باوريه لك .. لكن المشكلة يادكتور أنه ما ياكلش .. لو كان يأكل يا دكتور .. كان يقدر يستعمل الدواء .. وبايستقر الدواء في معدته .. وباينفعه .. مش كذا يا دكتور..!”.
“ طيب .. طيب .. فهمنا هذي الحكاية خلاص .. أنا أشتي أعرف هل عنده حمى أو وجع في الصدر أو البطن أو سعال أو أي شيء آخر؟”
ويبدو أن الابن الأكبر للمريض قد أحس بورطتي وحيرتي فتدخل قائلاً:
” أيوه .. أيوه يا دكتور عنده حمى مستمرة منذ خمسة أيام .. تهدأ لساعات ثم تعود بشدة خاصة أثناء الليل، وعنده ألم في جنبه في الصدر هنا .. وآلام وصرير في كل مكان من جسمه”.
” وهل عنده سعال؟”.
“أيوه سعال شديد يسبب له طعن في الصدر .. ما يخلوش يقدر ينام طول الليل”.
تدخلت الابنة الأولى مرة ثانية:
” يادكتور .. الدواء حقه موجود .. بس المشكلة أنه ما ياكلش .. ولا يرضى يطعم لقمة،لو كان يأكل كان با يقدر يأخذ الدواء .. وباينفعه .. مش كذا يا دكتور .. والا .. لا !! هيَّا .. قل له !”.
“ طيب حاضر ... مرحباً ... بس قولي لي هل عنده إسهال؟”.
ارتفع صوت الابنة وهي تجيبني بنبرة حادة غاضبة ومستنكرة، وكأنني قد قلت شيئاً نكرا:
”إسهال؟!!!..
أيش من إسهال؟!... من فين بايجي الإسهال!...
نقول لك أنه ما ياكلش ولا حاجة ... وبطنه فارغ ... من فين با يجي له إسهال؟!!”.
أتخلى عن محاولاتي لإكمال قصته المرضية، وأنتقل بضيق شديد إلى الكشف على المريض، الذي كان محموماً ودرجة حرارته مرتفعة، والأصوات التنفسية خافتة جداً على جانب صدره الأيمن، ويعطي صوتاً مكتوماً عند القرع بالأصابع، وهي علامات تدل على امتلاء الغشاء المحيط بالرئة بالسوائل الذي يعرف بالانصباب الجنبي.
أجريت له الفحوصات والأشعة والكشف بالأمواج الصوتية التي أكدت انطباعي التشخيصي، وشرحت لهم أن ذلك الانصباب حدث بشكل ثانوي نتيجة لإصابة المريض بالالتهاب الرئوي الشديد.
ولما كان العلاج يحتاج إلى المضادات الحيوية القوية عن طريق الوريد فقد وصفتها للمريض عن طريق التسريب الوريدي مع محلول الجلوكوز أي “المغذيات” وقد كانت سعادتهم بالمغذيات فائقة إلى حد أنهم لم يدركوا خطورة التشخيص على حياة والدهم،والمعاناة والألم التي سوف يكابدها خلال الأيام القادمة،وما تحمله من مخاطر ومضاعفات ممكنة الحدوث،قد تهدد صحته وحياته.
انصرف المريض مع مرافقيه ووجوههم عامرة بالسعادة بما نالوه من “المغذيات” التي تضع الحل الصحيح في نظرهم لمشكلة الأكل الأساسية التي تطغى على تفكيرهم.
وبعد خروجهم من الباب كانت خواطري تملأ علي مشاعري والهواجس تلح على تفكيري :” ترى ... هل سينجو هذا الرجل من مرضه الخطير .. وهل سأراه مرة أخرى؟”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.