هو أحد الكتب الحديثة في مجال التنمية البشرية للكاتب المصري كريم الشاذلي.. كتاب أكثر من رائع سيجعل كل واحد منا يفكر ويحاول أن يغير حياته نحو الأفضل، التقاطاً لبعض معاني الحياة، وتسجيلاً لمواقف وصور ذات أهمية فيها.. حكمة سمعت، قرأت..شوهدت، قررنا اصطيادها خشية أن تطير، لنقدمها قرباناً لك!. سمعة الإنسان وسيرته الحسنة هي ما يسبقه دائماً ويرفعه عالياً.. والمرء الذي يتحرك غير عابئ بأن كل خطوة يخطوها هي سطر سيكتب في سيرته ، وقد يصعب محوها امرئ لا يعطي الأمور قدرها أو قيمتها الحقيقية.. إن سمعة المرء وسيرته ، قادرة على رفعه إلى الثريا ، أو إخفائه في أسفل سافلين !. واسمع معي لتلك القصة كي تدرك ما أود الذهاب إليه . تحكي كتب التاريخ الصينية أنه أثناء حرب الممالك الثلاث في الصين عام 265م ، أ، الجنرال تشوكو ليانج كان قائداً ذائع الصيت ، كانوا يلقبونه ( بالتنين النائم ) نظراً لما عرف عنه من مكر ودهاء ، راح هذا الرجل ينمي لدى الجميع أنه أكثر أهل الأرض دهاء وحنكة ، مما جعل فرائص أعدائه ترتعد دائماً ، فالسمعة في ميدان الحرب توازي قوة السلاح .. وقد تفوقها . ذات يوم أرسل تشوكو ليانج قواته كلها إلى معسكر بعيد ، وبينما كان يجلس في مملكته الفارغة إلا من مائة جندي يعملون على خدمته ، وإذ بحارسه يخبره فزعاً أن هناك قوة معادية من مائة وخمسين ألف جندي يرأسهم أحد ألد أعدائه تقترب من المدينة وتستعد لسحقها على رؤوسهم . لم يتوقف ليانج لحظة ليفكر من ذا الذي وشى به ، أو يبكي على المصير الأسود الذي ينتظره ، لكنه أمر جنوده أن يفتحوا أبواب المدينة على مصراعيها ، ثم أمر جنوده أن يرفعوه على أبرز جزء من أسوار المدينة ويختبئوا جميعاً ، وقام بدوره بإشعال البخور وشد أوتار عوده والغناء بهدوء واستمتاع، وكأنه عاشق ينتظر معشوقته . واقترب الجيش الكثيف من أسوار المدينة لكن ليانج لم يتوقف لحظة عن العزف . وعرف الجيش الغازي وقائده شخصية الرجل الجالس أعلى سور المدينة يعزف على وتره غير عابئ بهم ، وبينما الجنود يتحرقون لدخول المدينة المفتوحة الأبواب ، وإذا بقائدهم يأمرهم بالعودة فوراً من حيث أتوا ، فالتنين النائم ما يلبث - حسب مخاوفه - أن ينشر عليهم من لهبه ، فهو رجل لا يغلبه في مكره غالب . وعادت الجيوش من حيث أتت ، وقد هزمتها سمعة هذا الماكر المحتال ، دون أن يرفع سيفاً أو يريق قطرة دم واحدة . هل رأيت يا صاحبي ما الذي يمكن أن تفعله سمعة وشهرة الواحد منا . إن أحد أهم مفاتيح نجاحنا في الحياة ، هو مفتاح السمعة الطيبة والسجل الطاهر العفيف ، والسيرة التي تنافح عنا بكل قوة . عندما تطير سمعتك إلى الآفاق لتقول للعالم أنظروا لهذا الرجل ، طالعوا سيرته الطيبة ، توقفوا أمام كرمه وشجاعته وطيب أصله ونبل أخلاقه ، بهذا تكون قد فعلت الكثير. لا أقصد أن تبحث عن ثمن الخير الذي تقدمه على ألسنة الناس ، ولكن أطالبك بأن تنظر إلى أبعد من ذلك . تعال معي ننظر إلى مشهد في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم يوضح ما اود الذهاب إليه ، فعندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول المنافق عبد الله بن أبي بن سلول : ( والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) ، قال له عمر رضي الله عنه : يا رسول الله دعني اضرب عنق هذا المنافق ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ) ، ومعلوم أن نفاق عبد الله بن أبي كان نفاق كفر ، لكن النبي هاهنا وحفاظاً على سمعته ، والتي هي سمعة الإسلام ، توقف عن القصاص عن أحد أشرس المنافقين . كذلك نرى بعد وفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ورفض كثير من الولايات الإسلامية دفع الزكاة ، فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قرر أمراً غريباً وهو إنفاذ جيش أسامة بن زيد والذي كان قد جهزه النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ، وبرغم أن كثيراً من قادة الإسلام وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان لهم رأي آخر وهو الالتفات إلى حروب الردة ومحاربة من منع الزكاة ، إلا أن أبا بكر وبتصميم عجيب قرر إمضاء الجيش ، فما كان من المنافقين ومانعي الزكاة الذين وصلهم خبر جيش أسامة إلا أن قالوا ( والله إن لم يكن يملك من القوة الكثير ما بعث هذا الجيش الجرار الآن) ، ورجع إلى حظيرة الإسلام كثيراً من مانعي الزكاة ، وهنا أيضاً كان للسمعة أثر كبير . إن سمعة المرء منا هي أصل رأس ماله ، والناس لا تعرف مكنونات القلوب ، بل تنساق وراء الأخبار المتطايرة ، وتصدق ما تواتر الناس على ترديده.. فحارب أخي من أجل أن تظل سمعتك طيبة ، وسيرتك عطرة ، لا تسمح للاهي أو عابث أن يدنسها أو ينال منها .. مهما كلفك الأمر . إشراقة: يستلزم الأمر 20 سنة لبناء سمعة طيبة ، وخمس دقائق لتدمير هذه السمعة ، إذا فكرت من هذا المنظور ، فستؤدي أشياء كثيرة بشكل مختلف.