نتائج قرعة أندية الدرجة الثالثة بساحل حضرموت    نائب رئيس نادي الطليعة يوضح الملصق الدعائي بباص النادي تم باتفاق مع الادارة    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    كان طفلا يرعى الغنم فانفجر به لغم حوثي.. شاهد البطل الذي رفع العلم وصور الرئيس العليمي بيديه المبتورتين يروي قصته    لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم.. رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    الرواية الحوثية بشأن وفاة وإصابة 8 مغتربين في حادث انقلاب سيارة من منحدر على طريق صنعاء الحديدة    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    غارسيا يتحدث عن مستقبله    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصعود إلى نافع الحلقة الاخيرة


الآن اقرئي سورة ياسين..
تتناول فاطمة بنت يحيى محمد الإرياني الختمة الموضوعة فوق رأسها.. تفتحها وتقرأ:
بسم الله الرحمن الرحيم
{يس”1” والقرآن الحكيم “2” إنك لمن المرسلين”3” على صراط مستقيم “4” تنزيل العزيز الرحيم “5” لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون “6” لقد حق القول على أكثرهم فهم لايؤمنون “7” إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون “8” وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لايبصرون “9” وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لايؤمنون “10” إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم “11” إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين “12” واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون “13” إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون “14” قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون “15” قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون “16” وما علينا إلا البلاغ المبين “17” قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم “18” قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون “19” وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال ياقوم اتبعوا المرسلين “20” اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون “21”ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون “22” أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لاتغن عني شفاعتهم شيئاً ولاينقذون “23” إني إذاً لفي ضلالٍ مبين “24” إني آمنت بربكم فاسمعون “25” قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون “26” بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين “27” وما أنزلنا على قومه من بعده من جندٍ من السماء وما كنا منزلين “28” إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون “29” يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسولٍ إلا كانوا به يستهزؤون “30” ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون “31” وإن كل لما جميع لدينا محضرون “32” وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون “33” وجعلنا فيها جناتٍ من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون “34” ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون “35” سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لايعلمون “36” وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون “37” والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم “38” والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم “39” لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون “40” وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون “41” وخلقنا لهم من مثله ما يركبون “42” وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون “43” إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين “44” وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون “45” وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين “46” وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين “47” ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين “48” ماينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون “49” فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون “50” ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون “51” قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون “52” إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون “53” فاليوم لا تظلم نفس شيئاً ولاتجزون إلا ماكنتم تعملون “54” إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون “55” هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكؤون “56” لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون “57” سلام قولاً من رب رحيم “58” وامتازوا اليوم أيها المجرمون “59” ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لاتعبدوا الشيطان إنه لكم عدوٌ مبينٌ “60” وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم “61” ولقد أضل منكم جبّلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون “62” هذه جهنم التي كنتم توعدون “63” اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون “64” اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون “65” ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون “66” ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون “67” ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون “68” وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكرٌ وقرآن مبينٌ “69” لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين “70” أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون “71” وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون “72” ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون “73” واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون “74” لايستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون “75” فلا يحزنك قولهم إنا نعلم مايسرون وما يعلنون “76” أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفةٍ فإذا هو خصيم مبين “77” وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم “78” قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلقٍ عليم “79” الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون “80” أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادرٍ على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم “81” إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون “82” فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون “83”
صدق الله العظيم
وتشهق فاطمة بنت يحيى محمد الإرياني شهقة الموت.. تجري فاطمة بنت يحيى محمد الإرياني مفزوعة وهي تصرخ:
ماتت أمي فاطمة بعد أن قالت بعدي “صدق الله العظيم”.
(12)
لحق أحمد الشامي وعبدالسلام صبره وغيرهم بعبدالرحمن الإرياني وأحمد المعلمي وإبراهيم الخضراني وعبدالله الشماحي وغيرهم إلى سجن القاهرة.. لحقوا بهم بعد ثلاث سنوات في نافع.. كان الإرياني وجماعته قد صعدوا قبلهم من نافع إلى القاهرة.. كان حظهم أحسن.. سجن القاهرة الأحسن موقعاً ومكاناً.. صعدوا والسجان ناصر علي يصرخ بأعلى صوته:
والله مافي نافع ما في عيني يعلم الله كيف آخرتها والله جزعوا وجزعوها.. حُرم ناصر علي من ساديته في إيذائهم ومما كان يحصل من نقود.. يضاعف القيود على من يريد ويخففها على من يريد.. إرادة سرها القرش.. لم يلبث محمد بن محمد الإرياني أن لحق بهم.. صعد إلى القاهرة ماشياً ومقيد الرجلين.. مثله مثل من صعد قبله.. تحرروا في سجن القاهرة من الانتظار.. انتظار الموت.. انتظار قطع الرأس.. تحرروا من المعاناة النفسية .. من التهديد بقطع الرأس .. في القاهرة يقيمون الندوات الأدبية.. ندوات محمد بن محمد الإرياني يحاضر فيها .. متميزاً في علم الفلك والنحو .. مستمعاً ومعلماً..

السوس ينخر الخشبة رويداً رويداً،والسل ينخر جسد محمد بن محمد الإرياني.. داء لايدري .. سوسة لا يدري كيف ومتى وأين اخترقت جسده .. داء احتفظ به لنفسه .. لم ينقله لأحد.. يخالطهم يأكل معهم إلا أنه لم ينقله لأحد.. عذاب نفسي وجسمي يتصاعد الداء .. عذاب نفسي بأن في جسده داء قد يعدي من حوله وجسمي مما يعانيه من اسشتراء الداء .. داء ينهش من جسمه.. من لحمه .. داء لم ينفع معه العلاج الذي يبعثه إليه ابن عمه عبدالله بن محمد من تعز..
سجن وسل .. طفولة ويتم وفقر.. شباب وسجن وسل.

السوس ينخر الخشبة من داخلها رويداً رويداً إلا أنه يبقى على هيكلها الخارجي كماهو.. هيكل يبدو لمشاهده خشبة بكامل عافيتها وما أن يداعبها بمطرقة حتى تنهار .. لم ينتبه صاحب الخشبة للسوس وهو ينخر الخشبة من داخلها .. غره مظهرها الخارجي .. أهمل العناية بها والكشف عليها من آن إلى آخر ورشها بالمبيد القاتل .. الفساد ينخر النظام مثل السوس وهو ينخر الخشب .. السل فساد لم يستطع أحد أن يوقفه وهو ينخر جسد محمد بن محمد الإرياني.. الجهل والفقر والمرض ثالوث ينخر في جسم محمد بن محمد .. كل ثانية كل دقيقة كل يوم يمر والسل ينهش في جسمه.. كل ثانية كل دقيقة كل يوم يمر والسل سيف مسلط على كل قطعة لحم في جسد محمد .. لم يعد منه إلا هيكل.. السوس يبقى على مظهر الخشب .. الفساد يبقى على المنظر الخارجي للنظام إلا أنه سرعان ما ينهار في أول هزة.. السل يعلن صراحة بأنه لم يبق من محمد إلا هيكل عظمي وجلد .. يتمدد مثل السيف .. سيف بدون جراب .. سيف مطلي بطبقة من الصمغ .. يوشوشه أحدهم غير عابئ بدائه الذي قد ينتقل إليه:
وصلك من ابن عمك عبدالله بن محمد ثياب وعلاج..
يرد محمد “متمتماً”:
ما الفائدة.. ماالفائدة.. يحرك شفتيه .. ماء ماء.. يمسكه من رقبته .. يحاول رفعه قليلاً ليبلل شفتيه .. يجد صعوبة.. يشدة قليلاً من رقبته يرتفع محمد وخيوط من جلده ملتصقة بالأرض .. محمد هيكل عظمي يغطيه جلد .. سيف مطلي بصمغ..

سجن القاهرة .. حجة .. ذات يوم من عام 1953م.
ينحني أحمد محمد الشامي متأملاً محمد بن محمد الإرياني ..
يتأمل هيكلاً عظمياً يغطيه جلد .. جلد كالمطاط .. سيف مطلي بصمغ .. يهمس :
محمد .. محمد .. لايرد .. عينان مغمضتان وفم مقفول ونفس بعيد .. يصغي لعله يسمع نفساً.. يصغي ولا يسمع .. يجلس على ركبتيه يهم أن يضع أذنه على صدره.. يتراجع قليلاً إلى الوراء مفزوعاً يشاهد فجأة عينين مفتوحتين وفما مفتوحاً.. فجأة ينفتحون .. يظل مشدوهاً وكأن ما شاهده قد الجم لسانه وشل حركته للحظات .. يستعيد حركته..
يهمس ثانية:
محمد .. محمد .. لا يرد.. لم يصدق بأنه قد مات .. ما عادت لمحمد القدرة أن يطلق حتى شهقة الموت .. يدفع أذنه على صدر محمد .. لم يسمع نبضاً.. يرفعها ويضعها على فمه لايسمع نفساً.. يقف فجوعا.. يصرخ بأعلى صوته:
ياإرياني .. يا أكوع.. يا صبره .. يا معلمي .. يامقالح.. يا عقبات .. يا فسيل .. ياحضراني .. يا أولاد الوزير.. يا من تبقى من أحرار .. يندفع الجميع .. يقولون:
ماذا حدث ؟.. يجلس على ركبتيه ثانية وتستقبل يداه وجهه .. يقول “مجروحاً”:
مات .. استشهد محمد بن محمد الإرياني قتل ماقبله بضربة سيف واحدة وأما هو فقد كان يقتل كل ثانية.. للحظات جاثياً.. يقوم فجأة .. يقول بصوت عال:
انزعوا أقلامكم عن أغمادها واكتبوا ما أمليه عليكم..
يرد البعض:
ليس معنا ورق.
اكتبوا على الحائط .. اكتبوا على الأرض .. اكتبوا إشارات في الهواء اكتبوا وسط السطر .. العنوان .. يصمت مطرقاً:
ماذا نكتب؟
مأساة شهيد .. ينظر إليهم لهنيهة .. يقول:
هل كتبتم؟
نعم كتبنا.
اكتبوا ثانية في وسط السطر وما سأمليه عليكم..
يكتبون:
مأساة شهيد
قف يا يراعي خاشعاً
في موكب النور الشهيد
وانضح بدمعك ضوءه
المسفوك،كالشفق البديد
وانظم زهور أساك
في نغم من الشكوى جديد
كفن به زور الحياة
يؤم سادتها العبيد

غص في ظلام السجن
وانبش قبر تاريخ رهيب
وابعث هياكل قصة
خرساء تجهش بالنحيب
لم يروها قلم ولم
يلهم مصارعها أديب
هي قصة الحق الصري
ع، ونكبة الحر الغريب

جاؤوا به في القيد
مظلوم المشاعر من “ زبيد”
وإلى متالف “ نافع”
قذفوه يعتنق الحديد
فهوى وفي شفتيه بسمة
مؤمن حر عنيد
وكأنما هو زهرة
في كف إعصار مبيد

كم ليلة قاسى بها
الأهوال، من وخز الجراح
وكأن حشو فراشه
نار تؤججها الجراح
والنجم ضل طريقه
والليل مخنوق الصباح
والقيد في رجليه ينهش
حرمة الحق المباح
كم أنه ناجى بها
من سجنه قلب الخليفة
فأهانها وازور عنها
سمع حضرته الشريفة
وتهالكت في ركن سؤ
دده وعزته المنيفة
وتعسف الجبروت لا
يحنو على المهج الضعيفة

لما تمرد عزمه العاتي
على الظلم الغضوب
دبّت إليه عقارب السل
الأكولة للقلوب
وإذا بقوته تهي
وإذا بأعظمه تذوب
وإذا بهيكله يحطم
تحت مطرقة الخطوب

ظلت قواه فريسة
للسل عاماً بعد عام
يمتص ماء حياتها
يذيقها جرع الحمام
وإذا اشتكى الماخوت
شكواه في وحل الأثام
لا القيد يرحمه ولا الز
من الكنود ولا الإمام

وبسفح وادي الموت مجّ
ثمالة النفس الأخير
ومضى وودع جسمه ال
بالي .. إلى الملأ النضير
حيث السعادة زهرها
زاه، ومنبعها نمير
في عالم الرحمات تحت
رعاية الرب القدير

لم يبق للمسكين من
دنياه إلا دمعتان
حبتا على خديه
تستحيان من فقد الحنان
وتمثلان الكبت إذ
يطغي، وينعقد اللسان
يا للجلال هنا اليراع
يخر مصعوق البيان
يخر مصعوق البيان
يصمت .. يجلس ثانية على ركبتيه .. يغمض عينيه .. يتراءى له وهم يوارون محمد بن محمد الثرى .. يتمتم .. يسمعون تمتمة .. يتساءلون .. ماذا يقول .. يتقدم أحمد المعلمي .. يجثو بجانبه ويرهف السمع ..
إني اسمعه .. سأكتب بصوت عال وأنتم تكتبون بعدي :
أمل تبدد كالسراب
وطوته أحشاء التراب
وتخطفته مخالب الظلمات
في فجر الشباب
نزعته كف الموت وهو
يئن في حضن العذاب
والحق يشهد فيه،
كيف تمزق الخير الذئاب
طف يا بياني مزنه
وطف على القبر الغريب
واسكب عليه حزنك المسفوح
في الدمع السكيب
وانقل روايته إلى التا
ريخ في شعر كئيب
تبكي له ظلم الليالي
ويصعق الزمن الرهيب
ويصعق الزمن الرهيب
ويصعق الزمن الرهيب
انتهت مساء الاثنين 30 أكتوبر 2006م
المراجع
- عبدالله السلال، عبدالرحمن الإرياني، عبدالسلام صبره: وثائق أولى عن الثورة اليمنية، دار الآداب ،بيروت، 1985م.
- أحمد محمد الشامي: رياح التغيير في اليمن، جدة ، 1985م.
- أحمد محمد الشامي:إلياذة من صنعاء،دار الكاتب العربي،1972م.
- أحمد محمد نعمان:مذكرات ،مكتبة مدبولي، القاهرة.
- أحمد عبدالرحمن المعلمي:الشهيد / عبدالله بن محمد الإرياني، دار العودة، بيروت،1990م.
- عبدالله الشماحي:اليمن الإنسان والحضارة،منشورات المدينة، بيروت،1984م.
- د.عبدالعزيز المقالح: أحمد الحورش، دار الآداب، بيروت، 1984م.
- د.عبدالعزيز المقالح، عبدالله البردوني،وآخرون :زيد الموشكي، دار الآداب، بيروت، 1984م.
- د.سيد مصطفى سالم: البريد الأدبي،مكتبة مدبولي،القاهرة، 1999م.
- يحيى منصور بن نصر:شعر وذكريات،دار العصر الحديث ، بيروت 1986م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.