طلاب الثانوية العامة بعضهم أخطأوا استعدادهم للامتحانات بالذهاب إلى الفنادق لمتابعة أحداث بطولة كأس العالم، وبفعل ذلك قد لا تخلو دفاتر إجاباتهم اليوم أو غداً من إحلال الإجابات المطلوبة بتدوين أحداث البطولة. في الوقت الذي تقام فيه بطولة كأس العالم لكرة القدم بنسختها ال19في جنوب أفريقيا، فإن أبناءنا الطلبة يستعدون لأداء امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية. قد يقول قائل وما علاقة كأس العالم باختبارات طلبة الثانوية والإعدادية؟ وقد يكون له الحق في طرح مثل هكذا سؤال؟ وللرد على هذا السؤال تعالوا نذهب معاً إلى أحد تجمعات مشاهدة كأس العالم وتحديداً إلى إحدى القاعات الكبرى التابعة لأحد الفنادق بمدينة إب وتحديداً في الدور السادس حيث يوجد في هذه القاعة مجموعة من الشاشات الكبيرة لعرض مباريات كرة القدم وغيرها من المباريات الهامة عبر الاشتراك بهذه القنوات المشفرة عندما تلج قدمك إلى تلك القاعة ستجد وبغرابة شديدة أن معظم الحاضرين هم من طلبة الثانوية العامة لهذا العام واضعين أمامهم الملخصات والكتب، وأيديهم شغالة في تناول أغصان القات، بينما أعينهم مشدودة تجاه شاشة التلفاز.. وإلى جانب ذلك يوجد بعض من الطلبة غير أبهين بتناول القات وقد قام باستبداله بالزعقة واللبان. والجميع واضعون الكتب أمامهم للاستعراض ليس إلا.. وعندما يتجه نظرك إلى زاوية أخرى من الصالة ستجد هناك عدداً من المدرسين الذين يتابعون بطولة كأس العالم أمام طلبتهم القادمين على اختبارات الثانوية والغريب أنه عندما يسجل أحد المنتخبات هدفاً فإن الجميع ينط من مكانه ويختلط الحابل بالنابل فلا تدري من تهدىء الطالب أم المدرس والأغرب من ذلك ومن خلال حضوري في تلك الصالة لاحظت التحدي الواضح بين المعلمين والطلبة، وقد يأخذهم ذلك التحدي إلى الرهان على فوز أحد المنتخبات.. وعندها يدفع خاسر الرهان تكاليف الصالة. هذا المشهد السلبي أعادني إلى أيام زمان متذكراً ومترحماً لتلك الأيام.. فقد كانت تعلن حالة الطوارىء من قبل المدرسة والطالب والأسرة والمجتمع، فالمدرسة تعمل على إيجاد حصص إضافية، والطالب يسهر الليالي لتحقيق مبتغاه وأمانيه. والأب يعمل جاهداً على توفير الوقت والمال لابنه الطالب، والأم تظل كالنحلة تطوف في أرجاء البيت مفرغة نفسها لخدمة ابنها الطالب حتى الجيران إن كانوا مزعجين فإنهم يعلنون الهدنة بمقدم اختبارات الشهادة العامة.. احتراماً لهذا الحدث الهام. وهكذا يدخل الطالب الامتحان وهو مهيأ نفسيا واجتماعياً، ومستعد لبلوغ أعلى النسب.. أما اليوم فحدث ولا حرج، طلبة يفضلون كرة القدم ويفضلون هوايتهم الشخصية على تحصيلهم العلمي طلبة يستعدون لمتابعة بطولة كأس العالم وعاجزون عن الإلمام بما في كتبهم التي يحملونها عادة معهم أينما اتجهوا...!! وفي ظل هذا الوضع ماذا ننتظر من شباب المستقبل؟ ومن المسئول عن تكرار هذه المشاهد؟ كل هذا سنتناوله في هذا التحقيق. منشورات سين جيم هناك في إحدى زوايا الصالة الرياضية رأيت الطالب “ماجد ” قسم علمي..ولأنني أعرفه مسبقاً اتجهت إليه بكل هدوء وطرحت عليه أسئلة يملأها الاستغراب والحيرة.. “ماجد ماذا تفعل هنا..؟ أليست اختباراتك على الأبواب وهل أنت مدرك أن الامتحانات الثانوية وحصولك على درجات مرتفعة أو العكس سوف تحدد مصيرك مستقبلاً؟ لا يا “ماجد” يجب أن تكون في مثل هذا الوقت في المنزل أو مع زملائك للمذاكرة والاستعداد للامتحانات التي تفصلك عنها ساعات قليلة..؟ بعد طرحي لكل هذه الأسئلة الحشرية...كنت أنتظر رداً إيجابياً من ماجد ولكنه رد بكل هدوء وبرودة قائلاً:من قال لك إنني غير مستعد للامتحانات، فأنا بمجرد انتهاء المباراة الثالثة سوف أتوجه إلى البيت وأكمل ليلتي في المذاكرة. ولكن المباراة تنتهي الساعة الثانية عشر...فمتى تذاكر؟ متى تنام؟ لا ياماجد عليك أن تستغل وقتك بأكمله بالمذاكرة وتترك بطولة كأس العالم للآخرين..؟ فيرد ماجد، لا أستطيع أن أترك مشاهدة مثل هذا الحدث الذي ظليت أترقبه لمدة أربع سنوات، فأنا مغرم بمشاهدة منتخبي المفضل “الأرجنتين” وكذا بعض اللاعبين العالميين الذين يلعبون مع فرق كبيرة مثل “البرشا، وريال مدريد...وغيرهم.. فسألته وهل تتمنى أن تحصل على نسبة عالية في الثانوية، فقال بالطبع وأنا مستعد تماماً لهذا الموضوع وقد استعديت بتلخيص المواد بشكل كلي وعمل المنشورات عملاً بنصيحة بعض المدرسين، فالعام الماضي لم تخرج أسئلة مادة الفيزياء والانجليزي من منشورات (س ج) كما أنني لم أتوقف عن ممارسة هوايتي المفضلة بإعداد البراشيم التي تعنيني كثيراً في الحصول على نسبة مرتفعة وهنا تركته واتجهت نحو آخر. سوف أعوض العام القادم الطالب”نجيب....” والذي يبدو عليه أنه يشجع المنتخب الفرنسي لدرجة الجنون يقول: أنا مشجع قديم للمنتخب الفرنسي وقد أخذته عن والدي الله يرحمه وأنا أتمنى أن يأخذ البطولة هذا العام المنتخب الفرنسي. وبعد أن أكمل حديثه أخذت أحد الكتب التي وضعها أمامه ثم قلتُ له لماذا هذه الكتب معك؟فقال تشتي الصدق أنا أخذتها معي لكي أوهم أمي وأخوتي بأني أذاكر عند اصدقائي وأنا في الحقيقة لا أستطيع المذاكرة بدون متابعة كأس العالم فأنا منتظر لهذا الحدث منذ شهور أما الامتحانات ما جعل الله عام بعد عام إلا لقضاء الحاجة. فسألته: ألا تطمح أن تنجح هذا العام بالثانوية وتحقق نسبة عالية تفرح بها أمك وأهلك؟ فقال: كما قلت لك ما جعل الله عام بعد عام إلا لقضاء الحاجة وبعدين عادنا صغير السن وممكن أعوض العام القادم، ومع ذلك فأنا أذاكر في الأيام التي لاتوجد فيها مباريات في كرة القدم، سألته هل أنت مستعد لامتحانات هذا العام؟ فقال إلى الوقت الحاضر لست مستعداً وهمي الأول والأخير حصول المنتخب الفرنسي على البطولة وأعدك إذا حصل الفرنسيون على البطولة فإنني العام القادم سوف أذاكر ليل نهار وأحقق نسبة لم يحلم بها أهلي في البيت ولا حتى المدرسون!!. رهان غريب بين المعلمين والطلبة أما الطالب علاء فيعترف بحبه للمنتخب البرازيلي ويقول أنا أتابع بطولة كأس العالم يومياً رغم أنني مقدم على الامتحانات النهائية بعد أيام في الثانوية العامة والقسم الأدبي وأنا أحمل مسئولية حضورنا إلى هذه القاعة لمتابعة كأس العالم على قناة الجزيرة المشفرة الإعلام العربي كونهم يحرمونا من متابعة مثل هذه البطولات الهامة. والحقيقة أنني عندما أشاهد كرة القدم أنسى نفسي وأنسى المذاكرة وبعدها أنظر إلى من حولك فهؤلاء الذين في الأمام هم المدرسون في مدرستنا وهم يشجعوننا على متابعة هذه البطولة وقد دخلنا معهم في رهان الليلة فهم من مشجعي هولندا ونحن من مشجعي البرازيل وإن شاء الله سوف نكسب الرهان الذي ينص بأنه حالة فوز البرازيل فريق الطلبة فإن على المدرسين القيام بمساعدة الطلبة أثناء اختبارات الثانوية العامة وتزويدهم بالبراشيم التي تدخل إلى قاعات الاختبارات أما في حالة فوز المنتخب الهولندي فإن على الطلبة دفع غرامة القاعة الرياضية والتخزين للمدرسين لمدة أسبوع وللحقيقة أن هذا الرهان بما يحمل من المتعة والتسلية إلا أن فيه نوعاً من التواضع من قبل المدرسين الذين قبلوا بدخول هذا الرهان. ولكن ماذا عن امتحانات هذا العام؟ هذا الموضوع يهمني جداً فأنا عند انتهاء “المباراة” أذهب إلى البيت وأذاكر وأطمع كثيراً أن أحقق هذا العام درجات عالية حتى أسعد أبي وأمي وأحقق أمنيتهم بأن أصبح طبيباً.. نماذج متفوقة من الطبيعي أن يصاحب امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية العامة بعض أعراض القلق، فقلق الامتحان كما يعرفه علماء “النفس” حالة نفسية تتصف بالخوف والتوجس وبأنه حالة انفصالية تعتري الطلاب أثناء فترة الامتحانات مما يؤثر سلباً على المهام العقلية في وقت الامتحان .. لكن من غير الطبيعي أن يتجاهل الطلبة هذه الامتحانات وتصبح حدثاً استثنائياً يمرون عليها مرور الكرام.. الطالب حسام نشوان طالب متفوق على الدوام يستعد لامتحانات الثانوية العامة هذا العام فيقول: الحمد لله أبي وأمي عملا منذ وقت مبكر على تهيئة الجو لي ووفرا لي كل ما أحتاج وأنا الآن قد عملت على مراجعة كل المواد الدراسية وسوف أعيد مذاكرتها مرة أخرى وأطمح أن أحقق نسبة عالية حتى أتمكن من دراسة طب العيون في روسيا الاتحادية. وعن الوقت المتوفر لديه لكي يذاكر: يقول حسام كما ذكرت الوقت مهيأ لي وأنا أقسم وقتي إلى قسمين القسم الأول من الظهر حتى الليل والقسم الثاني من بعد صلاة الفجر حتى الساعة التاسعة صباحاً،فالقسم الأول تركته للمواد العلمية والقسم الآخر لمذاكرة ومراجعة المواد الأدبية والقرآن الكريم والتربية الإسلامية،فالذين يتركون مذاكرة دروسهم ويذهبون إلى الفنادق لمتابعة مباريات كأس العالم أعتقد أنهم لا يحملون روح المسئولية أو هم من الطلبة المستهترين الذين لايبالون بنجاحهم أو رسوبهم ولايهمهم حصولهم على معدلات مرتفعة أو العكس وهم في الغالب مغرر بهم. رأي علم النفس ويحذر الأخصائيون في علم النفس من مخاطر إهمال الطلبة لدروسهم وتولد اللامبالاة لديهم وحضور المجالس المحددة لمشاهدة هوايتهم إلى جانب مدرسيهم الدكتور مصطفى مزاحم أستاذ علم النفس جامعة عدن يقول: يفترض أن يتم استغلال الأوقات التي تسبق الاختبارات لمراجعة الدروس والاستعداد التام للامتحانات، وهذا يأتي غالباً بصفة ذاتية من قبل الطالب وتلعب المدرسة والبيت دوراً كبيراً في إكساب الطالب هذا السلوك، ولكن الذي يحدث وللأسف أن هناك عدداً من الطلاب يستهوون تلبية رغباتهم الشخصية والاتجاه نحو تحقيق بعيد عن حياتهم بمشاهدة ومتابعة أحداث لاعلاقة لها بالهدف الرئيسي التي عملت المدرسة والبيت على أكسابه، فتجدهم وهم يؤدون الامتحانات تحدث لهم الكثير من المواقف الغريبة والطريفة، وذلك لأنهم غير مستعدين لهذا اليوم، ففي قاعة الامتحانات تخيم عليهم حالة من القلق والخوف من مصيرهم المنتظر الذي لم يخططوا له والذي ستحدده هذه الامتحانات لذا نجد أغلبيتهم يتأثر بمجرد تسلمه لورقة الأسئلة فيصاب بالذهول أو الإغماء، وكثيرة هي المواقف المضحكة والمؤثرة في نفس الوقت التي لايمكن نسيانها. مواقف مضحكة ويتابع الدكتور مزاحم حديثه هناك مواقف مضحكة حدثت لمثل هؤلاء الطلبة منها بأن يفاجأ الطالب بأن المادة التي ذاكرها مذاكرة سريعة واستعد لها منذ وقت غير بعيد من أجل امتحانها هي ليست المادة التي سيمتحنها. فعندئذ يصاب الطالب بحالة هستيرية ويصاب بالملل من مذاكرة المادة التي تليها فهنا يترك الامتحانات بشكل نهائي أو يواصل خوفاً من أهله ومن المواقف التي يصاب بها مثل هؤلاء الطلبة أنهم يستعدون للامتحانات قبل يوم منها فيظلون عاكفين طوال الليل بدون أن يأخذوا قسطاً من الراحة وعند دخولهم إلى قاعة الامتحانات يفاجأون بصعوبة الأسئلة ويحاولون حينها الاسترخاء حتى يأتي الفرج من أحد الطلبة أو أحد المراقبين، وهم منتظرون يأخذون بالاسترخاء وبعدها تغط عيونهم في نوم عميق وذلك نتيجة الإرهاق الزائد والسهر الطويل. والبعض يحاول خلق جو من الرعب في القاعة فيلجأ إلى تنفيذ حركات توحي إليه أن القائمين على الامتحانات سوف يستجيبون لتنفيذ مطالبه ولكنه يفاجأ أن تلك الحركات لم تؤثر على القاعة فيصاب بالإحباط ويترك دفتر الإجابة ويعود من حيث أتى.. أصناف من الطلبة لحظة الحسم قد تكون قوية التأثير غالباً مايقع مثل هذا في المواقف ذات النتائج المرتقبة والمواقف التي تشكل محطات تغيير أو تحول أو انتقال من فترة زمنية إلى فترة أخرى. ذلك ما قالته الدكتورة ابتهال الآنسي مؤكدة أن مثل هذا الوصف ينطبق على طلاب وطالبات الثانوية العامة الذين يخوضون ساعات التحول المرتقب في حياتهم، وفي غمرة الانشغال بهذا الحدث تبرز إلى الواجهة نوعية مختلفة من الطلبة منهم من استعد على مدار العام ومنهم من لم يستعد إلا في نهاية العام ومنهم من ضل السبيل فظل بعيداً عن المنهج الدراسي حتى ليلة الامتحان.. وفي غمرة الانشغال بهذا الحدث تظهر بلا شك أخطاء القسم الثالث من المستهترين وتنكشف عورات استعداداتهم العلمي والعقلي.. وهؤلاء يصعب وصفهم بالقلة أو المجموعة هؤلاء متأثرون بعادة ترك الأمور حتى اقتراب مواقيتها الأخيرة.. يهملون في البداية ويتكاسلون.. يلبون رغباتهم الشخصية وتستهويهم الشلة الفاسدة.. حتى إذا دخلت الامتحانات “شمروا” عقولهم وأخذوا في البحث عن مخارج..!! وفي قاعات الامتحانات ومع رفرفة أوراق الأسئلة يطفو المستور وتخرج روائحه.. ولذلك للأسباب التي صنعوها لأنفسهم واتكالهم على الأوهام والوعود الزائفة، وبعدها لم يعودوا قادرين على تحمل الوضع فيلجأون إلى أساليب الغش والفوضى والادعاء بالمرض ورفع الصوت ووقوع الظلم وصعوبة المادة، وكلها أساليب سرعان ماتنكشف للجميع..!!