في الوقت الذي تقام فيه بطولة الأمم الأوروبية بنسختها الثالثة عشرة في سويسرا والنمسا،فإن أبناءنا الطلبة يؤدون اختبارات الشهادتين الأساسية والثانوية.. قد يقول قائل وما علاقة كأس الأمم الأوروبية باختبارات أبنائنا الطلبة؟. وللإجابة عن هذا السؤال تعالوا نذهب معاً إلى أحد فنادق مدينة إب والذي توجد فيه صالة كبيرة تقع في قمته وتحديداً بالدور السادس،هذه الصالة توجد فيها شاشة عرض كبيرة لعرض مباراة كأس الأمم الأوروبية وغيرها من المباريات الهامة طبعاً عبر الاشتراك بهذه القنوات المشفرة .. وعندما تدخل إلى قاعة الفندق ستجد أن الحاضرين معظمهم من الشباب صغار السن،أي منهم في سن طلبة الثانوية العامة آخذين مقاعد لهم في الصالة وأمامهم عيدان القات والماء وبعض حبات الشارك لمن يستهوي ذلك،والبعض أخذ يتناول حبات”الزعقة”أو”الحب العزيز”وجميعهم واضعون كتبهم أمامهم للاستعراض ليس إلا.. وعندما تأخذ نظرة أخرى في زوايا القاعة ستجد هناك مدرسين آخذين بمتابعة شاشة العرض بكل شراهة وعندما يسجل فريقهم هدفاً تجدهم ينطون من أماكنهم معلنين عن انتصار قادم وربما تجد أن هناك رهاناً قد عقد بين الطلبة والمدرسين على فوز إحدى الفرق،وعندها يدفع الخاسر تكاليف القاعة..!!. وهكذا يدخل الطالب الامتحان وهو مهيأ نفسياً واجتماعياً ومستعد لنيل أعلى الدرجات. أما اليوم فحدث ولا حرج،طلبة يفضلون كرة القدم ويفضلون هوايتهم الشخصية على تحصيلهم العلمي،طلبة يستعدون لمتابعة بطولة كأس أوروبا وعاجزون عن الإلمام بما في كتبهم التي يحملونها معهم. وفي ظل هذا الوضع ماذا ننتظر من شباب المستقبل؟ ومن المسئول عن تكرار هذه المشاهد؟. كل هذا سنتناوله في تحقيقنا هذا.. منشورات “سين-جيم” هناك في إحدى زوايا قاعة الفندق القريبة من شاشة العرض المسطحة رأيت”ماجد يحيى أحمد”طالب الثانوية العامة القسم العلمي، الذي قال إنه غير مستعد للاختبارات، فإنه بمجرد انتهاء المباراة أذهب إلى البيت وأذاكر. ولكن-يجب أن تستغل كل الوقت وتترك الجلوس هنا. فيرد ماجد: أنا لا أستطيع أن أترك مشاهدة بطولة أمم أوروبا وخاصة مشاهدة فريقي المفضل”هولندا”التي أتمنى أن تظفر بالبطولة هذا العام. سوف أعوض العام القادم الطالب (نجيب أحمد سعيد ) وجدناه في احدى لوكندات تعز والذي يبدو عليه أنه يشجع الفريق الفرنسي لدرجة الجنون يقول: تشتي الصدق أنا أخذت الكتب معي لكي أوهم أمي وأخوتي بأني أذاكر عند أصدقائي وأنا في الحقيقة لا أستطيع المذاكرة بدون متابعة كأس الأمم الأوروبية فأنا منتظر لهذا الحدث منذ شهور،أما الاختبارات ماجعل الله عاماً بعد عام إلا لقضاء الحاجة. فسألته:ألا تطمح أن تنجح هذا العام بالثانوية وتحقق نسبة عالية تفرح بها أمك وأهلك؟. فقال:كما قلت لك ماجعل الله عاماً بعد عام إلا لقضاء الحاجة،وبعدين عادنا صغير السن وممكن أعوض العام القادم،ومع ذلك فأنا أذاكر في الأيام التي لاتوجد فيها مباريات في كرة القدم، فقال: همي الأول والأخير حصول المنتخب الفرنسي على البطولة وأعدك إذا حصل الفرنسيون على البطولة بأنني سوف أذاكر ليل انهار وأحقق نسبة لم يحلم بها أهلي في البيت ولا حتى المدرسون حقي!!. رهان غريب بين المدرسين والطلبة أما الطالب علاء فيعترف بحبه للمنتحب الفرنسي ويقول:أنا أتابع بطولة الأمم الأوروبية يومياً رغم أنني مقدم على اختبارات نهائية بعد أيام في الثانوية العامة القسم الأدبي وأنا أحمل مسئولية حضورنا إلى هذه القاعة لمتابعة كأس أوروبا على قناة الجزيرة المشفرة والاعلام العربي كونهم يحرموننا من متابعة مثل هذه البطولات الهامة، والحقيقة أنني عندما أشاهد كرة القدم أنسى نفسي وأنسى المذاكرة وبعدين أنظر إلى من حولك فهؤلاء الذين في الأمام هم المدرسون حق مدرستنا وهم يشجعوننا على متابعة هذه البطولة وقد دخلنا معهم في رهان فهم من مشجعي هولندا،ونحن من مشجعي فرنسا وإن شاء الله سوف نكسب الرهان الذي ينص بأنه في حالة فوز فرنسا فريق الطلبة فإن على المدرسين القيام بمساعدة الطلبة أثناء اختبارات الثانوية العامة وتزويدهم بالبراشم التي تدخل إلى قاعات الاختبارات،أما في حالة فوز المنتخب الهولندي فإن على الطلبة دفع غرامة القاعة الرياضية والتخزين للمدرسين لمدة أسبوع وللحقيقة أن هذا الرهان بما يحمل من المتعة والتسلية إلا أن فيه نوعاً من التواضع من قبل المدرسين الذين قبلوا بدخول هذا الرهان.. ولكن في حالة فوز فرنسا هل تعتقد أن المدرسين سوف يلتزمون بالشروط ؟. يرد علاء: هذا عائد على قوة شخصية المدرس،فأنا ألاحظ أن هناك مدرسين رجالاً عندما يقولون كلمة يلتزمون بها،ولكن هناك مدرسين ألاحظ عليه ومن خلال الجلوس معهم في هذه القاعة أنهم يعانون من حالة اكتئاب ويظلون صامتين طول مشاهدة مباراة كرة القدم، وهذا الشيء يبعث على الملل لدينا فنحن نظل طوال المباراة في حالة نشوة وتصفيق بينما مدرسونا في حالة سكون وهدوء وأعتقد أن ذلك عائد إلى أوضاع خاصة ومشاكل اجتماعية يمرون بها. ولكن ماذا عن اختبارات هذا العام؟ هذا الموضوع يهمني جداً فأنا عند انتهاء المباراة أذهب إلى البيت وأذاكر وأطمح كثيراً أن أحقق هذا العام درجات عالية حتى أسعد أبي وأمي وأحقق أمنيتهم بأن أصبح طبيباً.. نماذج متفوقة من الطبيعي أن يصاحب امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية بعض أعراض القلق،فقلق الامتحانات كما يعرفه علماء”النفس” حالة نفسية تتصف بالخوف والتوجس وبأنه حالة انفعالية تعتري الطلاب أثناء فترة الامتحانات مما يؤثر سلباً على المهام العقلية في وقت الامتحان..لكن من غير الطبيعي أن يتجاهل الطلبة الذين يولون هوايتهم الشخصية كمشاهدة كرة القدم أو غيرها هذه الامتحانات تصبح صوتاً استثنائياً يمرون عليها مرور الكرام. الطالب/حسام نشوان طالب متفوق على الدوام أضاف قائلاً : الحمد لله أبي وأمي عملا منذ وقت مبكر على تهيئة الجو لي ووفرا لي كل ما أحتاج وأنا الآن قد عملت على مراجعة كل المواد الدراسية وسوف أعيد مذاكرتها مرة أخرى وأطمح أن أحقق نسبة عالية حتى أتمكن من دراسة طب العيون في روسيا الإتحادية،وعن الوقت المتوفر لديه لكي يذاكر؟ يقول حسام:كما ذكرت الوقت مهيأ لي وأنا أقسم وقتي إلى قسمين،القسم الأول من الظهر حتى الليل والقسم الثاني من بعد صلاة الفجر حتى الساعة التاسعة صباحاً،فالقسم الأول تركته للمواد العلمية والقسم الآخر لمذاكرة ومراجعة المواد الأدبية والقرآن الكريم والتربية الاسلامية. ولكن هل تتابع تصفيات كأس الأمم الأوروبية؟. الحقيقة أنا رياضي من الطراز الأول وأتابع في أوقات فراغي الدوري الأسباني وكذا بعض البطولات الهامة.. لكن لكل وقت ظروفه وخصوصياته،فمن البلاهة وأنا مقدم على اختبارات سوف تحدد مصيري المستقبلي أن أعكف على مشاهدة كأس الأمم الأوروبية أو حتى مباراة أخرى،والذين يتركون مذاكرتهم ثم يذهبون إلى الفنادق لمتابعة هذه البطولة أعتقد أنهم لايحملون روح المسئولية،أو هم من الطلبة المستهترين الذين لايبالون بنجاحهم أو رسوبهم ولا يهمهم حصولهم على نسب كبيرة أو صغيرة وهم في الغالب مغرر بهم. رأي علم النفس حذر المختصون في علم النفس من مخاطر إهمال الطلبة لدروسهم وتولد اللامبالاة لديهم وحضور المجالس المحددة لمشاهدة هواياتهم إلى جانب مدرسيهم،الدكتور/مصطفى مزاحم-أستاذ علم النفس جامعة عدن يقول: يفترض أن يتم استغلال الأوقات التي تسبق الاختبارات لمراجعة الدروس والاستعداد التام للامتحانات، فتجدهم وهم يؤدون الامتحانات تحدث لهم الكثير من المواقف الغريبة والطريفة،وذلك لأنهم غير مستعدين لهذا اليوم،ففي قاعة الامتحانات تخيم عليهم حالة من القلق والخوف من مصيرهم المنتظر الذي لم يخططوا له والذي ستحدده هذه الامتحانات،لذا نجد أغلبيتهم يتأثر بمجرد تسلمهم ورقة الأسئلة فيصابون بالذهول أو الإغماء،وكثيرة هي المواقف المضحكة والمؤثرة في نفس الوقت التي لا يمكن نسيانها.. مواقف مضحكة ويتابع الدكتور/مزاحم حديثه:هناك مواقف مضحكة حدثت لمثل هؤلاء الطلبة منها أن يفاجأ الطالب بأن المادة التي ذاكرها مذاكرة سريعة،واستعد لها منذ وقت غير بعيد من أجل اختبارها هي ليست المادة التي سيمتحنها.. فعندئذٍ يصاب الطالب بحالة هستيرية ويصاب بالملل من مذاكرة المادة التي تليها فهنا يترك الامتحانات بشكل نهائي أو يواصل خوفاً من أهله. ومن المواقف التي يصاب بها مثل هؤلاء الطلبة أنهم يستعدون للامتحانات قبل يوم منها فيظلوا عاكفين طول الليل بدون أن يأخذوا قسطاً من الراحة وعند دخولهم إلى قاعة الامتحانات يفاجأون بالأسئلة بأنها صعبة عندها يحاولون الاسترخاء حتى يأتي يوم الفرج من أحد الطلبة أو أحد المراقبين،وهم منتظرون يأخذون بالاسترخاء وبعدها تغط عيونهم في نوم عميق وذلك نتيجة الإرهاق الزائد والسهر الطويل. أصناف من الطلبة لحظة الحسم قد تكون قوية التأثير.. غالباً ما يقع مثل هذا في المواقف ذات النتائج المرتقبة والمواقف التي تشكل محطات تغيير أو تحول أو انتقال من فترة زمنية إلى فترة أخرى.. ذلك ما قالته الدكتورة ابتهال الآنسي، مؤكدة أن مثل هذا الوصف ينطبق على طلاب وطالبات الثانوية العامة الذين يخوضون ساعات التحول المرتقب في حياتهم،وفي غمرة الانشغال بهذا الحدث تبرز إلى الواجهة نوعية مختلفة من الطلبة منهم من استعد على مدار العام ومنهم من لم يستعد إلا في نهاية العام ومنهم من ضل السبيل فظل بعيداً عن المنهج الدراسي حتى ليلة الامتحان...وفي غمرة الانشغال بهذا الحدث تظهر بلا شك أخطاء القسم الثالث من المستهترين وتنكشف عورات استعدادهم العلمي والعقلي..وهؤلاء يصعب وصفهم بالثلة أو المجموعة..إنهم كثيرون في حقيقة الأمر..هؤلاء متأثرون بعادة ترك الأمور حتى اقتراب مواقيتها الأخيرة..يهملون في البداية ويتكاسلون..يلبون رغباتهم الشخصية وتستهويهم الشلة الفاسدة..حتى إذا دخلت الاختبارات (شمروا) عقولهم وأخذوا في البحث عن مخارج..!.