تسنى لنا مؤخراً زيارة مبنى الهيئة العامة للبحوث الزراعية واطلعنا على العديد من الأنشطة والبحوث الزراعية المختلفة التي تنفذها الهيئة غير أن أبرز ما لفت أنظارنا البحث العلمي المنصب في إطار تقانة الدقيق المركب باعتبار أننا من الدول التي تشهد استهلاكاً كبيراً للقمح ومشتقاته والتي تضطر الحكومة مع شحة الإنتاج المحلي لاستيراد كميات ضخمة سنوياً قد تصل إلى مليون ونصف المليون طن سنوياً وهو ما يثقل كاهل الخزينة العامة للدولة متمثلة في مواجهة نفقات هذا المحصول.ومن هذا المنطلق استشعرت الهيئة ومراكزها البحثية أهمية إيجاد البدائل العلمية المناسبة من خلال إجراء سلسلة من الدراسات والبحوث التي خلصت إلى تقانة الدقيق المركب وهي تقان بحسب المختصين تحتاج إلى اهتمام ودعم حقيقي من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية المعنية لسد الفجوة الغذائية المستغلة. وللاقتراب أكثر من جوانب هذا المبحث العلمي النوعي التقينا الدكتور/ محمد سالم المصلي كبير الباحثين في العلوم الغذائية والذي فضل تزويدنا بأرقام وحقائق تبين الوضع القائم فيما يخص القمح وأهميته الغذائية لبلد لا يزال في مؤخرة المركب للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الغذائي وبالذات في هذه المادة ومشتقاتها. حقائق وأرقام - يقول الدكتور محمد المصلي: علينا في البداية معرفة جملة من الأرقام والحقائق والمعلومات قبل الخوض في أي تفاصيل أخرى من المعروف أن المخزون العلمي من القمح أخذ في التراجع منذ عدة سنوات مضت ففي عام 2003م كان(187) مليون طن ليتراجع في العام 2004م إلى (139) مليون طن ويصبح في العام 2007م (125) مليون طن ويؤكد خبراء أن المخزون العالمي أخذ في الانخفاض بصورة أو بأخرى وأن أبدى في بعض الظروف استقراراً بدرجات متفاوتة. ويستهلك المواطن اليمني نحو 263جراماً في اليوم من القمح بالمتوسط وقد تقل أو تزيد بحسب الكميات المستوردة وتضع هذه الكمية اليمن ضمن أعلى عشر دول استهلاكاً للقمح في العالم يتراوح حجم استهلاك الفرد فيها (227-489) جراماً في اليوم والكارثة تتضح أكثر إذا علمنا أن نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بين 5.5-8.3 % فقط. توفير 122مليون دولار وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة يمكن أن يؤدي تطبيق تقانة الدقيق المركب بالحدود الدنيا الموصى بها للإحلال (10 %) إلى توفير عملة صعبة قدرت ب122مليون دولار سنوياً حسب الكمية المستوردة وأسعار القمح لعام 2007 وقد تصل إلى نحو 306-368مليون دولار تقريباً إذا رفعت نسبة الإحلال إلى 25-30 % وهو ما يدعونا إلى طرح الحلول الناجحة لتقليص الاستيراد الهائل ومنها الاستفادة من محاصيل الحبوب غير القمح والذرة الرفيعة والذرة الشامية والدخن والشعير المزروعة محلياً في البيئات الزراعية المختلفة التي تتميز بها اليمن لحل جزئياً محل دقيق القمح لإنتاج الخبز بأنواعه وكذا لإنتاج منتجات الخبز الأخرى (كيك وبسكويت ومعجنات أخرى من خلال الأخذ بتقانة الدقيق المركب. أهمية الدقيق المركب - نستنتج من هذا كله أن التقانة تحتل أهمية كبيرة إذا ما كان السعي إلى تطبيقها على أرض الواقع وأكيد لها أهميتها وقيمتها الغذائية فقد خلصت مجموعة من الدراسات العلمية إلى أنه من الضروري جداً أن تلجأ الدول التي تستورد كميات كبيرة من القمح لسد حاجة المستهلك المتزايدة من الخبز ومنتجاته الأخرى إلى استخدام محاصيل أخرى غير القمح تنتج محلياً وذلك من خلطات مع دقيق القمح لإنتاج الخبز. ففي عام1975م قام معهد المنتجات الاستوائية بدراسة كافة النواحي الاقتصادية لبرنامج الدقيق المركب حيث تمت دراسة إمكانية تنفيذ هذه التقانة ل87 دولة نامية تعتمد في الأساس على استيراد القمح لإنتاج الخبز ومنتجاته الأخرى. إن أهمية هذه التقانة لا تكمن فقط في استخدام الدقيق المركب لإنتاج الخبز والمعجنات الأخرى على المستوى التجاري فحسب بل في إمكانية استخدامها في المنازل لتحضير بعض أنواع الأغذية المنزلية كما توصلت البحوث إلى أنه يمكن استخدام هذه التقانة في تحضير أغذية للأطفال. تعريف الدقيق المركب - هل بالإمكان إعطاؤنا تعريفاً واضحاً يبين لنا ماهية الدقيق المركب؟ - يقول: الدكتور/ المصلي يمكن تعريف الدقيق المركب بأنه ذلك المركب المكون من دقيق القمح ودقيق غير القمح لإنتاج الخبز المنفوش أو منتجات الخبز الأخرى. تجارب عالمية - هل هناك دول سبقتنا في هذا المجال وأكدت جدوى هذه التقانة؟ بالتأكيد فقد شرعت كثير من دول العالم في استخدام هذه التقانة ففي النمسا خلص فريق علمي بحثي إلى إمكانية استبدال دقيق القمح بدقيق الذرة الرفيعة بنسبة قد تصل إلى 20 % عن إنتاج خبز القوالب ولكن بشرط أن يحتوي دقيق القمح على جلوتين جاف يقل عن 10.5 % وفي نيجيريا بدأ مشروع تقانات الدقيق المركب في الفترة من 1987-1991م وخلصت نتائج المشروع إلى إمكانية استبدال 50-70 %من دقيق القمح بدقيق محاصيل غير القمح منتج محلياً مع ضرورة استخدام نسبة 1-3 % من صنع الزانتان لإنتاج الخبز الحجري مثل الخبز الفرنسي المنتج محلياً والأنواع الأخرى المشابهة كما أمكن استبدال دقيق القمح بنسبة تراوحت بين 10-15 % بدقيق الكاساف لإنتاج الخبز المنفوش وكذا إمكانية زيادة هذه النسبة لتصل إلى 20 % عند إنتاج منتجات الخبز مثل الكيك والبسكويت. وبالمثل فقد خلصت نتائج أبحاث أحد المراكز العلمية المختصة بالحبوب والدقيق والخبز بهولندا إلى إمكانية استبدال 25 % من دقيق القمح بدقيق الكاساف ودقيق الذرة الشامية للحصول على خبز مقبول. لماذا الدقيق في اليمن - لماذا الدقيق المركب في اليمن بالذات؟ إن محاصيل الحبوب عامة وخاصة القمح هي أحد صمامات الأمن الغذائي لأي دولة في العالم فهي أهم المصادر الغذائية المهمة للإنسان والأنغام وفي اليمن شكلت الحبوب 58.2 % 55.3 % 41.2 % 63.8 % من المساحة الإجمالية للمحاصيل الزراعية (حبوب وخضار وفاكهة وبقوليات والمحاصيل النقدية المزروعة في اليمن والتي بلغت مليوناً و18 ألفاً و922هكتاراً و916ألفاً و909هكتار ومليوناً و67ألفاً و109هكتار ومليوناً 79ألفاً و574هكتاراً في الأعوام 2002-2003-2004-2005على التوالي. من ناحية أخرى فإن إنتاجية هذه المحاصيل من الحبوب (الذرة الرفيعة والقمح والدخن والذرة الشامية والشعير قد بلغت 559.760طناً و417.937طناً 490.277طناً و495.591طناً غير أنها مثلت 24 % و 18.8 % 20.7 % و 20.7 % من إجمالي الإنتاج لهذه المحاصيل لنفس الأعوام.. إذاً كل ما تواجهه البلد من وضع خطير للأسباب المشار إليها فإنه من الضروري الاستفادة من البحوث المحلية في مجال تقانات الدقيق المركب لإنتاج الخبز ومنتجاته الأخرى وذلك بتنفيذ هذه التقانات على المستوى التجاري.