ذمار اشتهرت منذ القدم بأنها أحد معاقل العلم والمعرفة ولها دور حضاري عكس مدى ماوصلت إليه من ازدهار وتطور شامل وواسع في شتى مجالات الحياة الانسانية ولازالت ذمار تحتفظ بملامحها الأصيلة التي تحمل السحر والجمال الذي يختلف في روعته وأناقته عن أي مدينة يمنية أخرى من حيث تكوينات الأسواق وتوسع العمران وانفرادها بالموروث الشعبي الذي يشكل مشهداً فنياً مميزاً يتوج تفاصيله الدقيقة بمدى الثراء الذي تزخر به المحافظة. صحيفة الجمهورية قامت بجولة استطلاعية لعدد من الأسواق الشعبية والمنشآت الأثرية ستقرأونها في استطلاعنا التالي: محافظة ذمار إحدى محافظات الجمهورية اليمنية تقع إلى الجنوب من العاصمة صنعاء وتبعد عنها (50كم) يحدها من الشمال محافظة صنعاء ومن الشرق أجزاء من محافظتي صنعاءوالبيضاء ومن الجنوب محافظة إب ومن الغرب أجزاء من محافظتي صنعاء وريمة والحديدة وتتوسط الهضبة الجبلية لليمن بين خطي عرض 16.66.15.70درجة شمالاً وخطي طول 48.50.33درجة شرقاً. أسهمت ذمار في معظم حوادث التاريخ اليمني قديمه وحديثه كما أنها اشتهرت منذ القدم بأنها أحد معاقل العلم والمعرفة فيها دفن كثير من الأئمة والعلماء ولعل أشهرهم الإمام يحيى بن حمزة في القرن الثامن الهجري وكان لمدينة ذمار دور حضاري وديني وسياسي كبير في العصر الاسلامي يتمثل بما أخرجته من علماء ومبدعين في شتى الفنون والعلوم عكسوا مدى ماوصلت إليه من ازدهار وتطور فكري وعلمي وأدبي وتزامن هذا الازدهار العلمي والثقافي مع حركة ازدهار شاملة وواسعة في شتى مجالات الحياة الإنسانية سواء الدينية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وكانت العمارة أحد مظاهر الازدهار إذ تزخر مدينة ذمار بكم هائل من المنشآت الأثرية الاسلامية.. ويعد تخطيط مدينة ذمار الحالي نتاج جملة عوامل أثرت في تكوينه لايختلف كثيراً عن تخطيط مدينة صنعاء القديمة سواء في الشكل العام أو في التكوينات المعمارية الدينية والمدينة مع وجود بعض الاختلافات.. ورغم التوسع العمراني الكبير الذي شهدته مدينة ذمار في ازدياد عدد المباني الحديثة في أواخر القرن الماضي إلا أنها لازالت تحتفظ بملامحها الأصيلة ولازالت أيضاً مبانيها وأسواقها ومساجدها تحمل السحر والجمال الذي لايختلف في روعته وأناقته عن مدينة صنعاء القديمة. - مكونات مدينة ذمار تتكون المدينة القديمة من ثلاثة أحياء رئيسية هي الحوطة ، الجراجيش ، المحل ويتوسطها منطقة السوق بالإضافة إلى منطقة القاع وتوجد مسميات أصغر ضمن إطار تلك الأحياء يطلق عليها حارات، أخذت معظمها أسماء مساجد وبعضها أسماء معالم بارزه أو شخصيات تاريخية.. وتتكون كل حارة من مجموعة مبانٍ سكنية تتخللها عدد من الشوارع(الأزقة) وتتوسط تلك المباني ساحة تفتح إليها أبواب ونوافذ المنازل بالإضافة إلى وجود بستان خلف المباني السكنية ويوجد في كل حارة مسجد بالإضافة إلى مرافقه مثل المقاشم.. بساتين لزراعة الخضروات.. وكانت الأحياء منفصلة عن بعضها ولكن مع ازدياد عدد السكان وتوسع العمران اتصلت ببعضها واستحدثت أحياء جديدة. - حي الحوطة يقع في الجهة الشرقية للسوق القديم ويحتل الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة ويحده من الشمال حي المحل ومن الغرب حي الجراجيش ويتميز هذا الحي بوجود المساجد كالجامع الكبير الذي تشير بعض المصادر إلى أنه بني بأمر الرسول(صلى الله عليه وسلم) بالإضافة إلى مسجد الحسين بن سلامة ومسجد الإمام يحيى بن حمزة. - حي المحل ويقع في الجهة الشمالية من المدينة ويعد شارع سوق الربوع الحد الفاصل بينه وبين حي الحوطة وحي الجراجيش ومن الجهة الغربية تحده المقبرة والتي دفن بها العديد من الشخصيات التي تشير إليها العديد من المصادر وفي الوقت الحالي أصبح حي المحل منقسماً إلى قسمين القسم الأول يعرف باسم المحل الأعلى والقسم الآخر يعرف باسم المحل الأسفل. - حي الجراجيش ويقع في الجهة الغربية من المدينة بين منطقة السوق القديم شرقاً والشارع العام شارع صنعاء- تعز غرباً الذي لعب دوراً كبيراً في اتساع المدينة من الجهتين الجنوبية والغربية بالإضافة إلى الخط الرئيسي المؤدي إلى محافظة البيضاء المعروف بشارع رداع. - حارة القاع إحدى مكونات مدينة ذمار القديمة وتقع في الطرف الشرقي منها ويمكن اعتبارها وحدة سكنية مستقلة بذاتها لما تحمله من خصائص معمارية تختلف كلياً عن باقي الحارات من حيث تخطيط منازلها وطابعها الخاص وإن وجد تشابه مع بعض منازل حارات ذمار الأساسية في نوع مواد البناء المستعملة في المدينة إلا أنها تظل وحدة سكنية مستقلة عن باقي الأحياء. - المنازل القديمة الإبداع والجمال والسحر ما يمكن إطلاقه على منازل مدينة ذمار والتي تشكلها مجموعة المباني السكنية المترابطة والمستقلة بماتحمله من أصالة في فن البناء وتناغم في استعمال مواد البناء، وتنوعها واختلاف أشكالها بالإضافة إلى وجود عملية مزج بين عراقة الفن اليمني القديم وسحر وجمال الفن الإسلامي المتميز بالأناقة والرشافة والتكيف مع الطبيعة البيئية لمدينة ذمار وماوفرته من مواد بناء استطاع الفنان أن يصنع منها لوحات فنية معمارية رائعة وتعد واجهات المنازل من المميزات الرئيسية لمنازل مدينة ذمار والتي لاتختلف كثيراً عن واجهات منازل مدينة صنعاء القديمة بكل ماتحمله واجهاتها من زخارف ومداخل ونوافذ وقمريات ومشربيات صنعت منها لوحة جميلة ورائعة . في العادة يتم بناء الطوابق السفلية من مادة الحجر الملونة باللونين الأسود والأبيض أما الطوابق العليا فيتم بناؤها بمادة الآجر وتخلو الطوابق السفلى من النوافذ باستثناء الفتحات الصغيرة. أما بالنسبة للطوابق العليا فنجد أن النوافذ تزداد اتساعاً وعدداً كلما ارتفع مستوى البناء نحو الأعلى وتتركز هذه النوافذ في غرف النوم والتي غالباً ماتكون في الجهة الجنوبية وتقل في الجهة الشمالية بسبب البرودة. - تخطيط منازل المدينة تتكون معظم المنازل من عدة طوابق يتميز كل طابق عن الآخر.. فالطابق الأرضي عادة يخصص للحيوانات الأليفة وتخزين الحبوب وبه يوضع المطحن وأحياناً تحفر بئر صغيرة في هذا الطابق يليه الطابق الأول وفي العادة يوجد فيه الديوان المخصص لاستقبال الضيوف إلى جانب عدد من الغرف كالحمام والمطبخ.. أما الطابق الثاني ففي العادة يخصص لغرفة النوم ويتم الوصول إليه عبر سلم صاعد يؤدي إلى حجرة تتوسطه الغرف والتي تفتح أبوابها إلى هذه الحجرة ويستمر السلم الصاعد إلى الطابق الثالث والذي يتشابه في تخطيطه مع الطابق الثاني وقد خصصت غرفة أيضاً لأفراد العائلة أو العزاب والمتزوجين. - المفرج ويسمى المفرج باللغة المحلية الطيرمانه.. تميزت المباني في مدينة ذمار بوجود المفرج الذي يعلو معظم البيوت كما في بيوت صنعاء القديمة وهي غرفة كبيرة تأخذ الشكل المربع وأحياناً المستطيل، له نوافذ في جميع الاتجاهات وتعد بمثابة استراحة لرب البيت بما تحمله هذه الغرفة من منظر خلاب ويطل على معظم أحياء المدينة. - الأسواق الشعبية تتميز مدينة ذمار بوجود سوق أسبوعي يقام كل أربعاء وفيه يجتمع الناس للبيع والشراء من جميع قرى ونواحي المدينة.. أما السوق الرئيسي القديم فهو سوق يومي يرتاده سكان المدينة لشراء احتياجاتهم المختلفة يتوسط السوق الأحياء الثلاثة الرئيسية التي تكون مدينة ذمار القديمة ويعد من المعالم الرئيسية التي تميز مدينة ذمار ويتصف السوق بضيق ممراته المرصوفة بالأحجار وعدم استقامتها بالإضافة إلى الدكاكين الصغيرة وتكوينها البنائي البسيط وارتفاع مداخلها عن مستوى أرضية الشارع.. وينقسم السوق القديم إلى عدد من الأسواق المتخصصة في بيع سلع محددة مثل سوق الحب(الحبوب) وسوق القشر لبيع البن ومشتقاته وسوق اللقمة(الخبز) وسوق السمن وسوق البز(الأقمشة وسوق المعطارة وسوق العلف وسوق الحطب وسوق الأثاث المنزلي وسوق للجزارين لبيع اللحوم وسوق المحدادة والجنابي والعسوب وسوق الجلود. - السماسر وهي عبارة عن مبان كبيرة الحجم والمساحة تختلف عن المباني السكنية من حيث تخطيطها ووظيفتها الإنسانية وتختلف السماسر فيما بينها فمنها تجارية وأخرى خدمية خاصة بالمسافرين ومن أهم السماسر بالمدينة سمسرة قرايش وسمسرة الزبيدي وسمسرة ساوي وسمسرة علوي والأوقاف وسمسرة الحانق وسمسرة سلامة. - المقاشم وهي عبارة عن قطعة أرض كبيرة منخفضة في مستواها عن مستوى سطح الشارع الواقعة فيه وغالباً ماتكون ملاصقة للمساجد إذ يتم تغذيتها بالماء الخارج من مطاهير المساجد إلى جانب مياه الأمطار والسيول المتدفقة من الشوارع وأسقف المنازل ويتم زراعتها بالعديد من أنواع الخضروات أهمها الفجل(القشمي) والكراث وتعود فوائد زراعة هذه المقاشم لصالح المسجد الملحق به. - البساتين تتميز منازل مدينة ذمار بوجود أحواش(بساتين) لا تختلف كثيراً عن المقاسم إلا أن البساتين يتم زراعتها بالفواكه والحبوب ولها آثار خاصة بها ومحاطة بسور كبير. - السُبل وهي عبارة عن مبانٍ صغيرة مربعة الشكل أو مستطيلة تعلوها قبة صغيرة ومبنية من حجر الحبش يفتح في أحد جدرانها فتحة صغيرة لشرب الماء وغالباً يتم بناؤها ملاصقة للمساجد وفي الأسواق. - الريش الريشة هي عنصر بنائي معماري عبارة عن ممر سقوف يقوم بالتوصيل بين شوارع وحارات المدينة وهي من العناصر المعمارية المميزة للمدينة وتمثل نقاط تواصل لنسيج المدينة العمراني ويزداد عددها في حي الجراجيش. - عادات وتقاليد الزواج وعن هذه العادات التي تنفرد بها مدينة ذمار ويتمسكون بها منذ آلاف السنين ويمارسها الناس في احتفالات الزواج تقول الدكتورة مديحة رشاد – رئيسة قسم الآثار بجامعة ذمار: في مناسبات الزواج والولادة تتعدد العادات والتقاليد وتتفرع الفعاليات بحيث تمتد خلال أيام المناسبة من ذلك الحمام الذي يعد أول فعالية يقوم بها الرجال والنساء على السواء وتتمثل في ذهاب العريس أو العروس كل على حدة إلى الحمام التركي بصحبة الأصدقاء بالنسبة للعريس. أما العروس فيصحبه (الشارعة) وهي امرأة كبيرة في السن تقوم بخدمة العروس ورعايتها وتزيينها وفي اليوم التالي للحمام تكون(القحوطة) وهو احتفال تدعى إليه الفتيات العازبات فقط وفيه تلبس العروس ملابس خاصة هي القميص(الطاس) والعصابة التي توضع على الرأس وتتدلى مغطية وجه العروس مصنوعة من الخرز أو الفضة وكذا المشاقر وهي عبارة عن حزمة من النباتات العطرية تزين رأس العروس.. وفي اليوم التالي تكون الذبايل وهو حفل تدعى فيه النساء المتزوجات فقط وتلبس العروس نفس ملابس اليوم السابق مع اختلاف لون القميص وقبل الزفة بيوم واحد يتم عمل الخضاب والحناء وفي يوم الزفة تودع العروس أمها وأباها من خلال أهزوجة خاصة بذلك وأكبر احتفالات النساء تقام في اليوم الثالث للزواج تحضره جميع النساء ويكون فيه مغنية. وفي مناسبة زواج الرجل يقوم العريس بزيارة إلى أحد المناطق الجميلة بصحبة أصدقائه وفي المساء يقام حفل الحناء وفيه تؤدى الرقصات الشعبية ويتخلل ذلك الحناء وفي اليوم التالي تكون الزفة وفيها يتم استقبال الضيوف بالطبل والمزمار وتؤدى رقصة البرع(قبل الغداء وبعد الغداء تتم زفة العريس من المسجد إلى مكان المقيل وخلال المقيل تؤدى الأناشيد والزوامل وفي المساء تؤدى عدد من الرقصات وتقدم الهدايا للعريس تحت مسميات مختلفة مثل الطرح والنقط والرفد..وفي مناسبة الولادة تجهز غرفة خاصة للمرأة تستقبل فيها المباركات وتجلس المرأة مع مولودها في مكان مرتفع ويستمر ذلك أربعين يوماً ومن اليوم السابع تجلب النساء القهوة مغلية بلوز وجلجلان وعناب وتمر وذرة. اكتشافات جديدة وعن الاكتشافات الجديدة قالت الدكتورة مديحة: لأول مرة في اليمن وفي محافظة ذمار خصوصاً تم اكتشاف بقايا عظمية لديناصور جوار قرية ذي سحر جنوب غرب مدينة ذمار وتم جمع عدد كبير من القطع العظمية بعد إجراء عملية الحفر في الموقع. كما تم اكتشاف مسجد أثري نادر به زخارف وكتابات ويعود تاريخ بناء المسجد إلى عام 906 للهجرة حسب النص التسجيلي الموجود في سقفه. كما تم اكتشاف أشجار متحجرة في منطقة ماور العرش وهناك تم التعرف على الموقع والحصول على نماذج من الأشجار.. وقد تم اكتشاف أيضاً عدد من المعادن الصناعية المهمة مثل الحجر الجيري والجبس والزيولايت والبيوميس والملح الصخري والاسكوريا والأطيان الصناعية والكوارتز وعن الحرف والصناعات التقليدية. وتضيف الدكتورة مديحة: يمارس السكان أعمالاً حرفية تقليدية منها صناعة وحياكة المنسوجات بمختلف أنواعها كذا صناعة الأواني النحاسية والفخارية بأحجام تتناسب مع الغرض من استعمالها مثل أواني الطبخ وحفظ المياه وغيرها وكذلك حرف الموروث المعماري ولاتزال صناعة الحلي والمجوهرات الفضية التقليدية تمارس في عدد من المناطق إلى جانب صناعة الخناجر والجنابي ومن الأعمال المهمة في المحافظة أيضاً استخراج الأحجار المستعملة في البناء إذ تنتشر في عموم مناطق المحافظة مقالع الأحجار ذات المواصفات العالية ويتم تسويقها إلى العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية. ويمثل استخراج وصناعة العقيق وتشكيله أحد الأنشطة الحرفية المستمرة منذ آلاف السنين حتى اليوم وأهم مناطق استخراج العقيق منطقة ضوران آنس ومنطقة يغرب عنس غرب مدينة ذمار إذ يعد العقيق المستخرج منها من أجود أنواع العقيق وأكثرها شهرة وتلقى رواجاً كبيراً في الأسواق المحلية وأسواق الدول المجاورة.