تعد ذمار من المدن التي رحل إليها العلماء إذ بنى فيها معاذ بن جبل كما يذكر ذلك الدكتور/محمد أحمد طاهر الحاج – أستاذ التاريخ الإسلامي المساعد بقسم التاريخ – كلية الآداب جامعة ذمار مسجداً كان فيما بعد هو المسجد الجامع للمدينة ومدرستها المشهورة وقد استقبلت العديد من طلبة العلم الذين قصدوها لتزود من مناهل علمائها فأهلها مشهورون بالعلم. ومما لاشك فيه أن التعليم في ذمار كان لايختلف في عهد الدويلات المستقلة المتعاقبة على حكم اليمن فيما بين 225-923ه /840-1517م عن مثيله في المدن اليمنية الأخرى فقد شكل القرآن الكريم وحفظه ومحكم آدابه عاملاً مشتركاً في العملية التعليمية في ذمار وغيرها من المدن بل وفي جميع الأمصار الإسلامية في العصر الإسلامي فكان نظام التعليم في اليمن خلال العصر الإسلامي يمر بثلاث مراحل الكتاتيب (المعلامه) ومرحلة دراسة العلوم الدينية واللغوية ومرحلة التفقه وكان ذلك النظام يسير إلى وتيرة واحدة في جميع مناطق اليمن ومنها ذمار عبر عدة مراحل: المرحلة الأولى وتبدأ هذه المرحلة بالدراسة في الكتاتيب (المعلامه) ويتركز الاهتمام في هذه المرحلة على تعليم الصبية القراءة والكتابة وتحفيظهم القرآن الكريم وكانت تلك الكتاتيب منتشرة في المدينة بأكملها وفي القرى أيضاً وكانت تلك الكتاتيب توجد بجدار المساجد مثل مسجد الأسد – مسجد الأمير – مسجد عماد الدين – مسجد المطهر وغيرها وبعد استكمال هذه المرحلة التي تستكمل بحفظ القرآن ينتقل من أداء الاستمرار في التعليم إلى المدارس المشهورة في المدينة كالمدرسة الشمسية لتلقي العلوم الدينية واللغوية. وكانت تبدأ مرحلة الدراسة في الكتاتيب عادةً في سن الخامسة من العمر وليست هناك معه محدده لبقاء الصبي في المعلامة إذ تعتمد مدة بقائه على مدى قدرته على حفظ القرآن في سنتين أو أكثر وعادة ماتبدأ تلك المرحلة باستخدام الألواح الخشبية وحفظ قصار السور. - المرحلة الثانية أما هذه المرحلة فتبدأ بانتقال الطالب إلى المسجد والمدرسة وهي مرحلة التفقه في العلوم ويدرس الطالب في هذه المرحلة العلوم الدينية واللغوية على أساتذة متفهمين ومن أهم المدارس العلمية بذمار (المدرسة الشمسية). - المرحلة الثالثة وفي هذه المرحلة يحتم على الطالب مواصلة دراسته للعلوم اللغوية والدينية حتى التفقه بها كما يتجه الطالب إلى التدريب على المناظرات العلمية ويسعى في هذه المرحلة إلى الإلتقاء بالعلماء والأخذ عنهم أينما كانوا وفي هذه المرحلة أيضاً تظهر الشروح والاختصارات والتعليقات على الكتب أو بعض المسائل وكانت تلك المجالس التي تقوم على أساس المناظرات الطلابية كثيرة الانعقاد في مدينة ذمار. - مراكز التعليم وأقسامه كانت هناك عدة مراكز تعليمية وتنويرية بذمار وتنقسم في مجملها إلى قسمين المساجد والمدارس. أولاً: المساجد حيث تعد من أهم وأقدم مراكز التعليم في المدينة وقد استخدم المسجد في ذمار كغيره من المدن الأخرى في اليمن كما كان الحال كذلك في العالم الإسلامي بعامة لتعليم القرآن الكريم والدين لأن فكرة تخصيص أماكن للتدريس خارج المسجد لم تظهر إلا في مراحل متأخرة وبالنسبة لمدينة ذمار فقد احتل الجامع الكبير الذي يقع حالياً بحارة (الحوطة) الدرجة الأولى إذ كانت حلقة العلم تعقد في أركان المسجد وتخصص كل حلقة بتدريس أحد العلوم الإسلامية والفقهية واللغوية مثله مثل الجامع الكبير بصنعاء والجند بتعز وجامع الأشاعر بزبيد وكانت ذمار إذ ذاك مشحونة بعلماء الفقه والفرائض فكان العلامة علي بن أحمد بن علي بن الحسين ابن محمد الحسني من العلماء المحققين للنحو والفقه والحديث وتصدر للتدريس بجامع مدينة ميفعة ذمار. ويبدو أن الجامع الكبير أحتل مكانة كبيرة في اليمن وذلك من خلال تلك المناظرات العلمية التي كانت تقام بين العلماء فمثلاً كان مطرف بن شهاب يقوم بعمل مناظرات علمية في جامع ذمار وذكر الأكوع أنها جرت مناظرة بينه وبين العالم إبراهيم بن منصور البشاري الذماري شهد الصباح في مسائل الإعراض كما أن الجامع شهد نوعاً من حلقات العلم الطارئة وذلك حينما قدم إلى ذمار أبوزيد المروزي وروىفيها صحيح البخاري وأتاه كثير من العلماء من صنعاء والجند وعدن وسائر أنحار اليمن كما أن مثل تلك المناظرات العلمية كانت تقام في منازل علماء ذمار. - المدارس في واقع الأمر فإن تطور نظام أماكن التدريس من المسجد إلى أماكن خاصة بها وهي المدرسة هو نظام استحدثه الأيوبيون أثناء دخولهم اليمن سنة 569ه/1173م وأنشأوا باليمن العديد من المدارس وإذا كان المسجد يعقد في أغلبه على المجهود الذاتي لرجالات الدين فإن المدارس اعتمد التعليم فيها على توجيه من الدولة لذلك اتجهت الدولة لبناء المدارس وأشرفت على عملية التعليم فيها فبنوا أيوب هم الذين استحدثوا ذلك النظام وكان الغرض منه نشر المذهب السني في اليمن. - مجالس التعليم بالنسبة لمجالس التدريس في المسجد فقد وجدت له عدة مسميات منها (حلقات علم) أو (مجلس سماع) أو مجلس تدريس ويأخذ شكل دائري حول الأستاذ المكمل للدائرة إلا أن هناك فرق بين تلك المجالس من حيث نوعية العلم الذي يدرس بها وعدد الطلاب وغيرها فحلقة العلم هي عبارة عن جلسة علمية تنظم مجموعة فقهاء يتم فيها مناقشة العلوم العلمية أو الدينية وأما حلقة التدريس فهي التي تضم مجموعة من الطلاب أمام أستاذهم الذي يجلس في كرسي أو على الأرض سانداً ظهره على جدار المسجد وهذه المجالس عادةً ماتعقد بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء. - طرق التدريس هناك العديد من الطرق التي كانت مستخدمة لأخذ العلم في ذمار وغيرها من المدن اليمنية لعل من أهمها وأبرزها السماع – القراءة – الحفظ – الإملاء – المناظرة. - طريق السماع (وهي أول طريقة تعليمية وكانت تستخدم سواءً في الكتاتيب (المعلامة) أو المسجد أو المدرسة حيث كان الطالب يسمع نطق الحروف والكلمات ثم ينطقها بعد أستاذه كما سمعها منه لتصبح كلمة سماع بعد ذلك مصطلحاً يطلق على من يسمع الحديث ويقرأه فقد سمع أبو محمد عبدالله بن علي الزرقاني في ذمار على الجنيد المروزي. - طريقة القراءة وهي التي يأمر الأستاذ الطالب بقراءة ماسمعه منه حتى يتسنى له مراقبة النطق السليم للكلمات وقد يقوم الطالب بقراءة الكتاب عدة مرات. - طريقة الحفظ تعد من أهم الطرق في عملية تحصيل العلم في المدينة وغيرها لاسيما حفظ القرآن والأحاديث إذ كان الطالب يقوم بحفظ القرآن منذ السنوات الأولى لدخوله (المعلامه). - طريقة الكتابة والإملاء وهي من طرق التعليم المهمة إذ كان الطالب يتعلم طريقة الكتابة والإملاء منذ دخوله المعلامه ثم يستمر في ممارسة الكتابة بشكل أوسع في المدرسة أو المسجد. - حركة التأليف في ذمار شهدت اليمن ومنها ذمار طبعاً حركة تأليف منذ منتصف القرن الثالث الهجري وقد تزامنت مع حركة التصنيف في العالم الإسلامي بشكل عام وخاصة في العلوم الدينية واللغوية وكتابة التاريخ وغير ذلك ومع أن المصادر اليمنية لم تذكر شيء من التفصيل عن علماء ذمار في العصر الإسلامي إلا أننا استطعنا من خلال كتب التراجم أن نستعرض بعض منهم وهم: عبدالقادر بن محمد بن حسين الهراني الذماري – عمرو بن منصور بن جبر العنسي العباصري – الذماري فكان من أعلام المائة السابعة – الإمام المؤيد بالله ويحيى بن حمزه بن علي بن إبراهيم والذي إشتغل بالمعارف العلمية وهو صبي فأخذ في جميع أنواعها على أكابر علماء الديار اليمنية وتبحر في جميع العلوم وفاق أقرانه وصنف التصانيف الحافله في جميع الفنون جمع الله له بين العلم والعمل والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى توفي في منطقة ذمار ودفن فيها ومن أهم مصنفاته (الانتصار) في فروع الفقه والواقعة في ثمانية عشر مجلداً وفي(الكلام) (الشامل) في ثمانية أجزاء وفي أصول الفقه (الحاوي) وفي النحو(الأزهار الصافية شرح الكافيه) مجلدين ومن مؤلفاته في الأصول (المعالم الدينية) وقيل أن مصنفاته بلغت مائة كما قال ابن الإمام شرف الدين: لوعد تصنيفه والعمر منه أتى لكل يوم كما قالوا الكراس وهناك أيضاً الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان ولد سنة 801ه وأخذ عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى والفقيه يوسف بن أحمد وغيرهم توفي سنة 879ه بذمار وكان علامة كبيراً وحافظاً محقق ومن أهم مصنفاته كتاب الإرشاد وأوله: أجوبة مسائل ورسائل في أقوال الأئمة(وعقد عقيان من الحكم – وسمط اللآلئ في آداب الحروب والشيم و(محجة الأمان إلى معرفة حجة الزمان) و(تتمة شرح البحر الزخار) و(عقود المسجد في تعداد آل محمد).