تمتلئ براميل القمامة في ليالي الشهر الفضيل ببقايا المأكولات والإفطار المترف الزائد عن الحاجة , والذي يكون مصيره في النهاية بطون تلك البراميل لدرجة أن فضلات المأكولات تفيض على الجوانب وتلامس أرضية الشوارع, في الوقت الذي يتضور هؤلاء المحتاجون جوعاً كل ليلة وهم يجوبون الطرقات بحثاً عن البراميل الرابضة في كل زاوية. هؤلاء.. كان بإمكانهم أن يأكلوا طعاماً سليماً صحياً صالحاً لآدميتهم.. غير أن شراهة رمضان المتأصلة في ثقافتنا أبت إلا أن تذيق المحتاجين والفقراء بقاياهم المتعفنة في صورة صارخة أقل ما يمكننا أن نصفها بأنها منافية لتعاليم الإسلام, ومناقضة لمقاصد الصيام ومعانيه. على كل حال فإن هذه المناظر ليست بالجديدة أو الغريبة علينا.. فنحن نراها كل يوم تقريباً في مواقع شتى, لاتتقيد بمناطق فقيرة أو غنية, لكن وجه الغرابة قد يكون في تزايد أعداد مثل هؤلاء المحتاجين في شهر فضيل ما فرض صيامه إلا من أجل أن نستشعر ما يعانيه أمثالهم, حتى نتحمس للوقوف بجانبهم وتلمس حاجاتهم, وتحقيق غاية(التقوى) من صيامنا(لعلكم تتقون). ضف على كل ذلك أحوال الأطفال وهم يتكومون على أطراف البراميل, كما أن البحث عن الطعام ليس هو الغاية الوحيدة من هكذا اجتماع قد يكون أحياناً اجتماعاً عائلياً يحضر فيه كل أفراد العائلة بلا استثناء, فالقوارير البلاستيكية وربما بقايا الألعاب هو أيضاً ما يغري الأطفال في النبش والتنقيب في فضلات الآخرين.. صورة التقطت في ليالي الشهر الفضيل الذي ما فرض إلا ليلغي مثل هذه المظاهر, ما يؤكد أننا مازلنا بعيدين عن روح الفرائض السماوية, ولم نبرح متشبثين بقشورها ومظاهرها الزائفة التي نادراً ما تنجد مثل هؤلاء من براثن البحث عن الفضلات لسد الجوع, كما تؤكد أننا نحتاج أيضاً للنبش والتنقيب عن الآليات العملية التي تجعل منا مسلمين حقاً, وتؤكد إنسانيتنا التائهة.