قيل: بينما كان أمير المؤمنين هارون الرشيد في مجلسه, وعن يمينه ويساره الوزراء والعظماء المقربين منه وأصحاب الرأي عنده؛ دخل عليه حاجبه معلناً قدوم أبي نواس, فقال الخليفة للحاجب: دعه ينتظر قليلاً, ثم نظر إلى جلسائه وقال: هذه فرصة سانحة نضحك فيها على أبي نواس, ويجب أن أستحضر لكلٍّ منكم بيضة تخبئونها في طيّات ثيابكم, حتى إذا دخل أبو نواس, يتكلم كل واحد منكم بكلام, فيتكلم أحدكم كلمة أغضب عليكم عند سماعها, وأقول: يا لكم من ضعاف مثل الفراخ, تالله إذا لم تفعلوا مثل الدجاج ويبيض كل منكم بيضة لأقطعنّ رقابكم.. فقالوا: سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين. وعندئذٍ طلب الخليفة الحاجب وقال له: إذهب فاستحضر ستّ بيضات, ولا تدع أحدا يراك, خصوصاً أبا نواس. فخرج الحاجب وعاد منفذاً أمر الخليفة وأعطى لكلٍ من الجالسين بيضة خبأها بين طيات ثيابه. وجلسوا ينتظرون .. ودخل أبو نواس فسلم على أمير المؤمنين سلام الخلافة. وأظهر الرشيد انتباهه إلى حديث جلسائه, ونطق أحدهم بكلمةٍ غضب منها الرشيد غضباً شديداً فصاح بهم: ويحكم أيها الجبناء, إنكم مثل الدجاج, ولا أجد فرقاً بينكم وبينها.. والله.. إن لم يبض كل منكم بيضة لأقطعن رقابكم. فأظهروا الاضطراب والخوف. وأخذوا يفعلون كما تفعل الفراخ. وبعد قليل مدّ الأول منهم يده فأخرج بيضته وقال: ها هي بيضتي يا أمير المؤمنين وأعقبه الثاني حتى السادس. وكان الخليفة يقول لكل من يقدم بيضته: قد نجوت. ولمًا جاء الدور على أبي نواس وقف على قدميه ومشى حتى توسط الجميع وصار أمام الخليفة وجهاً لوجه ثم صار يقول: كاك.. كاك.. كاك كما يفعل الديك بين دجاجاته، ثم ضرب إبطيه على بعضهما, وصاح بأعلى صوته كما يفعل الديك تماما: كوكو.. كوووووو.. فقال له الخليفة: ما هذا يا أبا نواس؟! فقال: عجباً يا أمير المؤمنين.. هل رأيت دجاجات تبيض من غير ديك؟ هؤلاء دجاجاتك وأنا ديكهم.. فضحك الخليفة حتى كاد يسقط عن كرسيّه. وقال له: يا لك من خبيث ماكر, تالله لو لم تكن فعلت ذلك لعاقبتك.. ثم أمر له بهدية ومال, وهو معجب بذكائه وسرعة خاطره ونباهته.