أبو نواس يبيع طاهي الخليفة قيل: إن الرّشيد خرج يوماً إلى الصيد ومعه حاشيته وكان من بين أفراد الحاشية أبو نواس. ثم ذهب كلٌّ إلى عمله المخصّص له، وبقي في الصيوان الذي ضُرب للخليفة: طاهي الطعام وكان يدعى فرحات وأبو نواس.. ولمّا انتصف النّهار جاع أبو نواس جوعاً شديداً فأقبل على فرحات وقال: اطعمني الآن لأنني أكاد أموت من الجوع. فقال فرحات: لا أطعم أحداً حتى يعود أمير المؤمنين. فقال أبو نواس: تأكّد بأنّك إذا لم تطعمني فسأكيدّن لكّ كيداً موجعاً. فقال فرحات: افعل ما بدا لك. وكان بالقرب من الصيوان بعض الأعراب الرُّحل، فذهب إليهم أبو نواس وقال: ألا تشترون مني غلاماً عربياً إذا قال لكم: أنا حر، فلا تصدّقوه. فقالوا له: لا نصدّقه مهما قال، ونشتريه منك على عيبه بهذه الناقة. فقال أبو نواس: قبلت الثمن، بارك الله لكم فيه.. ثم ساق الناقة أمامه، والقوم خلفه، حتى وصلوا إلى حيث فرحات، فأشار لهم عليه. فتقدّم الأعراب وأمسكوه وقالوا له: يجب أن ترافقنا أيّها المبارك فقد باعك لنا مولاك.. فصاح بهم فرحات: ويلكم، أنا حرٌّ لا أباع، وهذا رجل منافق كذاب. فقال له رئيسهم: ويحك يا رديء الطبع، إن هذا الذي تقوله الآن قد حذرنا منه مولاك قبل أن نشتريك منه.. فأبى أن ينصاع لهم، فجعل أحدهم الحبل في عنقه وربطوه كما تربط الماشية وجروه بعنف، وهو يصرخ ويصيح ويقول لهم: اتركوني، إنّ هذا الخبيث الذي باعني لكم كذاب مهزار ليس له هنا أيُّ شيء.. وبينما هم كذلك، إذا بأمير المؤمنين مقبل من الصيد، فلمّا سمع الضجّة سأل عن الخبر. فأخبروه أن أبا نواس باع فرحات لبعض الأعراب، فضحك حتى كاد يسقط عن جواده، وقال: لا بارك الله في أبي نواس.