بلغة الكمبيوتر يعتبر “الفورمات” آخر حل يفكر فيه أي صاحب كمبيوتر أو أي مبرمج عندما يمتلئ الجهاز بالفيروسات أو ينضرب الويندوز أو عندما يتم اللعب ببعض البرامج أو المكونات البرمجية للجهاز.. والشيء بالشيء يذكر ففي رمضان يتمنى المسلم حذف كل السيئات والذنوب التي اقترفها طيلة السنة “ وفرمتة” الخطايا والفيروسات والبرامج لكن ثمة برنامجاً قد يعطل كل ما بناه الإنسان المسلم طيلة الشهر ويعيد عقرب الساعة إلى الوراء وكأن شيئاً لم يكن وعلى رأي المثل “ سار سعيد.. رجع سعيد.. ماغير الله على سعيد حال”.. فمع انتهاء شهر رمضان يعود المرء لبرامجه السابقة ويمسح كل الملفات الحسنة التي تم تحميلها طيلة الشهر ويحمل برامجه وملفاته السيئة وهدم كل ما بناه.. وحاله كحال المبرمج الذي حذف كل الملفات وغير جميع الإعدادات والتكوينات لكنه تناسى أن لديه برنامجاً اسمه “ديب فريز” وهذا البرنامج مهمته أنه في حالة تم تغيير الإعدادات للجهاز أو المكونات أو تم حذف أي شيء من مكوناته فإنه وبمجرد إعادة التشغيل يعود الجهاز كما كان وكأن شيئاً لم يكن.. إن حالنا في رمضان كحال هذا المستخدم الذي تناسى أن يغلق هذا البرنامج “ديب فريز” لأننا وبعد الانتهاء من الصوم نعود كما كنا قبل الصوم وندمر كل الأشياء التي أنجزناها خلال هذا الشهر المبارك إلا من رحم الله.. إن الكثير من الناس قد يقوم خلال شهر رمضان بتجميع كل ملفاته ورغباته السيئة وحفظها في قرص خاص من أقراص الجهاز ويقوم بفرمتة الجهاز باستثناء ذلك القرص الذي يحتفظ به إلى بعد رمضان ثم يعيد استخدامه وكمثال على ذلك رأيت أحد السائقين للباصات العامة في أول أيام رمضان وقد أشغل المسجلة الخاصة بالسيارة أو بالأصح ال”mp3” أو ال”mp4” وسمعت بعض الأحاديث الدينية والمحاضرات والأناشيد فسألته: كيف ومتى قمت بمسح كل تلك الأغاني التي نسمعها يومياً والتي قد تصل إلى أكثر من 1000 أغنية في ذاكرة ال”mp3”؟! فأجابني: لم أمسحها بل أخرجت الذاكرة حق شعبان وأخذت ذاكرة جديدة وحملت عليها هذه الأشياء التي تسمعها لأننا في شهر الصوم؟! وكأنه يريد أن يقول: وبعد الانتهاء من رمضان أو بعد الفطور من كل يوم سأقوم بتشغيل الذاكرة الأخرى؟ هذه حالنا جميعاً.. في رمضان.. قد نقوم بالتغيير دون أي إيعاز وقد نشعر بأننا كنا على خطأ ونحتاج إلى تصحيح الخطأ.. لكننا لا نعزم على التخلص النهائي من تلك الأخطاء والبدء بحياة أخرى لأننا أدمنا على صداقة الذنوب ولم يعد رمضان برغم فرمتته لجميع الذنوب الكبيرة والصغيرة بقادر على الاستمرار لبضعة أيام من شهر شوال.. أو بالأصح لم نعد نحن أهل لكل تلك البشارات والهدايا الربانية التي صرفت خلال هذا الشهر الكريم والتي وعدنا بها. إننا بحاجة فعلاً في كل عام لمثل هذا الشهر الكريم الذي يعتبر بمثابة الفورمات أو السرويس لجميع الذنوب والخطايا والذي نحتاجه فعلاً لتستريح أنفسنا. من عناء حمل الذنوب التي “تفيرس” أجهزتنا وحواسنا وتقل على كواهلنا وتعلق ببرامجنا وأعمالنا الحياتية اليومية. إن رمضان هدية ربانية تساوي العمر كله وهي فعلاً كذلك فقيام ليلة واحدة كفيل بحمل عبء ثلاث وثمانين سنة من أعمارنا القصيرة والملبدة بغيوم المعاصي والسيئات. إنها فرصة العام الوحيدة لكل من أدرك هذا الشهر ومازال رئتاه تخفقان وجفناه يرفان ولسانه يلهج باسم الله أن نستغل هذا الشهر الكريم ونمسح كل البرامج والملفات ونفرمتها بشكل نهائي دون الاحتفاظ بنسخة سرية ودون استخدام برنامج الديب فريز الذي يجعلنا كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ انكاثاً. اللهم فرمت ذنوبنا.. وأمسح سيئاتنا وخطايانا واحفظ اللهم أعمالنا الصالحة في هذا الشهر الكريم وبعده يا أرحم الراحمين. اللهم آمين..