من الخطأ أن يلجأ الصائمون إلى تناول كميات كبيرة وأصناف شتى من المأكولات المتنوعة وحشو معدهم بها تماماً، مضيفين إليها كميات كبيرة من المشروبات. فالمعروف طبياً أن الأكل المفرط بإدخال الطعام يشكل عبئاً ثقيلاً على جهاز الهضم ويزيد من إفراز الأحماض والعصارات الهاضمة في المعدة وبقطع هذه العادة والانصراف عنها يمكننا أن نحول دون هذا الإرباك ونحفظ للجسم صحته على الدوام ونيل الفوائد والمنافع العظيمة التي جعلها الله في الصيام. ويُعتبر الشعور بالجوع والعطش انعكاساً لحاجة أي كائن حي للغذاء والسوائل لتأدية الجسم وظائفه الحيوية التي يتطلبها لاستمراره وبقائه حياً،وبالغذاء والسوائل يتمكن الجسم من إنتاج الطاقة اللازمة في عملية التمثيل الغذائي التي تحصل في جميع خلايا أعضاء وأجزاء الجسم الحي في نسق دقيق ومنظم للغاية. بيد أن من غير اللائق للصائم أن يتحول الإحساس لديه بالجوع والعطش في النهاية إلى ما يسمى شرهاً أو نهماً، فيظهر إما بصورة غير طبيعية يكون الدافع فيه رغبة الصائم في التهام أكبر قدر من المأكولات، أو بصورة طبيعية لأسباب مرضية في الجسم تتطلب التشخيص والعلاج،لكنه عندما يظهر بصورة طبيعية وبجعله الشخص يلتهم الطعام بطريقة غير طبيعية ربما يكون فيه خروج عن الآداب والسلوكيات الحسنة، ومن الطبيعي أن يتسبب في الكثير من الأعراض، أهمها التخمة وعسر الهضم والحموضة. والصائم في شهر رمضان عندما يمتنع عن ملذات الحياة ومنها الطعام والشراب لمدة تتراوح بين(13-14ساعة)، يملك زمام التحكم الذاتي برعاية ربانية وبالصبر والالتزام بعدم تناول الطعام والشراب لتلك الساعات الطويلة ويبقى عليه أن يستمر بتحكمه الذاتي هذا في تنظيم تناول الغذاء من الإفطار وحتى الانتهاء من السحور، ليتجنب دائماً التخمة واضطراب وعسر الهضم،فلا يتناول كميات كبيرة من الأطعمة والسوائل كي لا تتمدد المعدة وتتوسع إلى حد يفوق وظيفتها الطبيعية ويدفعها إلى إفراز إنزيمات الهضم بكميات أكبر من المعتاد،فنتيجة ذلك تظهر حالة التخمة وعسر الهضم مُخلفة الكثير من الأعراض والمنغصات، منها انتفاخ البطن وما يعقبه من ميل إلى الخمول والكسل، وأحياناً يشكو المُتخمة بطنه بالطعام والشراب من مغص معوي شديد أو من التهابات فم المعدة والحموضة. وبتطور هذه الأعراض تحصل التهابات تقرحية حادة في غشاء المرئ والمعدة والاثنى عشر، وقد تنشأ قرحة هضمية تصبح مرضاً دائماً لكنها تتحسن بالمعالجة غير أن معاودة متاعب القرحة أمر وارد،..ويمكن وقوع انتكاسة القرحة في أي وقت حتى بعد المعالجة والتحسن مالم يلتزم المريض بنصائح وإرشادات الطبيب المعالج. وبما أن سوء الهضم يأتي لأسباب غير مرضية،فقد يأتي أيضاً أثناء وجود أمراض أخرى مثل داء السكري والقصور الكلوي أو الكبدي والقصور القلبي. كما أن الإقدام على تناول الطعام بلا هوادة، خاصة في وجبة الفطور- التي عادةً ما يهتم الصائمون بتنويعها وتأتي بعد جوع وعطش للانقطاع الطويل عن الطعام والشراب –قد ينشأ عنه لدى من يلتهمون أطعمة أو حلويات غير مأمونة حالة تسمم غذائي وربما زيادة حموضة المعدة من جهة، ومن جهة ثانية تفاقم حدة الالتهابات والقرحة الهضمية لدى من يعانون أمراض الجهاز الهضمي. لذا ننصح الأشخاص المصابين بحالة مرضية مزمنة أن يهتموا جيداً بالتغذية في شهر الصوم وأن يلتزموا بالنصائح والإرشادات الطبية،كعدم تناول الأطعمة والمشروبات بكميات كبيرة عند وجبتي الفطور والسحور،وتجنب العادات الغذائية غير السليمة، كالأكلات الغنية بالسكريات والدهون والمقليات،وكذا الأطعمة الغنية بالتوابل والبهارات..كذلك الابتعاد عن شرب السوائل على دفعات كبيرة، خاصة الغازية والعصائر المعلبة والشاي والقهوة. كما ننصح بالابتعاد عن الإسراف في تناول الحوامض وبمضغ الطعام جيداً، وعدم تناول المأكولات التي قد تؤدي إلى إثارة وتهييج الغشاء المبطن للمريء والمعدة. ويمكن القول : إن الكمية الزائدة من المأكولات والمشروبات وعدم الالتزام بالقواعد السليمة للوجبات كماً ونوعاً بالكيفية التي وضحناها، حتماً يؤدي إلى ابتلاع كمية كبيرة من الهواء وانحباسه ويُعرض المقدم على ذلك إلى عسر الهضم والتخمة وزيادة الوزن ويمهد لظهور حالات مرضية دائمة لا يؤمن عقباها.