من منا لا يشعر برغبة بالبكاء فيبكي حتى يشعر براحة؟ ومن منا لم يبك وزاده البكاء هما في صدره ، ودمعة تحفر مسارها على خده؟ ومن منا لم يتذكر موقفا تجمدت فيه الدموع في مآقيه؟ وهذه هي المأساة، ليس في تجمد الدموع في مآقينا نحن لأنها إن تجمدت سرعان ما تذوب، ولكن عندما يجمدها الألم والأسى في عيون المعوزين لا تذوبها إلا الأيادي البيضاء والقلوب الرحيمة. ونحن في العشر الأواخر من رمضان أطفالنا لم يعودوا سعداء بأكلات رمضان الخاصة كما كانوا في بداية الشهر الكريم، بل أصبحوا يعدون على أصابعهم ما تبقى من أيام الشهر الكريم ليلبسوا الأثواب الجديدة، وبين كل فينة وأخرى يسألون عن احتياجات العيد، يسألون عن الثوب أو البدلة الجديدة، والحذاء، والألعاب، والنظارات، والبالونات، والحدائق التي سيذهبون إليها مع أنها معروفة لهم، فهي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في تعز على وجه الخصوص ، ولكن أسئلتهم المكرورة هي من باب التحذير للآباء بألا يحاولوا التحجج بالظروف المادية في عدم إخراجهم للتنزه. في كل هذه الطموحات المباحة لأطفالنا نشاهد أطفالا آخرين ينظرون لأطفالنا والدموع متجمدة في مآقيهم ،لأن أحلامهم غير مباحة ،لأنهم لا يستطيعون أن يحلموا بثوب جديد، وبالونة يستمرون في نفخها حتى تنفجر في وجوههم، لا يستطيعون أن يحلموا بنزهة إلى حديقة مزدحمة بالأطفال فيتباهون بألعابهم أمامهم.. هناك أطفال ينظرون لأقرانهم ويتمنون فقط أن يكون لهم أب يسارعون إلى حضنه الدافئ، ولكن هيهات كيف لأب مريض بالسرطان أن يمتلك صدرا دافئا يضم أولاده، إن امتلك صدرا فهو دافئ ، ولكن بالحمى أعاذنا الله وإياكم منها. لا أكتب هذه السطور من باب التكرار، ولكن لأنني رأيت طفلة فلفت نظري جمال عينيها الذي يملؤه الانكسار، فسألت عنها لماذا هذا الانكسار والهدوء الذي يمنعها من اللعب مع الأطفال، والاستمتاع بطفولتها ، فأجابتني إحدى معارفها لأن والدها مصاب بالسرطان. السرطان ليس داءً قاتلاً للمريض فقط، إنه داء يقتل الفرحة والابتسامة في عيون الكبار والصغار، إنه يخطف الحياة ليس من المريض فقط بل من عيون محبيه، لكن إن كانت هذه الطفلة وأمثالها يشعرون بتراحم المجتمع وتآلفه هل سنراهم بهذا اليأس..؟! من ياترى يستطيع إعادة الابتسامة لمثل هؤلاء الأطفال؟ من يستطيع إذابة الدموع من عيونهم، وتحويلها إلى دموع فرح بدلاً عن الحزن الذي يسكن مآقيهم؟ لا أعتقد أنني أدعو واحدا بعينه ليمسح الدموع عن هؤلاء الأطفال، فمن أدعوهم هم مجتمع بأسره، من هذا المجتمع أياد تمنح الأطفال المال وأخرى تمنحها الحنان، فأين هم؟ أين هم ليذهبوا إلى مراكز العلاج بالسرطان وهو في تعز واحد فقط، ليمنحوا أطفال المرضى الابتسامة، ليمنحوهم كسوة العيد، ويعوضوهم عن الفرحة التي اغتالها المرض، هذه الدمعة التي سيمسحها التاجر يوما من خد طفل لابد وسيمسحها الطفل عنه في يوم لا تحضر فيه إلا الأعمال.. يوم نتمنى أن يظلنا الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. أظلوا أنفسكم بمسح دموع الأطفال ومنحهم الابتسامة.