لا يوجد إنسان يمتلك قلبا ويسمع بكاء طفل أو أنين مريض إلا ويلتفت إليه، لكن كم منا سمع أنينا صامتا أو رأى دمعة صارخة على خد وردي لم يكن يوما يعلم ما الأسى، وبين يوم وليلة أصبح لا يملك إلا ذلك اليأس القاتل في انتظار الأجل. من شاهد طفلة كانت يوما تلعب بظفائرها، واليوم تبكي شعرها المتساقط، وفمها المتقرح التي لم تعد تنعم بابتسامة شفتيها لأنه يؤلمها. من شاهد طفلة تهذي وهي تحت تأثير المخدر بأنها تمتلك شعرا طويلا ستفرده يوم العيد وأنها لن تموت. من منكم شاهد أماً تسير بقدميها إلى عيادة الأورام، ولا تعلم أن أولادها الذين يرافقونها كل يوم هم حريصون على مرافقتها، لأن مرافقتهم لها قد تضم لحظات الوداع الأخيرة، وهي لا تعلم. من منكم شاهد أبا اكتشف مرضه الخبيث، وتنازل عن جرعة العلاج لأنه يرى أن أولاده أحق منه بثمن الجرعة؟ هل شاهدتم الأسى في عيون كل هؤلاء؟ هل شعرتم بهم يوما؟ هل عرفتم كم هو مقدار مصابهم؟ وكم هي معاناتهم! لم لا تتبرعون بالقليل من أوقاتكم لتزوروا مراكز الأورام التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في بلدنا لتشعروا بمعاناة الآخرين وتقدروا نعمة الله التي أنعم بها علينا، ولا يشعر بها إلا هؤلاء المرضى؟ زوروهم لتشاهدوا دماءهم التي تجف من عروقهم يوما بعد يوم، لتشعروا كم هم بحاجة لقطرة دم تتبرعون بها إليهم! زوروهم لتهدوهم جرعة أمل بمصافحة صادقة، وابتسامة حنونة، نضخها إليهم عبر وريد الحب إلى قلوبهم! هم يحتاجون إلى جرعات من الحب والأمل والعون والدعاء، هم يحتاجون من يمسح دموعهم، ويربت على أكتافهم، ويداعب أحلامهم. لا تخاطبوا اليأس الذي تملكهم بل خاطبوا الأمل الذي يكاد يذوي في نفوسهم، لا تخاطبوا الألم فيهم بل خاطبوا بصيص الصحة الذي مازال يحافظ على بقائهم. في ذكرى يوم مكافحة السرطان الذي يصادف الرابع من فبراير من كل عام لنكن مع مرضى السرطان يدا بيد لنهدم جسور اليأس من نفوسهم، ونستبدلها بجسور الأمل، لنمسح عنهم دمعة الأسى ونزرع في شفاههم ابتسامة حياة.