المناضل علي محمد عبادي – قصة نضال عابرة لحدود زرعها الاستعمار والإمامة يستهلها من قيام الإمام أحمد بتدمير منزله في ماوية لتبدأ الحكاية.. بعدها نزحنا إلى عدن أنا والسيد محمد هاشم وعبدالله هاشم مع جميع أفراد عائلاتنا وكان ذلك عام 1961 فجلسنا في عدن والتقينا بعدد من الأحرار اليمنيين وفي مقدمتهم محمد محمود الزبيري واحمد محمد نعمان ومحسن العيني ومجاهد أبو شوارب والدماج والغفاري وعادل سريع والذين كانوا نازحين إلى عدن جراء بطش وجبروت الإمام أحمد, فقمنا بتشكيل فريق لتوزيع المنشورات التي تحرض الشعب في شمال الوطن ضد الحكم الإمامي وتنادي بضرورة القيام بالثورة فكنت أنا وعلى شويع نقوم بنقل المنشورات إلى تعز عبر المسيمير ونمشي من المسيمير حتى ماوية على الأقدام وكان هناك شخص اسمه ناصر المحجاني هارب من الإمام وجالس عندنا في قرية ماوية فكنا نوصل المنشورات إلى عنده لأنه في منشورات لنا ومنشورات لإخواننا الاخرين مثل عبدالله بن حسين الأحمر والذهب وغيرهم فيأتون ويأخذون المنشورات والرسائل حقهم ونحن نأخذ حقنا الرسائل ونسلمها إلى المناضل الشهيد السيد علي بن عبدالله البحر رحمه الله فقد كانت له مواقف شجاعة ضد الحكم الإمامي وكذا نسلمها لأمين أبو رأس والشيخ عبدالوهاب والشيخ محمد عبده فهؤلاءالأشخاص كنا نسلم لهم الرسائل والمنشورات التي نأتي بها من الأحرار في عدن والباقي نقوم بتوزيعها مرة في الراهدة ومرة في تعز وهكذا استمررنا فترة طويلة نقوم بمهمة نقل الرسائل والمنشورات من الأحرار في عدن إلى المناضلين في تعز وماوية وذات مرة تم القبض على أحد زملائنا وهو يحيي الحميري وتم اعدامه فيما نحن استمررنا في هذه المهمة الوطنية رغم خطورتها ومعنا زملاء آخرون أيضاً واصلوا العمل ومنهم عبده حسن محمد الشغدري وعلي عبدول العبدلي وتواصلت المسيرة حتى اعلان قيام ثورة 26 سبتمبر ومن ثم بادرنا للإلتحاق في صفوف المدافعين عن الثورة والجمهورية ومعنا السيد محمد هاشم وعبدالله هاشم وآخرون حيث تم منح رتبة عميد للسيد محمد هاشم ورتبة مقدم للسيد عبدالله هاشم اللذين تقدما المجاميع للدفاع عن ثورة سبتمبر حتى عام 1965 وكلفت أنا عند قيام الثورة ومعي آخرون بعملية التوعية والتحريض للشباب في مستعمرة عدن حينها وحثهم على الإلتحاق في صفوف المدافعين عن ثورة سبتمبر ولبى النداء مجموعة كبيرة من الشباب ومنهم المناضل عبدالرقيب عبدالوهاب الذي رافقني إلى شمال الوطن ومعه مجموعة من الشباب وكانت أول دفعة تلتحق في صفوف المناضلين المدافعين عن الثورة والجمهورية وكانت تلك المجموعة من مختلف المناطق منهم من شرعب ومنهم من العدين وغيرها من المناطق الجنويبة والشمالية، فالقضية اليمنية واحدة والثورة واحدة وكان هدف المناضلين هدفاً واحداً وهو التحرر من الحكم الإمامي في شمال الوطن والتحرر من هيمنة المستعمر في جنوبه وصولاً للهدف السامي والكبير وهو يوم الوحدة. ويواصل المناضل علي محمد عبادي: عندما طلعت إلى شمال الوطن كانت عائلتي جميعهم لايزالون في عدن وفي عام 1965م التقيت بالمناضل سالم ربيع علي في تعز وقلت له: أنا أريد العودة إلى عدن بعد ان هدأت الأوضاع في الشمال وكان سالمين رجلاً ولاكل الرجال (رحمه الله) فقال لي: عندما تصل إلى عدن تعال لي إلى قصر المنصورة أو إلى أستوديو المنصورة ستجدني هناك وعندما عدت إلى عدن ذهبت إلى قصر المنصورة ولم أجده في البداية ثم عدت مرة أخرى فوجدته في المطعم تحت قصر المنصورة فاستقبلني بكل ترحاب وسألني اين اسكن ثم قام بأخذي بسيارته إلى المنزل الذي اسكن فيه وقال لي أي خدمة أنا مستعد فشكرته ثم قال لي: أجلس هنا وسوف آتي اليك, وبعد ذلك ذهبت أنا إلى مقهى أسوان في المنصورة ووجدت أحمد عبده سعيد وهو قاعد مع شخصين آخرين وكانوا يتحدثون حديثاً ساخناً غير مسموع للآخرين وأنا مركز عليهم بنظراتي فقال لي أحمد عبده سعيد: مالك تتفرج علينا فقلت له أنا أريد الإلتحاق معكم ولم أكن أعرف في أي عمل هم فقال فين تلتحق معانا, قلت له بس اريد التحق معكم معكم أنتم اصحاب الجبهة قال باستغراب من هم أصحاب الجبهة عيب عليك روح لك بعد حالك, وكررت طلبي له في اليوم الثاني ولم يوافق ثم عدت اليه فاليوم الثالث وكررت طلبي له فقال لي: مالك هل وصاك أحمد علينا تتبع أخبارنا فقلت لا والله وإنما أنا أريد الإلتحاق معكم في الجبهة فقال ما أدراك إننا في الجبهة قلت: له أنا عرفت فقال من أين عرفت قلت هكذا عرفت من نفسي, فقال لي: طيب أيش من جبهة تريد الجبهة القومية أم جبهة التحرير قلت له: أريد الجبهة التي هي مليح والتي هي مناضلة بصحيح ولم أكن أعرف في أي جبهة هو فقال لي خلاص سنلحقك معنا في جبهة التحرير وقام بأخذي إلى أحد الأماكن وقام بتسليمي قنبلة يدوية وقال: أريدك أن تقوم برمي هذه القنبلة على جنود الانجليز وتعيد لي (الخرسة) فقلت: حاضر فذهبت إلى شارع السجن بالمنصورة وترصدت لسيارة بريطانية نوع (r.c) محملة بالجنود كانت ماره في الشارع فاحتميت في احدى الزوايا واستجمعت قوتي وشجاعتي ورميت القنبلة على السيارة وهربت بسرعة فائقة خوفاً من أن يقنصني أحد الجنود من أي مكان وأنا ممسكاً بالخرسة أو بالحلقة حق القنبلة ولم أدر هل كانت الرمية موفقة 100% أو أنها أخطأت الهدف نظراً لفزعي باعتبارها أول عملية أقوم بها من هذا النوع في عدن, ولكن أخبرني بعد العملية أحد الرفاق وهو ناصر راوح الذي قال لي: ان عدداً من الجنود أصيبوا بشظايا القنبلة بعضهم في ظهره وبعضهم في رأسه وأنهم شوهدوا والدماء تنزف من أجسادهم فعرفت ان القنبلة لم تقع في وسط الجنود كما كنت أريد وانما انفجرت في أحد اركان السيارة لانه لو كانت انفجرت في وسطهم لقتلت عدداً منهم وجرحت الاخرين فتأسفت ولكن قلت هذا أول درس أتعلمه وهي أول عملية قمت بها وكانت مجرد اختبار لشجاعتي واقدامي على التضحية من قبل الجبهة التي سأنتمي اليها, وهكذا واصلت نضالي في اطار جبهة التحرير, وقبل الحرب الأهلية جاءت قوة بريطانية وقامت بقصف منزلي في المنصورة بواسطة رشاش متوسط قصفوه قصفاً مكثفاً وعنيفاً من مختلف واجهات المنزل فحولوها كالمنخل وبفضل الله لم يكن أحد في المنزل وعرفت بعدها أن الأمر كان مقصوداً وكانت هناك وشاية بأن هذا المنزل هو لأحد أعضاء جبهة التحرير فقمت فوراً بأخذ سيارتي وعليها أفراد أسرتي وأخذت رسالة من هاشم عمر وخالد المفلحي بعدم اعتراضي في الراهدة أو أي مكان في شمال الوطن وسافرت بعائلتي وعدت إلى عدن وبعد ذلك حدثت الحرب الأهلية بين الرفاق في الجبهة القومية وجبهة التحرير وقامت عناصر الجبهة القومية بقصف منزلي بالقذائف ودمروه بالكلية وقتلت فتاة في المنزل المجاور وأصيبت أخرى اصابة بليغة وأصيب آخرون بشظايا متعددة فهربت إلى شمال الوطن النداء الموجه من القاهرة من المكاوي مناشدين مناضلي جبهة التحرير بالتوجه إلى الشمال للمساعدة في دحر حصار صنعاء (حصار السبعين) فأنا غادرت أولاً إلى قريتي في ماوية وعندما وصلت القرية وطمأنت والدي ووالدتي أرسلت شخصاً من زملائي المناضلين اسمه حسن دائل وقلت له: أذهب إلى تعز وكلّم سالم يسلم إحد قادتنا في الجبهة وأخبره إذا كان يريدنا يرسل لي بسلاح ومصروف وسوف التحق بهم في تعز لان رفاقنا الفدائيين كانوا قد تجمعوا في تعز استعداداً لفك حصار صنعاء من ناحية معبر ونقيل يسلح فذهب وعاد لي ببندقية ومصروف ودخلت تعز وجلسنا حوالي اسبوع وانتقلنا إلى الحوبان وقمت بتدريب زملائي ثم أتوا وأخذونا وتقدمنا إلى معبر في الطريق إلى نقيل يسلح ووصلنا معبر ليلاً وهناك سلموا لنا من بندقية شيكي و50 طلقة وكنت أنا قد طلعت ومعي سلاحي آلي أبو عطفه ومسدس أمريكي وضعتهم في الحقيبة الموضوعة في سيارة النقل التي أوصلتنا إلى معبر وعندما تقدمنا إلى قاع جهران تم القصف علينا بقذائف المدفعية فقفزنا من فوق السيارات وواصلنا السير بالأقدام متفرقين لتفادي الاصابات جراء القصف بينما هرب السائقون بسياراتهم عائدين إلى الخلف وعليها أغراضنا ومنها بندقيتي الآلية ومسدسي ووصلنا إلى أعلى نقيل يسلح ليلاً وتمركزنا هناك, وأذكر من زملائي في جبهة التحرير الذين شاركوا في هذه العملية وهم أحمد عبده سعيد – بجاش علي محمد الظرافي – محمد عبده الحاج – نصر صالح بن صالح جوهر – محمد عبده مرشد - أحمد الجعشاني – علي محمد باضريس – أحمد عبدالله الحيك – عبدالله سالم النزاع – محمد عبدالله العزاني – حسن دائل – رفيق سالم ابراهيم – علي بن علي البوري – ناصر باسويد – محمد عبدالعزيز – أحمد حسن غالب البحر.. واستشهد في تلك العملية الزملاء: سالم الهارش – هاشم عمر – نصر بن سيف – محمد بن فريد -ومحمد عبدالله الحاج البصير, رحمهم الله رحمة الأبرار, وهؤلاء الذين أعرفهم من المشاركين وممن أستشهدوا لأنهم من نفس تنظيمنا بينما هناك الكثير ممن شاركوا واستشهد الكثير منهم قدموا من مناطق اخرى غير عدن, من ردفان ومن الصبيحة مع علي بن علي وأصحاب ردفان جاءوا مع بليل لبوزه, وبعد تمركزنا في قمة يسلح تقدمنا صباحاً على طريق خدار جابوا لنا دبابة واحدة فواجهتنا القوى الملكية بالقصف بالقذائف المدفعية واستمررنا بالمعركة حتى المساء وأحرزنا تقدماً نحو خدار وهناك التقينا بالشيخ سنان أبو لحوم فقال: احذروا أنتم (مبيوعين بمعنى أن هناك مؤامرة علينا فقلت له: قد نحن في الوسط, وفي الليل اشتد القصف علينا من مختلف المناطق المجاورة وعانينا من نقص شديد في الذخيرة والغذاء فكان اصحاب القرية يبيعون لنا الشربة الماء بريال والحبة التمر بريال وكان حينها الريال له قيمة كبيرة, وفي الليل انسحبنا إلى معبر ونحن في حالة من التعب والإرهاق والجوع بعد ان فقدنا أعز وأغلى الرجال, ولكن في سبيل حرية الوطن وكرامته كل شيء يهون.. والمطلوب من قيادتنا السياسية العناية بالمناضلين الحقيقيين تقديراً لما قدموه لوطنهم من تضحيات..