استعرض أكاديميون وباحثون في ندوة فكرية أمس بصنعاء نماذج من مراحل النضال الذي شهده الوطن اليمني في مشوار تحرره من مخلفات الحكم الإمامي البائد والاحتلال البريطاني البغيض. وأكد الأكاديميون المشاركون في الندوة بعنوان “انتماء ووفاء للثورة والوحدة والشهداء” التي نظمتها أمانة العاصمة أمس عظم التضحيات التي قدمها أبناء اليمن حتى تحقق للوطن ما بات ينعم به من حرية واستقلال في ظل منجزه التاريخي والحضاري الوحدة اليمنية التي طالما كانت حلماً تغنى به جميع أبناء الشعب وأكدت عليها أهداف الثورة الخالدة. وفي افتتاح الندوة أشار المستشار الثقافي لفخامة رئيس الجمهورية الدكتور عبدالعزيز المقالح إلى الأجواء الديمقراطية التي بات ينعم بها اليمن والتي جاءت كثمرة من ثمار الثورة المباركة التي أنهت عهوداً من الحكم الكهنوتي المستبد والاحتلال الأجنبي لجزء غالٍ من الوطن. وذكر أن هذه الندوة التي تأتي في إطار الاحتفالات بأعياد الثورة اليمنية تهدف إلى إلقاء الضوء على أكبر مكاسب هذا الوطن المتمثلة في التحرر من الاحتلال والاستبداد وإعادة الوحدة التي وجدت مرتبطة بالديمقراطية والتعددية. وأكد المستشار الثقافي - رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني - أن كل المكتسبات الوطنية التي حققتها اليمن لن تدوم في غياب الولاء الوطني وشعور الانتماء إلى اليمن كوطن لجميع أبنائه الذي بدونه يعود الوطن وأبناؤه إلى ما هو أسوأ مما كانوا عليه قبل الثورة. وقال الدكتور عبد العزيز المقالح: ينبغي في مثل هذه المواقف أن نصارح أنفسنا وأن نتحدث بشجاعة عن الضمور الذي لحق بالولاء الوطني وعن الأصوات النشاز التي ارتفعت في الآونة الأخيرة متعمدة العمل على تشويه صورة الوطن والإساءة إلى وحدته والعبث بحالة الاستقرار وقيم الوطنية. ورأى أنه وصل الحال بالبعض ممن وصفهم المقالح ب”التافهين” كداعين إلى الانفصال وتفتيت وحدة الوطن والادعاء بأنهم غير يمنيين. وأكد أن هذا الإدعاء من قبلهم صحيح؛ كون الذي يدعو إلى تقسيم اليمن من المؤكد أنه غير يمني وباعترافه هو, ولو كان يمنياً لما تخلى عن ولائه لوطنه ولما قادته أهواؤه ومشاعره التافهة إلى الانزلاق إلى هذا الحضيض. وتابع: من تحصيل الحاصل القول بأنه لا يوجد بلد في عالم اليوم يخلو من اختلاف وجهات النظر بين أبنائه حول كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنه اختلاف محكوم بالولاء الوطني الخالص والثابت للوطن. وشدد على أنه يستحيل أن تتحول الاختلافات أو الخلافات إلى مواقف أو أعمال تتنافى مع المبادئ الأساسية ومنها وحدة الوطن أو تهدف إلى تقسيمه أو العمل على احتلال أجزاء منه لإقامة دويلات ناتئة وشاذة كتلك التي كانت في الماضي. وقال الدكتور المقالح: يبدو في هذا الصدد أن بعض من ينساقون في هذا التيار الهدام ينطلقون من مخلفات ماضي عصور الانحطاط، ماضي تقسيم هذا الوطن إلى مشيخات وسلطنات وإمامات وفي اعتقادهم أنهم قادرون على إعادة تلك التجزئة المشينة إلى وطن استعاد بعد تضحيات جسيمة وحدته وسيجها بمفاهيم والتزامات المواطنة الصحيحة والتعددية والديمقراطية. وذهب المقالح إلى أن الذين تخلوا عن ولائهم للوطن الواحد لا يتحركون من ذات أنفسهم وإنما تحركهم قوى صارت معلومة ومعروفة لدى كل مواطن شريف. ووصف تلك القوى ب (قوى حاقدة ترى من مصلحتها الآنية أن تعيش اليمن في حالة من الارتباك والفوضى غير مدركة أن إشعال الصراعات داخل هذه الوطن لن يعود عليها في القريب والبعيد إلا بأسوأ الخسارات وأفظعها..فيما أوضح رئيس لجنة الشئون الاجتماعية للمجلس المحلي بأمانة العاصمة حمود النقيب، ومدير عام مكتب الثقافة بالأمانة نجاة باحكيم أن الندوة ركزت على جملة من المحاور كفيلة بإعداد الخطط الرامية إلى تعزيز الولاء والهوية الوطنية في نفوس الشباب والنشء وتحصينهم من الأفكار الهدامة ومخاطر التطرف والانحراف. وقالا: إن اليمن ينعم اليوم بأمن وسلام وسكينة في جميع ربوعه في ظل قيادة سياسية حكيمة وما تلك الشائعات التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام إلا تشويه صورة الوطن وتهدف إلى جر الشباب للانزلاق في أعمال تسيء إلى الوطن ولا تخدم إلا أعداءه والمتربصين به..وناقشت الندوة التي أدار جلساتها الباحث قادري أحمد حيدر خمس أوراق العمل تناولت الورقة الأولى المقدمة من أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة صنعاء الدكتور عبدالله معمر بعنوان “قضايا أولية الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء” ثلاث قضايا مترابطة حيث تناولت القضية الأولى “التناقضات لا تعزز الهوية” فيما كانت القضية الثانية حول تقدير الإبداع ونموذج القدرة، بينما القضية الثالثة حول “الوحدة وتعزيز الانتماء”. كما استعرض عميد كلية الآداب بجامعة الأندلس الدكتور عبدالله بكير ورقة عمل بعنوان “دور الجامعات في تعزيز الولاء لدى الشباب” أكد فيها أن رسالة دور العلم ومؤسساته تكمن فيما تقدمه من زاد علمي وفكري وثقافي للفرد والمجتمع بهدف رفع مستوى الكفاءة العلمية على أسس أكاديمية وتأهيل الشباب وتحصينهم ليحلوا بجدارة في العلمية البناء والتنمية . وأشار الدكتور بكير إلى الدور المنوط بالجامعة من الأهمية بمكان بحيث يصبح محط اهتمام قيادات الدول ومجتمعاتهم وبالتالي تمثل الخطوة الأولى في المسار الصحيح واللبنة الأساسية في البناء الأكاديمي. ونوه بأن تعزيز وتعميق هذه المفاهيم الوطنية لدى الشباب قد لا تؤتي ثمارها وأكلها إذا اقتصرت على الجانب النظري فقط وعلية فإن مشاركة الشباب وإسهاماتهم في فعاليات علمية ونشاطات مبرمجة ستعمق هذه المفاهيم وتنمي لديهم قضية الانتماء الوطني والشعور بالمسؤولية. كما تطرق رئيس لجنة الشئون الاجتماعية بالأمانة حمود النقيب في ورقته إلى دور أمانة العاصمة في تعزيز الولاء والانتماء وتنشئة الأجيال، وأكد النقيب أن السلطة المحلية بأمانة العاصمة لا تنفك جاهدة بتوسيع الأنشطة والفعاليات والذي تم رصد نفقات من موازنتها لتلبية طموحات الشباب وغرس مفاهيم ومبادىء الولاء الوطني لديهم. ورأى النقيب أنه إذا ما ترسخ هذه المبدأ في قلوب الشباب فلن يكون هناك تطرف أو غلو أو انحراف أو فساد بل العكس من ذلك سيكون هناك صنع لمستقبل زاهر وحضارة نضاهي بها الأمم ووطن موحد خالٍ من الأحقاد والأمراض . كما استعرضت عضو لجنة الحقوق والحريات بمجلس الشورى منى باشراحيل ورقة عمل بعنوان “رحلة نضال في ظل اليمن الموحد” عن تجربتها المعايشة لأحداث النضال لثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر ونظرة مقارنة لنضال المرأة اليمنية مع أخيها الرجل في تفجير الثورتين المباركتين. واختتمت الندوة بورقة عمل مقدمة من أحد أبناء المناضلين والشهداء بعنوان “تحية وامتنان لأسر وأبناء الشهداء” قدمها ابن الشهيد جاد حمود صلاح جابر، أشار فيها إلى أنموذج حي من الشهداء الأبرار الذين قدموا دماءهم رخيصة في سبيل هذه الوطن وأمنه واستقراره، حيث أوجز جابر عن سيرة الشهيد المناضل.. مستذكراً بعض مساعيه منذ النشأة حتى استشهاده..حضر الندوة رئيس لجنة الاحتفالات بأمانة العاصمة عبدالله عبيد، وعدد من الأكاديميين بجامعة صنعاء والجامعات اليمنية.