في كل عصر تكون هناك نوعية من المبدعين نستطيع ان نطلق عليهم مبدعين في طي النسيان هؤلاء المبدعون يكون بينهم طفرات ونوعيات ومعجزات ايضاً بحيث يكونون في المجمل شديدي التفوق ويكون سبب نسيانهم سبباً سياسياً أو اجتماعياً أو أحيانا يكون نسيانهم عن غير قصد لكن ايضا غباء بعضهم في تقديم نفسه للمناخ الفني قد يدعم هذا النسيان بشكل كبير.على اية حال هناك ايضا فنانون عالميون كان موتهم أهم خطوة في حياتهم نحو الشهرة والانتشار مثل مودوليانني وهناك من اكتشفوا بالصدفة بعد موتهم بعشرات السنين لكن الأسوأ حظا هم من لم تصل إليهم يد الشهرة بالمرة على الرغم من أن أعمالهم كثيرة وعظيمة من بينهم فنان سوف يكون موضوعنا اليوم ونحب ان نعرف القارىء الكريم أنه قد يرى لوحاته عرضا في اماكن كثيرة في لوحات اعلانية احيانا أو في خلفيات تنسيقية أو في التلفزيون احيانا لكن المؤسف أن معظم مستخدميها لا يعرفون من قام بهذه اللوحات العظيمة، بطلنا اليوم هو الفنان الكبير الذي تم تجاهله وهو ميكيلي كانسوني الفنان الايطالي الذي عاش في سيينا ثم بولونيا في اواخر القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر وكان شعلة نشاط دؤوبة لا تكل العمل في عدة مشروعات فنية في وقت واحد اهمها على الاطلاق الجداريات التي كانت تزين كنيسة سان بيير مادجوري بالقرب من سيينا والتي تهاوت معظمها اثناء الحرب العالمية الثانية وايضا مجموعة من اللوحات الجدارية للقصر الريفي للقائد الأيطالي لويجي دورينا الواقع في جنوب مقاطعة بولونيا وهذه اللوحات ايضا اخفق المتخصصون في ترميمها في محاولة عام 1914 لكن نجح بعد ذلك فريق من الخبراء الألمان في إعادة بعض ملامح الجدارية القديمة. ولد ميكيلي كانسوني لأب إيطالي ذي أصول بلجيكية في 4 نوفمبر 1686 في سيينا وكانت والدته إيطالية من فنيتسيا كان روبرتو كانسوني والد ميكيلي يعمل في تسجيل العقود تلك المهنة التي كانت لها مكانة مرموقة في المجتمعات الأوروبية في هذا الوقت تعلم ميكيلي في طفولته في مدرسة تابعة لكنيسة سانتا كروتشي في سيينا ثم ظهرت موهبته في سن العاشرة حيث بدأ في رسم أصدقائه وكانت حرفيته وموهبته تظهر في انه استشف الملامح النفسية وخلطها بملامح الوجه فجاءت الصورة مطابقة للواقع من هنا أرسله والده لمحرف ماركو بانتيني الرسام والنحات الشهير وهناك قضى ميكيلي فترة يفاعته الأولى والتي يختتمها بعمل جداريته الشهيرة بكنيسة سان بيير مادجيوري. ثم ينتقل ميكيلي الى بولونيا ليفتتح محرفا خاصا به بعد أن مات أخوه الأكبر ريكاردو والحقيقة أن تاريخ اسره ميكيلي كانسوني في هذه الفترة غير معروف لأن والده مات ايضا في نفس السنة وتؤكد معظم المصادر ان والده مات في محبسه لأنه رفض ان يسجل عقد ميراث لأحد الأسر الكبرى لعدم شرعيته كما ان والدة ميكيلي عادت إلى فينتسيا بدون سبب حتى ظهرت مره اخرى في حياته عندما هاجمه المرض عام 1833. تميزت أعمال ميكيلي كانسوني بأنها استشرفت بجدارة فجر المدارس الجديدة التي كانت على وشك الظهور في اوروبا كنتاج للثورة الصناعية وعصر الثورات الشهير مثل الرومانسية والكلاسيكية الجديدة فنجد أن لوحاته تجمع بين كلاسيكية الباروك ورمانسية باريس احيانا ونجدها متنوعة ومتعددة في موضوعاتها وفي شخوصها فنشعر اننا لا نتعامل مع فنان واحد بل نتعامل مع عدة فنانين في آن واحد وهذا التنوع قد يكون عينه أحد اسباب نسيان ميكيلي وخصوصا أنه لم يكن يهتم كثيرا بتوقيع بعض لوحاته وكانت توقيعاته مختلفة مما يشي بأنه لم يكترث بهذه الفكرة اساسا كنوع من انكار الذاتية. كما أننا كثيرا ما نجد بعض سمات الروكوكو وهو العصر الذي عاشه ميكيلي نجد بعض سماته في عدة لوحات لكن ايضا يغلب على لوحاته تلك النظرة الاستشرافية التي ذكرناها كما نجده أكثر ميلا لسمات الباروك منه للروكوكو وأهم الأمثلة على ذلك لوحته الشهيرة الرسالة الحزينة والتي نسبت خطأ للنمساوي ماكاردي حيث دار بصددها جدل كبير لمدة قرن كامل خلص في نهايته أن ماكردي هو الذي أتم رتوشها الأخيرة بعد وفاة ميكيلي كانسوني عام 1841. وتتميز هذه اللوحة بحس عال ورقي فهي لامرأة تلقت للتو رسالة حزينة قد تكون عن زوجها في الميدان وهي تبدأ في البكاء وبين يديها رضيعها الذي يضيف للوحة روعة فوق روعتها ولقد انتقلت اللوحة من جاليري في فلورنسا إلى النمسا حيث اشتراها ماكردي وهي شبه كاملة لكنها كان بها بعض الرتوش غير الكاملة فأكملها ووقعها باسمه والواقعة غير مؤكدة وهذا في صالح ميكيلي بالطبع. ونجد تنوع ابداع ميكيلي في كثير من اعماله مثل لوحته الشهيرة سانت كاترينا الموجودة في سيينا هي تتميز بأنها جمعت أسلوب أكثر من فنان حيث تجد فيها عشرات الأساليب والتقنيات. توفي ميكيلي اثر اصابته بداء في عضلاته كان يقعده عن العمل اسابيع ثم تطور الداء ليصيب أشد العضلات حساسية مثل جفون العين مثلا من هنا لحقت به والدته عام 1838 في بولونيا وظلت ترعاه حتى مات في عام 1841 فقيرا معدما لدرجة انه كان يقوم ببعض الاعمال في فترات شفائه ويبيعها لبعض المدلسين ليقوموا بتوقيعها واعادة بيعها بأسمائهم. الحقيقة ان مشاكل ميكيلي كانسوني مع السلطة السياسية والدينية هي أحد اسباب تجاهله المتعمد لأن كانسوني في منتصف حياته تحول من الكاثوليكية إلى البروتوستانتية وهي الطائفة التي تنكر لاهوت المسيح بحسب زعم الأرثوذكس والكاثوليك وتعتبره نبيا مرسلا فقط أرسل برسالة للبشرية. من هنا تعقبته السلطات دائما بكل ريبه وأعلن البابا حرمانه كنسيا كما فعل مع العديد من الفنانين الذين كانوا ضده أي حرم من دخول كنائس ايطاليا أجمع وتقول بعض الآراء ان هذا هو سبب التدمير المتعمد لجدارياته في كنائس سيينا ورافنا وبولونيا، على اية حال لم تقم له مراسم دفن في كنيسة واضطرت والدته لأن تقوم بدفنه في مقابر الفقراء في رافنا.