إن الإبداع على تنوعه وتعدد مجالاته ومساحاته وصوره وأشكاله حصيلة جهد بشري وتفانٍ كبير في العمل والصبر والمصابرة على متاعب الحياة وظروفها وقسوتها وحاجاتها التي لا تنتهي، نسيان الذات والانصهار في حب الحقيقة والوطن معاً. لذلك فإن المجتمعات الإنسانية على اختلاف دياناتها وحضاراتها وثقافاتها تترجم احترامها وتقديرها واهتمامها بالمبدعين بصور تتناسب والدور الكبير والمكانة المرموقة في نظر الدولة والمجتمع لهم. كما أنها تُعلي من شأنهم وتحقق أمنهم النفسي والأسري والاجتماعي والمعيشي بما يدفعهم إلى المزيد من الإبداع والتميز، وصل ببعض المجتمعات أن آثروهم في كثير من الخدمات والتسهيلات لمعرفتهم بأن هذه الشريحة من أبناء المجتمع هم الجانب الحي الذي يجسد حيوية ونمو المجتمع وصورته المشرقة. كما أن هذه الشريحة تنشغل بالإبداعات والإضافات الإنسانية والحضارية الخلاقة المشرفة عن ذاتها وأسرها ومتطلبات حياتها. المبدعون هم صمام أمان الإنسانية وسلّم النجاح وعنوان التطور والنهوض، بجهودهم يكتبون التاريخ الناصع لمجتمعاتهم، وبأعمالهم العظيمة يحفرون أسماء أوطانهم وأمجاد وفتوحات شعوبهم في جدارية التميز والتفوق والنبوغ الإنساني والحضاري. من العيب جداً في بلد الإيمان والحكمة أن يعيش المبدعون في مجتمعهم غرباء ويموتون غرباء، لا يأبه لهم أحد، كأنهم أشباح من كوكب آخر، نتجاهلهم إلى الحد الذي يوحي بالتخلف المزمن فينا، في الوقت الذي نتباكى ليل نهار على حالنا الذي لا يسر عدواً. نذرع الحياة بالطول والعرض لنعرف الأسباب التي تقف خلف تدهور أحوالنا وضعف ثقافتنا وتأثيرنا وأفول الإبداع والمبدعين، تناقض مفجع بين السلوك والأمنيات. اليوم في مجتمعنا اليمني أصبح الإبداع غريباً، والمبدعون أغرب من الغرباء لماذا؟ لا ندري!!.. مؤسساتنا الرسمية والاجتماعية تعمل في الاتجاه المضاد للإبداع وتنمية وتشجيع مواهب ونبوغ وتميز المبدعين. حوّلنا الإبداع والمبدعين إلى قوالب جامدة مصطنعة؛ مرة باسم السياسة، وأخرى باسم الحزب، وأخرى باسم القبيلة أو الشلة أو المنطقة، فوق هذا وذاك نقول ونزايد في مؤسساتنا بأننا ندعم الإبداع ونهتم بالمبدعين، وفي الحقيقة والواقع ليست أكثر من أحلام من ورق!!. المبدعون في بلادنا على كثرتهم وتنوعهم وتميزهم يعيشون غرباء، يموتون غرباء، إلا من رحم الله وطالته دعوات الوالدين، إنهم كالأشجار تعطي الثمار والظلال والجمال والبيئة النظيفة بسخاء وصمت، وعند الرحيل تموت واقفة تطاول فروعها عنان السماء كبرياء وأنفة. لم نجد يوماً أن مجتمعنا على اختلاف شرائحه من رجال المال والأعمال والخير والسياسة والعامة قد أقرّوا بنبوغ مبدع أو أعلوا من شأن ومكانة نابغة أو فنان أو مفكر أو كاتب أو صاحب رأي أو معلم أو مصلح اجتماعي وأعطوه حقه من التكريم والحفاوة في حياته قبل مماته، وفي قوته قبل ضعفه، وفي صحته قبل مرضه. لو سألت أحداً من قراء أو مثقفي تعز العاصمة الثقافية لليمن عن أي من المبدعين – على كثرتهم – من أبناء هذه المحافظة لأعارك الصمت؛ وتحول تلقائياً إلى الغثاء السياسي وطبقات المتنفذين وفتوحاتهم التي ما خلفت في مجتمعنا اليمني غير الأنين وأكوام المظالم وطابور طويل من المسحوقين والضعفاء، واستهتار بلا حدود بالنظام والقانون والدولة وسعيهم الحثيث لإحالة الإبداع والمبدعين إلى أشباح وقطع من ورق وبقايا وطن وقائمة طويلة من المنسيين!!. الفنان المبدع المرحوم عادل العريقي كانت الكاميرا بالنسبة له رسالة إبداع وريشة فنان وقلم كاتب وكلمات شاعر حزين ومتفائل معاً. الصورة في مفهومه رسالة عاش لها وبها، خاطب من خلالها الوعي الاجتماعي والحس الفني والجدار الإنساني، نعم لم يغب عن وعيه ولمساته الفنية وزواياه المتميزة المعاناة اليومية للمواطن البسيط وهمومه ومنغصاته. تستغرب لهذا الصمت والتناسي والتجاهل المفجع تجاه هذا المبدع الفنان من قبل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والبيوت التجارية ورجال الخير!!. هل هذا مبدأ قائم تجاه المبدعين من أبناء محافظة تعز، لا أحد يأبه لهم أو يحس بمعاناتهم أو يمد يد المودة والمحبة والعون لهم، لماذا؟! لا ندري!!. الخيرون في هذه المدينة كثر، والبيوت التجارية بلا عدد، لكن الأمر إذا كان متصلاً بأحد المبدعين من أبناء هذه المحافظة يصبح الأمر فيه نظر ويحتاج لمن يتوسط ويزكي ويوصل ويتواصل!!. قد يحن قلب صاحب الخير أو يقسو، عقبات لا تنم عن خير ولا عن خيرين، إذا غدا الخير محتاجاً للوساطة والمحسوبية ليكون خيراً، ويعرف المحتاجين والمبدعين فليس بخير بل هو شيء آخر. كنت أعتقد أن أولئك الذين أشهرتهم اجتماعياً ورسمياً كاميرا الراحل عادل العريقي وصنعت منهم قامات وأسماء على اختلاف مواقعهم وأبراجهم سيجد المبدع لديهم وبهم الوفاء والنجدة والشعور الإنساني؛ لكن ذلك لم يكن. آمنت بأن المبدع في بلادنا يعيش غريباً ويموت غريباً (فطوبى للغرباء).. رحم الله المبدع الإنسان عادل العريقي، ورحمة الله مقدماً على كل المبدعين!!.