متحفزاً يقف أمين الحقوق والحريات في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الأديب علوان مهدي الجيلاني في مواجهة سوء أحوال المبدعين والمثقفين، تختفي صورة الاتحاد من أذهاننا لفترات طويلة لشح نشاطه وتعيدها مناشدات الجيلاني عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أو عبر الصحف لإنقاذ مبدعين أدباء ومثقفين يعانون أمراضا ويحتاجون لحقهم في "عناية خاصة" من "أمتهم". المبدعون الأكثر تأثرا كلما ساءت أحوال البلاد يقول الجيلاني، وأصبحت معاناتهم مع أمراض الكبد والسرطان والقلب وحالات الجنون والانتحار "ظاهرة" تخصهم كفئة.
في الحوار التالي مع المصدر أونلاين يفسر لنا الجيلاني دائرة المعاناة التي يجد المبدعون والمثقفون أنفسهم فيها، تتداعى عليهم الأمراض والحكومة بمسؤوليها الذين لا يحترمون اتحادهم.
حاوره: محمد الشلفي - زادت مناشدات الاتحاد للجهات الحكومية لإغاثة كتاب وأدباء على فراش المرض إلى ماذا تعيد ذلك ؟ سأتكلم بصراحة ووضوح ,اتحمل مسؤولية ما أكتب. يظهر أن المبدعين والمثقفين هم الفئة الأكثر تأثرا كلما ساءت الاحوال في البلاد.. قد لايكون ذلك ثابتا علميا..وقد يعده البعض مجرد كلام يلقى على عواهنه، لكن مر بنا ظرفان كانا هما الأكثر إيلاما للكتاب والمبدعين أمراضا وموتا.
الظرف الاول امتد من 1994 إلى 1997 وكان نتيجة لما شهده الوطن إبان ذاك من أزمة وحرب، وقد عانى المبدعون وقتها من امراض الكبد والسرطان والقلب ناهيك عن حالات الجنون والانتحار ومات من مات منهم وبقي من بقي يعايش مرضه - طبعا الأعمار بيد الله - لكن عندما يتحول الأمر إلى ظاهرة تخص فئة قد لا يتجاوز عددها المئات فهذا يلفت النظر ويدعو إلى التأمل، لقد فقدنا في تلك الفترة مبدعين في عز شبابهم مثل نبيل السروري، عادل البروي، أحمد شاجع، عبد الرحمن الحجري، خالد المتوكل، توفيق الزكري وهؤلاء مجرد مثال وقد كانوا جميعا تحت سن الأربعين، أما الذين كانوا فوق الأربعين أو فوق الخمسين فقد كانوا أكثر من هذا العدد..ناهيك عمن كنا نعد موتهم نوعا من استيفاء الأجل رغم أنهم لم يكونوا قد شاخوا وعلى رأس هؤلاء قامات كاالجاوي والربادي.
اما الظرف الثاني فقد بدأ عام 2011 وقد دشنه من قلب ساحة التغيير المبدع الثائر محمد الجبلي- رحمه الله- ثم تلاحقت الحالات، الفنان محمد كيال والشاعر الكبير محمد عبد الباري الفتيح والشاعر الكبير اسماعيل الوريث والشاعر الكبير مصلح العقاب والفنان عبد العزيز ابراهيم والشاعر والصحفي الكبير عمر محمد عمروالفنان عبد الكريم الاشموري والكاتبة الكبيرة رمزية الإرياني، فيما يرزح تحت وطأة المرض كتاب ومبدعون مثل الشاعر الكبير شوقي شفيق والشاعر الكبير أحمد سليمان والفنان محمد الحرازي والكاتب الناقد المتفرد منصور السروري والشاعر الكبير فيصل البريهي والموسيقار العبقري ناجي القدسي والكتاب الأكثر شبابا مثل ابراهيم الهمداني، محمد نعمان الحكيمي ، محمد الشامي، كما أنني هنا لم أستشهد برحيل المبدعين الكبار ممن شارفوا على السبعين أو تجاوزوها مثل راحلنا الكبير محمد الشرفي والمؤرخ عبد الكريم الملاحي رحمهما الله، كما لم استشهد بمرض الشاعر الكبير يحيى عوض. وهذه مجرد حالات تحضرني الآن وغيرها اكثر منها.
الملاحظ أن ذلك يحدث في غمرة زلازل تعصف بالوطن، أي أن انشغال القائمين على الأمور بمشاكلهم وصراعاتهم تشغلهم عن الوطن عامة وتستنزف الأموال العامة في تلك الصراعات، ناهيك عن كون الخدمات والمرافق الصحية كلها تتداعى وتتدهور وتقل اخلاق العناية عند المسؤولين وعند أهل الخير أيضا.
وهذا يختلف عما يحدث في الاحوال العادية.قبل 2011 كنا نكتفي بمناشدة لرئيس الجمهورية في الصفحة الاخيرة من صحيفة الثورة وخلال أيام يكون المبدع المريض قد نقل إلى الاردن أو مصر أو المانيا.
وأنا هنا اقول ما أعرف ولا أزكي وضعا بعينه ولست طرفا في أي اصطفاف. اليوم لوجمعنا ماكتبناه من بيانات ومناشدات ومعاضدة لهذا المبدع أو ذاك لوجدنا مجلدا كاملا يخص كل مبدع لوحده.
لهذه الأسباب كلها تكثر مناشدات الاتحاد وبياناته من أجل المبدعين،لأن قوة الألم تستدعي كثرة الصراخ وكثرة المصابين تنتج عنها أعلى الاستغاثات. والنار ما تحرق إلا رجل واطيها.
- بين الحال الفقير لفئة واسعة من الناس لماذا على الدولة الاهتمام الخاص بكم ؟ صحيح أن أغلب اليمنيين فقراء وصحيح أيضا أن الاهتمام حق لكل مواطن، بل لكل إنسان يعيش في هذا الوطن حتى لوكان من غير أهله هذا ما أمر الله به وما تغنت به مكارم الأخلاق منذ أقدم العصور وما تنص عليه العهود والمواثيق وقوانين حقوق الانسان وما يجب أن نطالب به دوما، ولكن في حالة الأدباء والمبدعين هناك جملة من الاسباب منها: أن الأدباء والكتاب المبدعين في مجا لات الفنون المختلفة هم ضمير الأمة ووجهها الحامل ثقافتها والمعبر عن جانب كبير من مفردات هويتها والأقدر على اظهار تجلياتها وهم شهود على أي عصر يعيشون فيه، إضافة إلى ما يقدمه ابداعهم من توثيق للحظة الزمنية وإبراز لجمال تعابيرها... الى آخره، ولذلك كان واجبا على كل أمة عبر عصور التاريخ الإنساني ان تولي مبدعيها عناية خاصة.
أيضا هم ليسوا كأصحاب الأعمال والحرف الأخرى من حيث الكثرة فهم قلة. فلو استقصيت عددهم وقارنته بعدد المنتمين لأي فئة اجتماعية أخرى لعرفت أنهم قلة قليلة بالفعل وهم كذلك لأنهم أهل مواهب عقلية ووجدانية وروحية لا تتوفر لأعداد كثيرة من الناس.
الادباء والكتاب وسائر اهل الابداع تشغلهم المعرفة ويشغلهم الابداع عن طلب الرزق، وبما أن المؤسسات الراعية في بلادنا غير موجودة وبما أنهم ينتمون إلى مجتمع فقير وبما أن النتاج الابداعي هو الأقل جدوى مادياً في بلاد متخلفة كاليمن تتعاقب عليها دول وحكومات لا تخدم أوترعى إلا المتحكمين فيها من نافذين ومتسلطين ..فإن المبدع حين يمرض لا يكون قادرا على تحمل نفقات العلاج.. وليس من رعاية صحية مؤسسية مكفولة له.
ولأن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين مؤسسة نقابية فهي إلى جانب دورها الوطني كمدافعة عن الحقوق والحريات والهوية الوطنية ووحدة ابناء الشعب، تنشغل أيضا برعاية المنتمين اليها من حيث لم شملهم والدفاع عن حقوقهم ورعاية ابداعهم وغيرها من المطالب التي تصب في مجال العناية بهم وهي هنا تقوم بواجبها علماً أنها تقصر كثيرا في هذا الواجب.
- أنتم متهمون في الاتحاد بالتقصير مع الأدباء كيف إذن تطالبون بالالتزام تجاهكم؟ تقصير الاتحاد تجاه الأدباء تقييم تجاهه يختلف.مثلا عندما يحدث ان يتعرض مبدع للاستهداف في حريته او رأيه أو يطال التهديد حياته فإن الاتحاد يبذل كل ما في وسعه لدرء الاستهداف عنه.. ينشر البيانات ويوجه الرسائل ويتواصل مع مصادر التهديد ويكلف المحامين،وهذا ليس في كل الحالات ولكن بقدر ما تحتاج كل حالة وقد يتفاوت نجاحه ولكنه لا يتوانى أبدا.
لكن في مجال الحالات الإنسانية يحدث التقصير، صحيح ان ميزانية الاتحاد لا تستطيع غير تقديم مبلغ رمزي بسيط وصحيح ان الاتحاد يقدم رعاية صحية في حدود المستطاع إلا أن التقصير يحدث في الاحتفاء بالحالات من حيث السعي لدى الجهات المختصة لنجدتها ..هنا مع الأسف الشديد تتلون الاستجابات ويتلون التآزر مع حالة المبدع المحتاج بألوان تحمل كل أمراض السياسة في هذا الوطن وفوقها أمراض أخرى لا حصر لها.
والمشكلة في غياب الحس المؤسسي.. كان من المفترض أن توضع تقاليد أو قوانين ولوائح تجعل الاستجابة للحالات وفق مقاييس لا تتدخل فيها مشاعرنا ومواقفنا ومناطقنا وتوجساتنا والجمالات والمصالح حتى الاستعراض والابتزاز والمباهاة، كذلك التوجسات والحساسيات وتصفية الحسابات التي تجعل البعض يحرم حالات من الحصول على الدعم لا لشيء إلا لقهر فلان او التشفي في فلان إلى آخر هذه التفاهات.
أكثر من ذلك هناك مشروع جاهز تقدم به أحد المبدعين المميزين لإنشاء صندوق رعاية صحية للمبدعين ولم يجد حتى الآن الحماس اللازم.
- البعض يقول أن مهمة اتحاد الأدباء والكتاب أصبحت مقتصرة على المناشدات،مالذي يقدمه الاتحاد للثقافة؟ لذلك أسباب ذاتية تتعلق بالإتحاد والقائمين عليه كما تتعلق بأعضائه أيضا،كما أن له أسبابا أخرى تقع خارج كيان الاتحاد،ما يتعلق بالاتحاد ذاته تؤثر الأهواء على قيادة الاتحاد وعلى أعضائه الأكثر بروزا ونشاطا وهذه الأهواء بعضها وجهات نظر وأجندات شخصية ضيقة الأفق وبعضها الآخر موجه بخصومات سياسية أو حزبية أو حتى مناطقية، وجانب منها يعود إلى الإهمال وضعف الضمير وانعدام الإحساس بالمسؤولية.وهناك الافتقار إلى الديناميكية والمشروع الثقافي الوطني.
أما الأسباب القادمة من خارج كيان الاتحاد فمنها نظرة أصحاب القرار السياسي والقوى النافذة فيه إلى اتحاد الأدباء وإلى الادب والثقافة بشكل عام، وهي نظرة تطبعها دائما الرغبة في الإقصاء والتهميش والاستبعاد يتجلى ذلك في شواهد كثيرة منها الواضح الصادم مثل التهميش في الفعاليات المتعلقة بتقرير مستقبل اليمن، ومثل الافقار المادي ميزانية الاتحاد والدعم الذي يتلقاه لا يليقان بتاريخه ومكانته وأهميته،ومنها الرمزي فاتحاد الأدباء لا يدعى إلى المناسبات الوطنية التي تكون دعوته لها دليلا على احترام المسؤولين له وهذه مجرد أمثلة فقط.
يتعلق بذلك أن دورا فاعلا للاتحاد في المجال الثقافي يحتاج الى المال لأن الثقافة أصبحت صناعة،كما يحتاج لقادة مؤمنين بدوره ويمتلكون مشاريع ثقافية حقيقية،كما يحتاج الى أصحاب قرار في الدولة يفخرون بالثقافة والإبداع ويحبون صناعهما، لامسؤولين جل تفكيرهم في المبدع أن يكون بوقا لهم يلتقط فتات موائدهم.
- ما الذي يحتاجه اتحاد الأدباء برأيك ليستعيد دوره وفاعليته في الثقافة والمجتمع؟ يحتاج الاتحاد أن يكون فوق لعبة السياسة وصانعيها لا لعبة في يدها وأيديهم.. ويحتاج لتغيير آليات عمله في التعاطي مع الواقع وما تفرضه مستجداته في الجانب الثقافي بالذات.