جماعات متفرقة تخرج تاركة القرية ، نواح ينبعث، نظرات متكررة تتراجع إلى الخلف، لم يبق في القرية سوى عجوز في الثمانين من عمرها, قررت البقاء في القرية بقية أيامها حتى تلحق بزوجها وأبنها الوحيد الذي لاقى حتفه وزوجته في إحدى الغارات القبلية على القرية صممت العجوز على البقاء وكتبت وصية طلبت فيها أن تدفن إلى جوارهم، بقيت بجانبها حفيدتها ، القرية منعزلة عن الحياة، منازل خاوية من البشر, الأرض جدباء أصابها القحط منذ عامين، ضباب يغطي أرجاء المنطقة . أسدل الليل جلبابه الأسود وظهر القمر متوسطاً النجوم ومن حولهما غيوم متفرقة توشك على السقوط , عواء كلاب يرتفع من أزقة القرية ، و نحيب لا يعرف مصدره، أصوات بوم تتعالى من شرفات المنازل، العجوز عاكفة في صلاتها، سكون يسود القرية منذ نزوح قاطنيها، العناء مسيطر على الفتاة ، المنازل ملاذ للحيوانات والطيور، الفتاة تضع الخبز على الزيت لصنع طعام العشاء، رائحة الخبز تنبعث في الأرجاء، الحيوانات تتبع مصدر الرائحة، أصوات الحيوانات تتعالى من جوار المنزل ، نباح مفاجىء .. صوت خافت ينبعث من مشاعل متحركة، النباح يتعالى, المشاعل تتجه صوب القرية كأن هناك شيء ما !! أسئلة تدور في ذهن الفتاة حين أطلت من النافذة، العجوز مستغرقة في صلاتها على غير عادة، أنين يتعالى وأصوات متقطعة تصدر؟؟ النباح يشتد، الحيوانات تتفرق من جوار المنزل , الأنين يزداد؟؟ أصوات معاول تهز أرجاء القرية، مشاعل الضوء تسيطر على ساحة المقبرة، الأنين يبعث في روح الفتاة الوحشة , ثمة صوت يتعالى النجدة .. النجدة... تسمع الفتاة صوتاً من بين الأنين يطلب العون والمساعدة، تجمدت جوار النافذة الخشبية لا تستطيع تحريك لسانها , أصابها خوف وذعر, ,شلت حركتها، العجوز لا تزال تجتر أنفاسها. اتجهت المشاعل تاركة القرية، وخلفها تتجه أصوات متألمة الجميع غادر القرية.. أغلقت الفتاة النافذة بشدة, أدارت وجهها الى العجوز لتخبرها بما رأت, قاطعتها العجوز : لقد أخذ تجار العظام البشرية جثث والدك وجدك وجثث الأسرة جميعاً من المقبرة وتركوني وحيدة ... لم تكمل كلماتها حتى أطلقت آخر أنفاسها.. بوغتت الفتاة وأصابها ذعر وارتباك وحزن، أطلقت الديوك أصواتها معلنة حلول الفجر من تلك الليلة، بدأ الظلام يتبدد لتظهر القبور وقد فغرت أفواهها، خاوية من سكانها...