إبان الاحتلال البريطاني لجنوب الوطن عانى أبناء الوطن شماله وجنوبه المقيمين في عدن – من حرمانهم من التعليم والوظيفة، وعلى إثر ذلك قام تجار من تعز وحضرموت بإنشاء مدارس خاصة لاستيعاب الوافدين من المحميات وتعز وشمال الوطن عموماً ولتعليم الأبناء غير المسموح لهم الالتحاق بالمدارس الحكومية البريطانية من غير مواليد عدن.. وربما قبلت عدنيين حسب رأي الدكتور عبدالله محمد سعيد في ورقة عمل بعنوان «التعليم والثقافة.. والثورة وتبادل الأدوار» وذكر مشائخ كان لهم دور بارز في المطالبة بالإصلاح وقاموا بتأسيس مدارس من مطلع القرن العشرين هم: محمد علي باحميش وأحمد العبادي ومحمد بن سالم البيحاني ومعهم بازرعة ثم ما قامت به الهيئات الشعبية لأبناء شمال الوطن من منتصف الأربعينيات ومن أهم هذه المدارس والمعاهد الأهلية معهد البيحاني ومدرسة بازرعة ثم لاحقاً كلية بلقيس، كما ألحقت مدارس أصغر ببعض المساجد في الروضة والشيخ عثمان والمعلا دكا، وكان لهذه المؤسسات التربوية والتعليمية أثرها الكبير في استيعاب أبناء المحميات وأبناء شمال الوطن وأبناء تعز خصوصاً وأبناء الحجرية على وجه الخصوص بفضل تجار وأحرار حيفان والأعروق والأعبوس والقريشة، وبني شيبة ودبع وذبحان هذا الإنجاز على مستوى التعليم الأهلي في فترة الاستعمار البريطاني أردف بإنجاز آخر تمثل في إرسال البعثات من أبناء التجار والميسورين والمشائخ للدراسة الثانوية والجامعية في مصر وخاصة جامعتي حلوان وطنطا في مختلف التخصصات وحصل الدارسون اليمنيون في مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952م على امتيازات منحتها لهم مصر عبدالناصر فدرسوا على حسابها في مدارسها وجامعاتها ما دفع نظام الحكم الإمامي في شمال الوطن لمنحهم مساعدات من الدولة من أجل كسبهم إلى صفه وقطع الطريق على الآخرين حتى لا يؤثروا عليهم سياسياً. الوعي بضرورة التخلص من الاستعمار في هذه المحاضن التعليمية سواء المدارس الأهلية في عدن أو الجامعات المصرية.. والجمعيات الأهلية في الداخل تكون لدى الدارسين وعي وطني عارم بضرورة التخلص من الاستعمار والتخلف الجاثم على صدور اليمنيين ومنها جاء من يؤمن بأهمية التنظيم السياسي وهو ما كان ممكناً لغير الأحرار الوافدين من شمال الوطن لاسيما بعد موافقة السلطات البريطانية على طلب الإمام أحمد بمنع الأحرار من مزاولة أي نشاط سياسي من عدن إثر فشل ثورة 1948م. ففي عدن فقط نشأت عدة أحزاب سياسية وبعد أن أعلن الاستعمار حاجة المدينة لمزيد من هذه الأحزاب تكون 15 حزباً وكان هدفه حسب بعض الكتابات أن تنشغل بنفسها وببعضها البعض عن مخططاته والمضي في سياساته وعملت هذه الأحزاب على كشف السياسة الاستعمارية للشعب ودأبه على استغلال موارد البلد في كل من لحج وأبين وسياسته العميقة في مواجهة المد القومي العربي كما عملت بعض الأحزاب على رفض القوانين الاستعمارية التي تخدم مصالحه ومنها قوانين : الهجرة، و”التمعدين” وقانون منع الإضرابات – قانون الطوارىء، قانون العلاقات الصناعية، وقانون الصحافة وكلها تمثل مشاريع استعمارية تقدمت الحركة العمالية صفوف الرافضين لها وخاصة قانون العلاقات الصناعية الصادر عام 1960م الذي كان موجهاً ضد الحركة العمالية وكان عدد سكان عدن في نفس العام “200,000” نسمة. فتح باب الهجرة على مصراعيه - وكانت بريطانيا قد فتحت قبل عام “1958” باب الهجرة على مصراعيه للأجانب إلى عدن وبصورة وصفتها بعض المؤلفات بأنها مفزعة وأعقبها ارتفاع في الأسعار وكان مستغلو الوضع هم أدوات الاستعمار وخاصة الشركات التجارية والتي أرادت استرجاع ما دفعته للعمال بوسائل أخرى بعد أن كانت الإضرابات العمالية ونضال حركتهم قد عبرت عن قوة مؤثرة وانتزعت حقوقاً ففي 25 ابريل 1958م استجاب العمال لنداء المؤتمر العمالي ونفذ إضراباً أدى إلى إغلاق الشركات والمطاعم والموانئ الجوية والبحرية فلم تصل طائرة ولا سفينة في ذلك اليوم ولم يفتح محل أو دكان لبيع الماء. تعاظم جهود الحركة العمالية في هذا الوقت كانت الإدارة البريطانية تنفذ سياسة جديدة لإبقاء سيطرتها ومنحت للأجانب حقوقاً سياسية في الانتخاب للمجلس التشريعي المزيف ولكن العمال رفضوا الدستور وقاطعوا الانتخابات وأمام تعاظم مكاسب الحركة العمالية لاحظ الانجليز خطورة الحركة عندما أصبح يساندها الشعب فعمد على إغراق عدن بالجاليات الأجنبية وسن القوانين التي تحرم أبناء شمال الوطن من الحقوق السياسية التي كفلت للأجانب، بل وأخذ المستعمرون يشوهون سمعة العمال ويوعزون إلى عملائهم ليبدأوا حرب الأعصاب وانتشرت إشاعات من أن الشركات التجارية الأجنبية التي يقوم عليها اقتصاد عدن ستغلق أبوابها وستنقل إلى لندن أو جيبوتي وفضحت هذه السياسة باستقدام جاليات أجنبية للحد من تأثير الحركة العمالية.. وعمد الاستعمار إلى عملائه والمرتبطة مصالحهم ببقائه وأوعز لهم بإنشاء نقابات خاصة بهم لتفريق صفوف العمال معتبراً العمال من أبناء المحميات وشمال الوطن أجانب يجب ألا يستفيدوا مما كسبته الحركة العمالية إلا أن المحاولة باءت بالفشل. إحاطة الرعايا الأجانب بامتيازات خاصة - في ظل الامتيازات التي منحتها بريطانيا للرعايا الأجانب والشركات التجارية حتى تلك التي نصت عليها اتفاقية 1802م فإن الظلم والقهر طال كل يمني في الجزء المحتل ووجد التخلف عناية بريطانية وفي مواجهة ذلك ظلت الدعوات والنداءات تطالب بخلق صناعات وطنية مختلفة لمواجهة الاحتياجات الأولية المحلية كصناعة النسيج والدباغة وإحياء صناعة الملح وتشجيع إقامة مصانع تركيب السيارات ووسائل النقل في عدن وهذا جزء من قرأه السياسي الراحل عبدالقوي مكاوي لبرامج بعض الأحزاب التي نشأت مبكراً في عدن. - وفي مجال التجارة ظل نظام الاستيراد والتصدير على هوى الاستعمار وتبنت بعض الأحزاب في عدن دعوات ونادت بتنظيم الاستيراد والتصدير وتشجيع رؤوس الأموال الوطنية في حدود الخطة الاقتصادية والتجارية وفي مجال التعليم نادت بسياسة تعليمية مجانية وتشجيع التعليم الإلزامي وفي مجال الصحة نادت بمجانية العلاج دونما تفرقة تماشياً مع حاجة البلاد ولكن الأوضاع سارت على الوجه الذي يريده الاستعمار وتلك بعض العوامل التي جعلت الكفاح المسلح خياراً استراتيجياً لتحرير الأرض من دنس الاستعمار بانطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963وتدفق حجم البركان الثوري إلى عدن وتتويج مسيرة الكفاح بإعلان الاستقلال يوم الخميس 30 نوفمبر 1967م.