اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    حوثيون يرقصون على جثث الأحياء: قمع دموي لمطالبة الموظفين اليمنيين برواتبهم!    "سيتم اقتلاعهم من جذورهم": اكاديمي سعودي يُؤكّد اقتراب نهاية المليشيا الحوثية في اليمن والعثور على بديل لهم لحكم صنعاء    وزير الخارجية الدكتور شائع الزنداني يطلع نظيره الباكستاني على آخر مستجدات جهود إنهاء حرب اليمن    أخيرًا... فتيات عدن ينعمن بالأمان بعد سقوط "ملك الظلام" الإلكتروني    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    برشلونة قد يهبط للمستوى الثاني اوروبيا والخطر قادم من ليفركوزن    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    الرئيس الزبيدي يعود إلى عدن بعد رحلة عمل خارجية    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤتمر الحوار.. الفرصة الأخيرة
أخطاء رافقت مسيرة النضال الوطني
نشر في الجمهورية يوم 14 - 10 - 2012

تحل الذكرى ال 49 لقيام ثورة 14أكتوبر 1963م ضد الاستعمار البريطاني في اليمن الجنوبي، في ظل تحديات عديدة تشهدها البلاد، ومخاوف تهدّد بانهيار المنجزات التاريخية لثورتي سبتمبر وأكتوبر بآفاقهما الاجتماعية والوطنية، ووسط ترقب ملحوظ لمؤتمر الحوار الوطني الشامل كمحطة أخيرة، تتمحور حولها آفاق المستقبل.. (الجمهورية) تستعرض في هذا الموضوع أهمية المناسبة وبعضاً من التفاصيل المهمة، والتحديات الراهنة التي يواجهها الوطن وما المطلوب لتجاوزها..
تنفيذ السياسة الثنائية
تعتبر مدينة عدن من المدن القديمة، حيث سجّل التاريخ تجارتها العظيمة مع الفينيقيين وشهرتها منذ القرن السابع قبل الميلاد كمركز للتجارة البحرية ومحطة لتجارة البخور والتوابل وممر للقوافل، وتنبع أهميتها أيضاً من تميُّز موقعها الجغرافي القريب من خط الملاحة الدولية، كما تمثّل ميناء بحرياً طبيعياً، كل ذلك وغيره جعل القوى الكبرى ذات المصالح التجارية والاقتصادية والعسكرية تحرص على الاستفادة منها أبلغ فائدة، وهو ما دفع الانجليز إلى غزو واحتلال هذه المدينة عام 1839م، والذي انتهى بقيام ثورة 14 أكتوبر 1963م، وإعلان استقلال اليمن الجنوبي في 30 نوفمبر 1967م.
- يقول الأمين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية، الدكتور علي عبدالكريم: "الإنجليز كانوا يبحثون عن المواقع التي تخدم الاستراتيجية البريطانية إبان الحقبة التي سادتها كقوة عظمى، وكانت تنفذ ما يسمّى بالسياسة الثنائية أينما تواجد أي نفوذ لها على مستوى العالم، أي زرع وتعزيز كل ما يمكن له أن يؤدّي مستقبلاً إلى وجود نوع من التفاوتات والاضطرابات في المواقع المتباينة، فحينما أقامت مركزاً متقدماً في الشرق الأوسط في ميناء عدن ومصالح للقاعدة البريطانية في عدن لم تول اهتماماً للمناطق الأخرى، وأوجدت عبر هذه الثنائية من التخلف الاقتصادي والاجتماعي، المسمار الذي أصبح يقصم ظهر الوطن".
يخدم مصالح انجلترا
إذاً الإنجليز مسؤولون وبشكل رئيس عن تقسيم اليمن شمالاً وجنوباً وكذلك اليمن الجنوبية، أو على الأقل الدفع في هذا الاتجاه طالما أنه يخدم مصالحهم الاستعمارية، وبالتالي لم تقم شركة النفط البريطانية عام 1954م ببناء مصافي البترول في عدن إلا لأن هذا المشروع يخدم مصالح انجلترا في الأساس، وكذلك جعل ميناء عدن "ميناء حراً" فهذه المدينة مثّلت بالنسبة لانجلترا أهمية كبيرة، كمحطة تموينية على طول (المواصلات الامبراطورية) وتزايدت الأهمية الحربية الاستراتيجية للجنوب اليمني الواقع على أهم الممرات الجوية والبحرية بالنسبة لانجلترا عقب الحرب العالمية الثانية بعدما ضعفت المواقع الانجليزية في مصر والعراق وغيرهما من البلدان العربية, وبفقدانها القواعد الحربية في قناة السويس أخذت الأوساط الانجليزية الحاكمة بسياسة تعبئة الفرق الحربية المعتمدة على الحد الأدنى من القواعد ولذلك أنشأت ثلاث مناطق قيادية: منطقة الشرق المتوسط ومركزها عدن، منطقة الشرق الأدنى ومركزها قبرص، ومنطقة الشرق الأقصى ومركزها سنغافورة.
- وبحسب كتاب (تاريخ اليمن المعاصر 1918- 1982م) لمجموعة من المستشرقين السوفييت، والذي ترجمه إلى العربية محمد علي البحر، وراجعه الدكتور أحمد محمد علي، كانت القوات الانجليزية المسلحة مطلع ستينيات القرن الماضي في عدن ومناطق أخرى من الجنوب اليمني مزودة بأسلحة نووية.
- وأشار إلى أن اقتصاد عدن اعتمد بالكامل في تلك الفترة على القطاع التجاري الذي تميز عن القطاع التقليدي بالدعم الملموس المقدم له من قبل الإدارة الاستعمارية وتزويده بالمكننة الزراعية الحديثة، وأن الأجزاء الأخرى من الجنوب اليمني بقيت كما هي متخلفة حيث اشتغل 90% من السكان في الزراعة، التي تميزت بالحد الأدنى من الملكية الزراعية، وتكونت القوى الطبقية الأساسية المتنافرة من الفلاحين الذين كان معظمهم من الفقراء والاقطاع وكبار رجال الدين. وشكّلت أبين استثناء من تلك القاعدة، حيث تطورت زراعة القطن بوتائر سريعة فيها وعلى الأخص في المساحات المملوكة للاحتكارات الانجليزية وفي هذه المزارع تشكّلت فئة العمال الزراعيين الأجراء المناهضة لأصحاب المزارع.
سياسات عنصرية
يقول عثمان عبدالجبار راشد، وهو أحد أبناء محافظة تعز، وكان والده يملك "دكاناً صغيراً" في عدن إبان الاحتلال البريطاني, ولاحقاً أصبح شقيقه مالكاً لشركة خاصة في عدن عمل فيها هناك حتى عام 71م, ثم نقلها إلى صنعاء وأواخر التسعينيات قام ببيعها: "استغلت السلطات الاستعمارية البريطانية مدينة عدن لموقعها الاستراتيجي، وكانت إحدى المناطق العسكرية الانجليزية المهمة، تمركزت فيها الفرق الحربية، واستخدمتها في عديد حروبها".
يضيف عثمان: "كأسلوب استعماري استغل الانجليز عدن أيضاً كمنطقة حرة في إعادة التصدير إلى المناطق والدول المجاورة بما فيها المحميات الأخرى من الجنوب اليمني، وسيطرت عدن على هذه المناطق تجارياً واقتصادياً، وفي المقابل لم تهتم انجلترا بتنمية المحميات، أي الأجزاء الأخرى من الجنوب اليمني وتركتها لمزيد من مساحات الفقر والجهل، باستثناء بعض المناطق ولأهداف عسكرية فقط".
وأكد عثمان أن السياسات والتصرفات العنصرية للانجليز المتمثلة بإقصاء مواطني اليمن الشمالي الموجودين في عدن ومواطني المحميات الجنوبية من حق التعليم في مدارس عدن والتصويت في انتخابات المجلس التشريعي لعدن، والحصول على الجنسية وغيرها، ومنحها هذا الحق لمواطني "الكمنولث".
200 ألف نسمة
وكانت مدينة عدن إبان الاحتلال الانجليزي منطقة جاذبة للأيدي العاملة وفيها تمركز القطاع الأساسي للعمال، من أبناء العديد من المناطق الشمالية والمناطق الداخلية لليمن الجنوبية، حيث شهدت المدينة بفضل مينائها نشاطاً تجارياً واقتصادياً تخللته سلبيات كثيرة، أبرزها سيطرة الطبقة البرجوازية (في الأساس الإنجليزية) الأجنبية.
وطبقاً للإحصائيات الإنجليزية وفقاً للكتاب سالف الذكر- بلغ عدد الأشخاص العاملين بالأجرة في عدن 50,500 عامل عام 1960م، عمل القسم الأكبر منهم (29 ألف) في قطاع الخدمات، وعشرة آلاف في البناء، وخمسة ألاف في الميناء بأعمال الشحن والتفريغ وإصلاح السفن، إلى جانب مجال الصناعة الخفيفة ومصافي النفط والقاعدة الحربية، في الوقت الذي بلغ عدد سكان المدينة 200 ألف نسمة.
ولعب الهنود والصوماليون والأحباش والأندوبيسيون والسودانيون (أدواراً نشيطة في التجارة) إلى جانب رجال الأعمال المحليين، ومن هؤلاء جميعاً تكونت القاعدة الأساسية للفئة الجديدة - البرجوازية التجارية وكانت البرجوازية المحلية الناشئة وثيقة الارتباط بالاحتكارات الإنجليزية, وحاولت السلطات الاستعمارية أن تجتذبها إلى صفوفها عن طريق بيعها بعضاً من الأسهم ومنحها بعض الامتيازات, وظهر في أوساط هذه الفئات بعض المجموعات ذات التوجُّه لخدمة السوق الداخلي والتي لم تكن راضية عن سيطرة الرأسمال الأجنبي، وتمركزت البرجوازية الأجنبية والبرجوازية المحلية الناشئة في عدن.
ضرب وسرقة أموال
عبد الله مقبل صالح، 81 عاماً، أحد أبناء تعز، بدأ حياته العملية في عدن لدى إحدى الشركات الأجنبية في الخدمات قبل اندلاع ثورة 14 اكتوبر بسنوات عديدة وحتى عام 1971م، بعدها انتقل إلى العمل في صنعاء.
يقول صالح: "الذكرى الوطنية ال 49 لثورة 14 أكتوبر مناسبة عظيمة، وبهذا اليوم بزغ عصر جديد في حياة الشعب اليمني وتحرّر من حياة الاستبداد والابتزاز، فالاستعمار البريطاني كان العدو الرئيس للشعب اليمني، وأبرز سلبياته، احتكار ميناء عدن وسيطرة الاحتكارات الأجنبية الانجليزية على مختلف الأنشطة الاقتصادية الأساسية، سواء مجال التجارة أم الخدمات أو الصناعة وغيرها، فضلاً عن استغلال العمال".
وشغل ميناء عدن كميناء حر من حيث القدرة الاستيعابية المكان الثالث في "الكمنولث" البريطاني بعد لندن وليفربول، فوفقاً للاحصائيات الانجليزية بلغ متوسط عدد السفن التي تموّل بالوقود من ميناء عدن بداية الستينيات حوالي 4500 سفينة سنوياً وتستهلك أكثر من 2,5 مليون طن، غير أن دخله لم يدرج ضمن الميزانية العمومية لعدن، بل كان يذهب مباشرة إلى الاحتكارات المساهمة في غرفة إدارته، حيث أدير من قبل إدارة خاصة شملت ممثلي مختلف الشركات الأجنبية وفي الأساس الإنجليزية.
ورصد صالح العديد من المشاهد المأساوية مارسها عساكر الانجليز ضد اليمنيين في عدن تتمثل في الضرب والقتل وسرقة الأموال، مضيفاً: "ذات مرة احتجزنا عساكر الانجليز في باب عدن (مدخل مدينة كريتر) أثناء محاولتنا الدخول إلى كريتر، وأخذوا من أحد زملائي كل المال الذي كان بحوزته والخاص بعدد من التجار في الشمال كان يعمل مندوباً لهم، أي يشتري لهم بضائع من عدن يتاجرون بها في الشمال، وأثناء سحب المال منه كان يصرخ قائلاً (فلوسي فلوسي)، وهي كلمة تعني بالإنجليزية "جبهة التحرير" فأوسعوه ضرباً مبرحاً؛ وكانوا يعتقدون أنه عضو في جبهة التحرير، ولولا تدخُّل بعض الضباط الذين أفرجوا عن جميع المحتجزين وأعادوا للبعض أموالهم لقتلوه".
الحركة العمالية والانتفاضات
تميّزت الانتفاضات خلال هذه الفترة بالعفوية والتشتت ولم تستطع التوحُّد تحت قيادة ثورية ناضجة والنهوض إلى مستوى النضال التحرّري الشامل.
وأشار عبدالله مقبل صالح إلى أن الحركة النقابية والطبقة العاملة في عدن لعبت دوراً مهماً في مسرح النضال السياسي وقيام ثورة اكتوبر وطرد المستعمر البريطاني, وكان إضراب مارس 1956م في عدن واحداً من أكبر إضرابات عمال المدن بعد الحرب العالمية الثانية، وكان في بدايته كما تشير المصادر- طبيعة سلمية, إلا أن المستعمرين استخدموا السلاح ضد المضربين الأمر الذي أدّى إلى قيام مظاهرات احتجاج جماهيرية واسعة شملت كل الجنوب اليمني، ودعم الطلاب إضراب العمال, وخلال محاصرتهم من قبل قوات البوليس قتل برصاص الجنود الانجليز سبعة أفراد من بينهم أحد الطلاب.
وهذا الإضراب وضع بداية لتنظيم الطبقة العاملة في نقابات، ففي تلك الفترة تم إنشاء مؤتمر نقابات عدن، وبلغ عدد أعضاء المؤتمر عام 1962م (21,200 عامل).
واستمرت تطورات الحركة العمالية في عدن، ولم يستطع التأثير الفعال للانتهاز بين قادة المؤتمر العمالي إيقافها، فحدثت انتفاضات ضخمة متتالية منها في مايو 1958م، حين طبقت السلطات الانجليزية حالة الطوارئ، وقابلتها بالإجراءات التعسفية القاسية، ففي 4 أغسطس 1960م صدر قانون تنظيم علاقات العمل، ويمنع هذا القانون الإضرابات ونصّ على التحكيم الإجباري لأي إضراب, وطالب بإنشاء محاكم خاصة لتسوية الخلافات، ورد العمال عليه بإضرابات جديدة، لقيت دعم وتأييد الفئات الواسعة من السكان وصدى في أجزاء مختلفة من العالم، وإزاءه استخدم المستعمرون الطيران وغيره من التكنيك العسكري للدفاع عن أعضاء المجلس التشريعي الذين وافقوا على صدور القانون.
وقبل ذلك كانت الانتفاضات المناهضة للطغيان والاستعمار الانجليزي، والمطالبة بإجراء التغيرات الاجتماعية، وبعض المطالب المتعلقة بالقضايا العربية، قد بدأت منذ العام 1936م، وشملت جميع مناطق الجنوب، وشارك فيها مختلف فئات السكان في المدينة والريف، لكنها كما يبدو لم تستطع التوحّد تحت قيادة ثورية.
وابتداء من الستينيات وعلى الرغم من الإجراءات التعسفية، اتسمت الإضرابات والمظاهرات وغيرها من الانتفاضات في عدن ومختلف مناطق الجنوب، بالطابع الجماهيري الأكثر عمقاً وانتظاماً.
أبرزها ضد السياسة الاستعمارية الانجليزية الجديدة الموجّهة لإنشاء فيدرالية في الجنوب اليمني مرتبطة بانجلترا وضد الانتخابات المزيفة للمجلس التشريعي لعدن، الذي تأسس في 1947م ومنذ عام 1958م انتخب 12 عضواً في المجلس وعين 11 عضواً آخرين.
كالمظاهرة المشهورة في 24 سبتمبر 1962م ضد انضمام عدن إلى اتحاد الجنوب العربي، حيث اشتركت في هذه الحركة الاحتجاجية مختلف فئات السكان في عدن وغيرها من أقاليم الجنوب، وهيأت انقضاض الجماهير العربية الواسعة ضد مواقع المستعمرين الانجليز في هذا الجزء من العالم العربي.
وإلى جانب المنظمات السياسية والأحزاب والمثقفين والفلاحين والعمال وفئات الكادحين الواسعة، لعبوا دوراً مهماً في صفوف حركة التحرر الوطني والنضال الثوري ضد الاستعمار البريطاني والسلاطين والأوساط الإقطاعية للجنوب اليمني.
وينقل كتاب (تاريخ اليمن المعاصر) للمستشرقين السوفييت قوله: "جذبت الحركة التحريرية إلى صفوفها ومنذ الستينيات أوسع الفئات الفلاحية, قبل هذا عرقلت التركيبة القبلية في المناطق الداخلية مساهمة سكان الريف في النضال المعادي للامبريالية، على أن هذا لا ينفي وقوف بعض مشائخ القبائل والسلاطين ضد هذه الظاهرة وتلك للطغيان الاستعماري، في حين استغل الحكام المحليون سخط الجماهير الشعبية للمحافظة على مصالحهم الشخصية، وكقاعدة تميزت مواقف البرجوازية المحلية الوسطى بالتقلب وعدم الثبات، بينما البرجوازية الكبيرة كانت لاتزال في مرحلة التشكل والنمو وفي غالبيتها كمبرادورية".
النضال والمصير الواحد
غير أن انفجار ثورة ال 26 من سبتمبر 1962م، التي أطاحت بالحكم الملكي في اليمن الشمالي، أثّرت وبشكل خاص على نشوء الحالة الثورية في اليمن الجنوبي وخلقت المقدمات للنضال المسلح، وأدّت إلى ثورة 14 أكتوبر 1963م، وهي نتيجة للعلاقات الطبيعية بين اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم بالرغم من إرادتهم في دولتين.
ومنذ القدم سادت العلاقات القائمة على أرضية النضال الوطني- التحرّري بين اليمن بشطريها الجنوبي والشمالي، وكانت الثورة بالنسبة للجميع ضد النظام السائد في الشمال والاستعمار البريطاني وأعوانه في الجنوب، أي السلاطين والإقطاعيين السائرين في ركابه والمنفذين لمخططاته، بمثابة انطلاقة لتحرير الشعب اليمني بكامله.
وتأكيداً على ذلك كتب حينها المفكر الصحافي والفقيد عبدالله باذيب (توفي في 16 أغسطس 1976م)، وكان واحداً من كبار رجالات الحركة الوطنية في الشطر الجنوبي من اليمن: "إن ما يوحد اليمن ليس فقط وحدة اللغة والأرض والحياة الاقتصادية والتكوين النفسي؛ بل النضال الواحد والمصير الواحد".
وجاء أيضاً في الميثاق الوطني للاتحاد الشعبي الديمقراطي الذي أقرّ في 22 أكتوبر 1961م بقيادة المناضل الفقيد عبدالله باذيب أن هدف التنظيم النضال ضد الاستعمار والرجعية من أجل التحرّر الوطني وتحقيق الوحدة اليمنية على أسس ديمقراطية.
ومنذ الأيام الأولى لثورة 26 سبتمبر هبّ لنجدتها آلاف المتطوعين في الجنوب واشترك في القتال في صفوف الجمهوريين في اليمن الشمالي عمال وفلاحون وطلاب وفرق عديدة من قبائل الجنوب اليمني بما فيهم قبيلة ردفان وعلى رأسها الشهيد راجح بن غالب لبوزة, مفجر ثورة أكتوبر ضد البريطانيين في الجنوب اليمني.
وعلى الرغم من الإجراءات التعسفية القاسية، حيث أصدرت السلطات البريطانية قرارات وقوانين تقضي بحبس الأشخاص المتعاونين مع الجمهورية العربية اليمنية، إلا أن القوى التقدمية الوطنية واصلت دعمها للجمهورية الفتية لتقف على قدميها أمام ضغط الملكيين والمرتزقة المأجورين بما فيهم المرسلون من قبل السلطات الاستعمارية الانجليزية.
النضال المسلّح
وقال رئيس اتحاد الطلاب في تعز، خلال الفترة (1963م - 1966م) عبدالحليم القباطي، البالغ من العمر 64عاماّ: "خلال مرحلة الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م والنظام الجمهوري ومكاسبهما، بمشاركة أبناء شعبنا اليمني من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، ظل الشغل الشاغل لعقول كل اليمنيين ضرورة طرد الاستعمار البريطاني من الجنوب اليمني المحتل".
وأضاف القباطي: "حينها توسّع نشاط الأحزاب السياسية السرية والتنظيمات النقابية المناوئة للاستعمار البريطاني، وتم تبنّي النضال المسلح وقيام جيش التحرير بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني، وتم نشر فدائيّ الجبهة في مختلف مناطق الجنوب، وظلت تعز مدينة مفتوحة ليستريح فيها مناضلو الثورة والفدائيون العائدون بعد تنفيذ مهامهم النضالية ضد الاستعمار، ويتزودون بكافة الإمكانات من الأسلحة والمؤن".
وأوضح القباطي أن شمال الوطن لم يكن المصدر الذي لا ينضب لتزويد مناضلي الجنوب بالمال والسلاح والمقاتلين فقط، بل ظلت تعز نبراساً مضيئاً لنشر وتعميم فكر ومبادئ الثورة المسلحة على كل المدن والمناطق الجنوبية، وتجسّد ذلك بإنشاء مكتب الجبهة القومية في المدينة، فضلاً عن دور الأدباء والكتّاب، منوّهاً إلى أنه لا أدق ولا أعمق وأكبر بلاغة ممّا عبّر عنه شهيد الشعب والوطن عبدالله البردوني عندما لخّص وحدة اليمن في بيتين من قصائده الشعرية يمكن التعبير عنهما بعشرات الملجدات نثراً, وهما:
يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن
جنوبيون في صنعاء شماليون في عدن
جرس إعلان الثورة
بعد الاستعداد التام لبدء الثورة المسلحة في جنوب اليمن - بحسب إفادة القباطي- أطلقت إذاعة عدن أنشودة ثورية كانت بمثابة جرس إعلان لكل الفدائيين والمناضلين ببدء الثورة على مسمع من الاستعمار البريطاني، ولم يفهمها عملاءه ليترجموها لأسيادهم, تلك هي:
يا شاكي السلاح ضوء الفجر لاح
حط يدك على المدفع زمان الذل راح
والله والنبي طرد الأجنبي عزي ومطلبي
يضيف القباطي: "على إثرها وصبيحة الرابع عشر من أكتوبر 1963م أطلقت أول رصاصة ضد الوجود البريطاني في منطقة ردفان من يد المناضل الشهيد راجح بن غالب لبوزة, وكانت تلك الاصطدامات المسلحة بين القوات الانجليزية وقبائل ردفان العائدين من شمال اليمن ممن حاربوا إلى جانب النظام الجمهوري بداية النضال المسلح لتحرير الجنوب اليمني، وانتقلت بعدها الثورة المسلحة وبشكل سريع إلى كل شبر من أرض الجنوب".
توجت بالاستقلال
وتميّزت الفترة (1964م – 1965م) بالتطور اللاحق للثورة اتساعاً وعمقاً، حيث شملت أجزاء أخرى من الجنوب اليمني، واستخدم الانجليز في عملياتهم الحربية ضد المنتفضين المدفعية الثقيلة والمدرعات وآلاف الجنود، وابتداءً من ديسمبر 1963م شملت الحرب المسلحة وبشكل مباشر مدينة عدن نفسها، ويمكن اعتبار بدايتها بتلك الانفجارات التي حدثت في مطار عدن في 10 ديسمبر، والتي كان من نتيجتها قتل مساعد القائد الأعلى لعدن وإصابة القائد الأعلى نفسه "كينيدي تريفاسكس" و22 شخصاً آخرين.
ونفذ الانجليز العديد من الحملات التأديبية استخدموا فيها أيضاً سلاح الطيران، ودمروا المباني السكنية والمساحات الزراعية وشردوا عشرات الآلاف من الفلاحين إلى اليمن الشمالي، وإبان تلك الحملات كانت قوات الانجليز تفوق قوات الثوار كثيراً، وأعقب ذلك عمليات مسلحة متفرقة ثم مرحلة الهجوم الكاسح ضد الاستعمار وأعوانه.
ورغم ما شهدته تلك الفترة من أحداث وخلافات، إلا أن التضحيات توجّت بإعلان استقلال الجنوب وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في 30 نوفمبر 1967م، عقب مباحثات جنيف بين ممثلي الجبهة القومية، كممثل وحيد للشعب في الجنوب اليمني والمهيأ لاستلام السلطة، والوفد الانجليزي، والتي على إثرها بدأ في 26 نوفمبر 67م انسحاب القوات الانجليزية ومغادرة الحاكم الانجليزي لعدن هامفري تريفلين، ومن ثم مغادرة آخر جندي بريطاني عدن.
تحديات وحلول مطلوبة
إلى هنا والصورة واضحة، في المقابل لا يمكن إغفال أن مدينة عدن قديماً استطاعت ترويض الإنجليز وحقّقوا فوائد لا تحصى ولا تعد بفضلها، وفرضت نكهتها وهويتها على كل من وصل إليها (هنود، صومال، وغيرهم).. لكنها في العقود الأخيرة أصبحت مدينة منهكة أنهكها بنو جلدتها اليمنيون، فإلى جانب نهب الأراضي من قبل المتنفذين والفساد وعدم استفادتنا من مميزاتها وموقعها ومينائها الاستراتيجي كمنطقة حرة ستوفر مليارات الدولارات للبلد، أسأنا كثيراً إلى هذه المدينة العريقة فأصبح السلاح - على سبيل المثال - شيئاً عادياً أن تراه في أيدي الناس, وبات يشكل رقماً خطيراً على مدينة يضرب بها المثل في الرقي والتقدم والمدنية.
وبالنظر أيضاً إلى الوضع الراهن في البلاد بشكل عام، يرى العديد من الأكاديميين والمهتمين أن مشكلتي الأمن والاستقرار والتنمية هما أبرز التحديات القائمة والتي مازلنا نتوه فيهما منذ قيام الثورة وحتى اليوم, وتشكّل مشكلة الاستقرار والأمن الجانب الأهم؛ كونها الأخطر, ليس فقط على ما يحدث في الجنوب أو الشمال، ولكن كمظاهر عامة, حيث لا يمكن الحديث عن تنمية واستثمار وحياة أو أن نحقق شيئاً من ذلك إلا بتحقيق الأمن والاستقرار.
وخير دليل ما تحقق لسلطنة عمان الشقيقة، والتي بدأت عملية التنمية فيها منذ العام 1972م، كما هو الحال بالنسبة لشطري اليمن, بفارق أن عمان توفر فيها الأمن والاستقرار ولم تشهد انقلابات ولا حروباً ولذلك وصلت إلى ما هي عليه اليوم.. ويؤكد آخرون أن الصراعات اليمنية دمّرت الحياة السياسية والأمن والسلام والاستقرار, وهناك خلل شامل في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية و...
وأوضحوا أن الكيان والمجتمع اليمني عامة مهدّد بنتائج كارثية وليس فقط الثورة والجمهورية، ما لم تتم معالجة الخلل القائم وإجراء إصلاح شامل لأوضاع البلاد.. واعتبروا أن الاحتفال الحقيقي بهذه المناسبة ووهج الثورة واستقرارها يتمثل في تطبيق أهدافها الستة التي حدّدت أطر وأسس مستقبل اليمن، تطبيقاً حقيقياً، بحيث يشعر الشعب اليمني أن هذه الثورة ثورته ومن حقه أن يتمتّع بثمارها في حياة كريمة وعزيزة وقائمة على العدل والمساواة والديمقراطية الحقيقية والتبادل السلمي للسلطة.
وأشاروا إلى أن ترشيد العمل لهذه الأهداف لا يتأتى إلا باتفاق القوى السياسية بكافة أطيافها وأشكالها على رؤية جامعة ومن خلال حوار جاد وصادق يرسم ويؤطر ليمن مزدهر وفقاً للأهداف والأسس التي سطّرها الأحرار والشهداء اليمنيون بدمائهم وأرواحهم منذ أكثر من 60 عاماً، مطالبين الجميع، مناطق وقبائل وقوى اجتماعية حية وفعالة وأحزاباً ومؤسسات مجتمع مدني وغيرها بضرورة اقتحام هذه التحديات من خلال العمل الصادق بهدف بناء اليمن المزدهر والمتطور والمتقدم.
الأمين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية الدكتور علي عبدالكريم:
اليمن في محنة حقيقية تهدّد منجزاته التاريخية.. والحوار محطة أخيرة لإحياء المصالح المشتركة
أكد الأمين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية، الدكتور علي عبدالكريم أن ثورة ال 14 من أكتوبر 1963م انطلقت ضمن مفاهيم حركة التحرُّر الوطني على ربوع الأرض اليمنية، وكان في مشروعها الشامل العمل التكاملي لضمان إنجاح الثورة اليمنية بشكل عام، وهدفت ضمن قراءاتها السياسية وآفاقها الاقتصادية إلى تحرير الإنسان والنهوض به ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.
وأشار عبدالكريم، بمناسبة الذكرى ال 49 لثورة أكتوبر، إلى أن سبتمبر وأكتوبر كانتا مشروعين يهدفان إلى حرية الإنسان اليمني وإعادة حقوقه الكامنة دون ارتهان أو تهميش أو تسلُّط من أي قوى، منوهاً بأن ثورة 14 أكتوبر وضعت على الأرض عبر كفاح وطني طويل (مسلح وسياسي) نهاية للوجود البريطاني في الشطر الجنوبي من الوطن، وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 30 نوفمبر 1967م، والتي أقامت نظاماً وطنياً متكاملاً على أنقاض ولايات مقسمة، وهدفت إلى إرساء أسس العدل والتنمية الاقتصادية الشاملة وتحقيق الوحدة اليمنية، بآفاقها التحرُّرية، لافتاً إلى أن هذا المشروع رغم المصاعب التي جابهته تمكن من إنجاز مهمة كبيرة تمثلت بقيام دولة الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م ضمن مهمات النضال المشترك على ربوع الأرض اليمنية.
وأضاف عبدالكريم: "كان المؤمّل أن يرسي مشروع دولة الوحدة، مناخاً واتجاهاً يحقّق للإنسان اليمني حريته وانعتاقه من سياسات القهر والظلم والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز الروابط بين القطاعات الاقتصادية والبشرية، وخلق مصالح اقتصادية حقيقية عبر مشروع تنموي يشد مفاصل الوطن ويؤدي إلى إعادة تأهيل كل القطاعات التي يجد فيها الإنسان اليمني متاعاً له ولأبنائه ومجتمعه كهدف ناضلت في سبيله كل القوى الحية في الشمال والجنوب، لنجاح ثورة سبتمبر واكتمال هلالها بانتصار ثورة أكتوبر".
وفوق ذلك والحديث للدكتور عبدالكريم: "لكننا للأسف وجدنا في نهاية المطاف تنمية مشلولة وجهوية، وأن ثمة أشياء شكّلت معالم للخطأ كان عنوانها الفساد المتزايد وحكم الأقلية على الأكثرية، فضلاً عن الزج بالوطن في حروب دائمة لا يجني منها إلا المزيد من الدماء والإفقار المتزايد والنفي لكثير من القوى الحية التي ناضلت في سبيل وحدة الوطن وعزته".
مؤكداً أنه لا يوجد في مشاريع الحروب التي قادها النظام السابق والتهديد باستمرارها إلا محطات لوأد الثورة وإعلان لإنهاء كل الروابط الوطنية.
محنة حقيقية
وكشف الدكتور علي عبدالكريم أن اليمن يشهد حالياً محنة حقيقية تهدّد كل المنجزات التاريخية التي أنجزتها ثورة ال 14 من أكتوبر بآفاقها الاجتماعية وثورة 26 سبتمبر بآفاقها الوطنية، بدءاً بمنجز الوحدة اليمنية، وهو ما يتطلب قراءة سليمة من كافة القوى الوطنية، وإعادة الأمور إلى الوعاء الوطني الحقيقي الذي يقول إن الإنسان هو هدف الوحدة والتنمية والمستقبل.
وقال المتحدث نفسه: "الاحتكام إلى العقل أصبح مهمة أساسية، وحقوق ومكتسبات المواطن اليمني ينبغي النظر إليها بقلوب مؤمنة، وأن تلبّى المطالب بعيداً عن مسائل العنف أو التطرف بأشكاله المختلفة، ومعالجة قضية صعدة في إطار من الحل الوطني الشامل".
مطالباً بعدم محاصرة القضية الجنوبية، كونها الرقم الأساس في رحلتنا إلى المستقبل، وتلبية كل ما يسعى إليه أبناء الجنوب، كونهم سباقين إلى إعلاء شأن الوحدة، ملمحاً بأن كثيراً من السياسات التي انتهجتها بعض القوى وأدخلتنا في نفق مظلم، أصبح الإنسان اليمني في الجنوب ينظر إلى منجز الوحدة التاريخي أنه لم يلب طموحاته، ودفعه إلى البحث عن مخرج آخر، إلى جانب ما جرى في الشطر الجنوبي من تجاوزات لم تكن في صميم مشروع الوحدة، ولا ترتبط بحلم اليمنيين بهذا المنجز.
محطتنا الأخيرة
ويعوّل اليمنيون على مؤتمر الحوار الوطني الشامل في إيجاد عديد الحلول للمشاكل القائمة في البلاد، وفي مقدمتها القضية الجنوبية.
والحديث مجدداً للدكتور علي عبدالكريم :"نطالب أن يكون مؤتمر الحوار محطة للوقوف بوضوح كامل وإيمان عميق واتجاهات تخدم إعادة ترسيخ المشاعر الوطنية، التي وأدتها سنوات السلب والنهب والتهميش للقوى الوطنية وللإنسان اليمني، فمحطة الحوار، هي المحطة الأخيرة، وعلى كل القوى الحيّة والوطنية الجادة أن تعمل على ترسيخ المداخل التي تضمن نجاح هذا المؤتمر وأن تتمحور حولها آفاق المستقبل".
وأضاف: "ندعو إلى إعادة ترسيم حقوق الناس عبر حوار واعتراف بحق الإنسان في أن يقرر مصيره بعيداً عن أي ضغوط، وأن نعيد ترسيم كل الأمور التي تحيي المصالح المشتركة والثقافة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد".
القصة الكاملة لقيامه
اتحاد الجنوب العربي.. زيف استعماري لم ينقذ انجلترا في نهاية المطاف
في محاولة لتعزيز سيطرتها والاستفادة من بقائها أطول فترة ممكنة في الجنوب اليمني وتحديداً في مستعمرة عدن، وفي ظروف ازدياد نشاط حركة التحرّر الوطني في الجنوب اليمني وغيرها من المستعمرات والبلدان التابعة، عقب الحرب العالمية الثانية، قرّرت الأوساط الانجليزية الحاكمة إنشاء اتحاد خاضع لانجلترا من الإمارات العربية للإقليم.
وبعد محاولات فاشلة قامت بها بريطانيا في 1925م و1930م وفي الأربعينيات، إلا أنها أعلنت رسمياً في 11 فبراير 1959م عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي، وتغير اسمه لاحقاً، تحديداً منذ 4 ابريل 1962م، إلى "اتحاد الجنوب العربي" والذي دخل في عضويته في بداية الأمر ست إمارات من إمارات محميات عدن الغربية البالغ عددها 20 إمارة.
وتضمّن كتاب (تاريخ اليمن المعاصر 1918- 1982م) لمجموعة من المستشرقين السوفييت، والذي ترجمه إلى العربية محمد علي البحر، وراجعه الدكتور أحمد محمد علي، أن الامبريالية البريطانية هكذا حاولت إضافة مبدأ جديد (وحّد تسد) إلى مبدأها المشهور (فرّق تسد).
وقال إن أحسن وثيقة تكشف حقيقة اتحاد الجنوب العربي، هي الاتفاقية الموقعة مع انجلترا والخاصة بقيام الاتحاد، حيث جاء في هذه الاتفاقية أن تتحمّل بريطانيا مطلق المسؤولية فيما يتعلق بسياسة الاتحاد مع غيره من الدول والمنظمات الدولية، أي أنه لا يحق للاتحاد إبرام أية اتفاقية أو اتصالات ونحوها دون موافقة مسبقة من بريطانيا العظمى، وأن من حق الانجليز توزيع قواتهم في أراضي الاتحاد وإقامة القواعد العسكرية عليها واستخدام القوات المسلحة للاتحاد لحماية مصالحهم إذا ما تطلبت الأوضاع ذلك.
واشترطت الاتفاقية استمرار سريان مفعول الاتفاقية السابقة بشأن الصداقة والحماية التي سبق أن أبرمتها انجلترا مع حكّام إمارات الجنوب، وحصلت على حق التدخل في الشؤون الداخلية للاتحاد في حالة نشوب الانتفاضات والاضطرابات في أراضي الاتحاد.
وأوضح الكتاب أن السلطات الاستعمارية الانجليزية كمحاولة لتوسيع نطاق الفيدرالية، واجهت المقاومة الشرسة للسكان المحليين بما فيهم حكام الإمارات الرافضين اتفاقية إنشاء الاتحاد، فلم يسمحوا بانتقال السلطة إلى وريث سلطان يافع السفلى محمد بن عيدروس بعد موت السلطات عيدروس وجعلوا من أخيه البالغ من العمر 12 عاماً سلطاناً، وقصفوا عاصمة السلطنة وضواحيها، واعتقلوا ستة من رؤساء القبائل المحلية في مشيخة العوالق العليا، فيما اضطر للهجرة بعض السلاطين بمن فيهم سلطان لحج علي عبدالكريم، منوّهاً إلى أنه رغم التناقض بين السلطات الاستعمارية ورؤوس القبائل إلا أنهم لم يستطيعوا تعبئة الجماهير لمقاومة المستعمرين.
اعتراض تحقيق الوحدة
وببطء شديد توسّعت الفيدرالية، وكان هدف الانجليز ضم مستعمرة عدن إلى الاتحاد وإلغاء الشكل الاستعماري القديم هناك، وتكبيل هذه المدينة المهمة من الناحية الاستراتيجية بالقيود الاستعمارية الجديدة لانجلترا.
وبهذا كتب بداية الستينيات المفكر والصحافي المناضل عبدالله باذيب (توفي في 16 أغسطس 1976م) فاضحاً زيف الأوساط الانجليزية الحاكمة: "في الأونة الأخيرة تبذل الامبريالية كل قواها من أجل دفع عدن إلى الإدارة الذاتية المزيفة بهدف ربطها باتحاد إمارات الجنوب العربي, وهكذا يحاول المستعمرون تعزيز وتعميق ارتباط الوضع في عدن بإنجلترا واعتراض طريق تحقيق الوحدة اليمنية, يجب علينا مقاومة المفاوضات الجارية بشأن انضمام عدن إلى الاتحاد الفيدرالي والذي يديرها ممثلو وزارة المستعمرات البريطانية مع وزراء عدن ووزراء اتحاد إمارات الجنوب العربي".
وشدّد أبناء عدن من نضالهم ضد قيام الاتحاد وإلحاق عدن في عضويته, مطالبين بالاستقلال لعدن والمحميات، غير أن المفاوضات السرية في لندن وعدن بقيت مستمرة، وقوبلت المظاهرات والانتفاضات الجماهيرية لمختلف فئات السكان في عدن وغيرها من أقاليم الجنوب بالقمع، بما فيها المظاهرة المشهورة التي حدثت في 24 سبتمبر 1962م.
وفي أغسطس 1962م تم التوصل إلى اتفاق يقضي بضم مستعمرة عدن إلى عضوية اتحاد الجنوب العربي ابتداءً من مارس 1963م، وفي الوقت نفسه اتخذت القرارات القاضية بعدد من التغييرات في وضع المستعمرة، حيث استبدل المجلس التنفيذي لعدن بمجلس الوزراء الذي تكوّن من الوزير الأول والمدّعى العام وستة أعضاء معينين من قبل المعتمد، والذي بدوره تقرّر أن يسمّى بالمفوض السامي وهو الذي يقوم بتعيين الوزير الأول.
وأضاف المستشرقون السوفيت: "كما اتخذ قراراً يقضي بانتخاب أربعة أعضاء من أحد عشر عضواً معينين في المجلس التشريعي في عدن، والذي تأسس في 1947م, ومنذ عام 1958م انتخب 12 عضواً في هذا المجلس, بينما عيّن 11 عضواً آخرين, هذا في الوقت الذي أعطت السلطات الاستعمارية الأولوية لمواطني بريطانيا وحرمت أبناء اليمن الشمالي المغتربين في عدن من حق التصويت وطبّقت الشرط المالي لأهلية الانتخاب, وكانت (الانتخابات) هذه المرة محصورة أكثر مما مضى، حيث اقتصرت على أعضاء المجلس التشريعي فقط سواء المعينين منهم أم المنتخبين".
لم تتمتّع بشعبية
ولم تتمتّع الاتفاقية الخاصة بضم عدن إلى الاتحاد بأية شعبية، وعندما عرضت على المجلس التشريعي للتصويت في 24 سبتمبر 1962م، غادر الجلسة 7 أعضاء معبّرين عن احتجاجهم، وصوّت لصالحها 4 أعضاء فقط من 12 عضواً المنتخبين، ونتيجة للضغط على الأعضاء المعينين استطاعت انجلترا التوصل إلى المصادقة على الاتفاقية.
وأشار الكتاب إلى أن المعتمد البريطاني لمستعمرة عدن تشارلز جونسون اعترف فيما بعد أنه إذا كانت ثورة 26 سبتمبر في اليمن الشمالية حدثت قبل هذا التاريخ بيوم واحد، وإذا كان المجلس التشريعي وضع الاتفاقية للتصويت بعد يوم واحد من قيام الثورة، ربما كان مخططاً ضم عدن قد تعرض للفشل والانهيار.
وناقش مجلس العموم في 13 نوفمبر موضوع ضم عدن إلى الاتحاد ولم يحظ بالتأييد المطلق، ولم تمر مناقشته بسهولة في مجلس اللوردات في 12 ديسمبر، منوّهاً بعدم وجود أي خلاف مبدئي بين حزبي العمال والمحافظين بشأن مستقبل مستعمرة عدن, ببساطة وقف الليبراليون إلى جانب توفر المرونة القصوى في السياسة الخارجية لانجلترا باعتبار هذا الأسلوب يوفر أفضل الضمانات لمصالح بريطانيا العظمى في الشرق الأوسط, ويحافظ على بقاء القاعدة الحربية في عدن.
وفي 16 يناير 1963م وقّعت اتفاقية ضم عدن إلى اتحاد الجنوب العربي، وعلى إثرها احتفظت بريطانيا ببقائها في المنطقة وفي شبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط، ومنحت انجلترا حق شطب أية منطقة داخلة في مستعمرة عدن من عضوية الاتحاد إذا تطلّب ذلك مصالح الدفاع، وهكذا لم تدخل في عضوية الاتحاد جزر بريم - وكوريا موريا، وجزيرة كوريا موريا نزعتها انجلترا من جسم الجنوب اليمني قبل الاستقلال وسلمتها لسلطات مسقط وعمان، بهدف تعقيد الوضع الدولي لجمهورية اليمن الجنوبية.
وقال المستشرقون السوفييت: إن انضمام عدن إلى الاتحاد يعني سريان اتفاقية الصداقة والحماية عليه الموقّعة في فبراير 1959م بين انجلترا واتحاد إمارات الجنوب العربي، والذي بموجبه امتلكت بريطانيا حق تمركز ومرابطة قواتها المسلحة وحرية انتشارها في أراضي الاتحاد، وهو ما يعني أن اتفاقية ضم عدن إلى الاتحاد عزّز سيطرة انجلترا على عدن وجعل وجود القاعدة الحربية الانجليزية فيها قانونياً.
وأضافوا: "بدا من النظرة الأولى كما لو أن الزيف الانجليزي الاستعماري الجديد الموجّه إلى تخليد تبعية مستعمرة عدن إلى انجلترا ناجحاً, وفي الواقع دخلت عدن اتحاد الجنوب العربي المرتبط مع انجلترا بسلاسل تعاقدية، بمعنى آخر حلّ محل التبعية الاستعمارية، الشكل الجديد للاستعمار، أي نيوكلونيالزم, غير أن الأمر قد بدا هكذا فقط للوهلة الأولى".. إن الوسائل غير الديمقراطية التي رافقت قيام الاتحاد، وضم عدن إليه قسراً، أدّى إلى توتر الوضع السياسي الداخلي في الجنوب اليمني, ونشطت وبشكل عنيف حركة التحرُّر الوطني في البلاد, وفي نهاية المطاف لم يستطع الزيف الاستعماري الجديد للأوساط الانجليزية الحاكمة إنقاذ مواقع انجلترا في الجنوب اليمني!!.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.