الملل هو أحد أهم عوامل فشل أي فيلم وان تخاطر بأن تلعب في منطقة الملل لتخرج بفيلم غير ممل على الإطلاق فذلك يحتاج إلى مخرج استثنائي وطاقم عمل خارق فيلم (127 ساعة) المبني على قصة حقيقية والمرشح لست جوائز أوسكار، هو نموذج مثالي لهذه الحالة السينمائية النادرة حيث إن أغلب أحداث الفيلم ترتكز على مثل واحد فقط. يروي فيلم “127 ساعة” حكاية المغامر (أرون رالستون) الذي يذهب وحيداً في رحلة لتسلق الجبال دون ان يخبر أحداً بوجهته من خلال تصوير ممتع وآسر كعادة أفلام المخرج البريطاني (داني بويل) تأخذنا الكاميرا في رحلة ممتعة بصرياً إلى ابعد الحدود حتى أنك تظل تتساءل ما المختلف في أفلام (داني بويل) يجعل الصورة أكثر بهاءً وبتلك الدرجة من الخصوصية؟ أم أن التصوير ليس مجرد كاميرا وأدوات، وإنما هناك جزء من روح المخرج لها دخل أساسي في الشكل النهائي للصورة ودرجة ألوانها. الحدث الأساسي لفيلم (127 ساعة) يبدأ عندما يعلق أرون في أحد شقوق الجبال بسبب صخرة تسقط على يده اليمنى فتمنعه من الحركة، يعلق أرون في ذلك الشق لخمسة أيام مع قنينة ماء وكاميرا يصور من خلالها مراحل أيامه الخمسة كل ما تذكر رسالة مهمة يريد ان يوجهها لمن يحبه.. وسط الإحباط الذي قد يسيطر على شخص عالق في أحد الشقوق تقوده رغبته للحياة إلى أغرب سبل النجاة، طريقة لا يمكن ان تخطر ببال أحد خارج ذلك المأزق.. نعم يستطيع ارون النجاة من خلال قطع يده اليمنى العالقة تحت الصخرة بواسطة سكين كان يحمله معه. كيف جعل (داني بويل) فيلماً كهذا غاية في الإمتاع؟ أولاً السيناريو الذكي الذي كتبه بويل بالمشاركة مع (سايمون بيوفيو) الذي جعل من شق الجبل الضيق فضاء يتسع باتساع ذاكرة أرون الذي تمر بمخيلته كل مراحل حياته من خلال الفلاش باك ولكن بطريقة مبتكرة جداً تقودنا إلى السبب الثاني. ثانياً: التصوير الرائع والمونتاج السحري يوفر فيلم (127ساعة) متعة بصرية مذهلة بجانب ما ذكرناه سابقاً، فالتصوير داخل شقوق الجبل كان مذهلاً كانت الكاميرا تتحرك بحرية تامة رغم ضيق موقع التصوير، كذلك لقطان وجهات النظر كانت مبتكرة وغربية ستخرج من الفيلم وأنت تتذكر تماماً علاقة ارون بقنينة الماء، حيث أبدع المصوران (انريكي تشيدياك وانتوني دود) في خلق حالة بصرية مدشهة ما بين القنينة الماء وارون.. وإني هنا أستغرب تماماً من عدم حصول هذه التحفة التصويرية على ترشيح لجائزة أفضل تصوير بالنسبة للمونتاج الناري للمونتير (جون هاريس) الذي استحق ترشيحاً للأوسكار عن هذا الفيلم خلق المونتير حالة إبداعية فريدة بتقطيعاته السريعة ولعل أجمل ما سيذكرنا بالفيلم هي تلك اللقطات الثلاثية التي تقسم الشاشة إلى ثلاثة أقسام بحيث تقدم الفلاش باك بشكل مبتكر له ستايل خاص. ثالثاً: الممثل المبدع جيمس فرانكو المرشح بقوة لنيل جائزة الأوسكار عن أدائه الاستثنائي في هذا الفيلم هو بالتأكيد أحد أهم الأداءات التمثيلية في السنوات الماضية ولولا وجود كولين فيرث في قائمة الترشيح لفئة أفضل ممثل عن فيلم خطاب الملك لكان فرانكو هو من سيحصل على الجائزة بكل تأكيد. رابعاً: أحد أهم عناصر فن السينما وهو الموسيقى التصويرية، قدم الموسيقار الهندي الشهير رخاء الله الرحمن مجموعة من أجمل المقطوعات الموسيقية لهذا الفيلم, استحق من خلال موسيقاه الترشح لجائزتي أوسكار ,واحدة في فئة أفضل موسيقى تصويرية والثانية في فئة أفضل أغنية فيلم, وباعتقادي فرحمن هو الأقرب للحصول على جائزة لفيلم 127 ساعة, من بين بقية الفئات التي رشح لها الفيلم, خصوصاً أغنية الفيلم الرائعة التي غناها رحمن مع المغنية البريطانية الشهيرة ديدو. داني بويل مخرج مختلف له خصوصية شديدة وأستغرب أيضاً عدم حصوله على ترشيح في فئة أفضل إخراج, يبدو أن الحظ خدمه أكثر في فيلمه السابق (المليونير المتشرد) الذي حظي بتغطية إعلامية ضخمة لم تتوفر لفيلم 127 ساعة, رغم أنه من أعلى الأفلام تقييماً من قبل النقاد هذا العام.. في النهاية يبقى هذا الفيلم تجربة جميلة توصل رسالة إنسانية مهمة مفادها أنه ليس هناك شيء باستطاعته الوقوف أمام رغبة الإنسان في الحياة, حتى لو كان الثمن جزءاً من جسده.