عاش في قديم الزمان رجل فقير يعمل خياطاً يدعى حسن سيف، عرف بالبلاهة والخوف، ودأب على الخروج يومياً من بيته إلى دكانه في انتظار زبائنه إلا أن الحظ كان يعاكسه وقل أن يطرق بابه زبون. أخذت الأيام تمر عليه طوالاً، لا يجد ما يقتل به وقته ويملأ فراغه وإذا عاد إلى بيته مبكراً تسأله زوجته عن حصيلة يومه فلا يجد ما يقدمه لها أو يرد به عليها، حتى أخذت زوجته تفقد ثقتها به واحترامها له يوماً بعد يوم، وبدأت تضعف أمام إغراء أحد الجيران الذي راح يبثها غرامه لتلتقي به ما بين وقت وآخر. وبينما كان ذات يوم جالساً كعادته في الدكان شاهد الذباب يتساقط على الأرض ويتجمع حول قطرات من الحليب ويتزاحم عليها ويتنقل من جهة إلى أخرى، فعمد إلى صب بعض الحليب على الأرض ليرى كم سيتساقط عليه وأية معارك ستدور بين الذباب، وبق راقها ويتفرج عليها وهي تتهافت عليه. خطرت له فكرة التسلي بقتل الذباب المتجمع حول الحليب، فأخذ يضربه بكفه، أو يطبق عليه بقبضته أو يضربه بعصاه كلما حاول السقوط عل الحليب.. ارتاحت نفسه لهذا العمل الذي ملأ فراغه ، واعتبر نفسه في حرب مع الذباب، فأحضر قطعة خشب وراح يعمل بمطواة (سكين) فيها، يشكلها ويمثلها حتى غدت على هيئة سيف، فأخذ يمسك به من قبضته ويهزه، ويضرب به على الذباب معتبراً نفسه في حرب معه، معتبراً ما قتل منه ضحايا سيفه البتار، وما يتحرك ولا يقوى على الطيران من الأسرى، وما طار يعتبرهم جبناء فروا من المعركة.. بقي في معركته مع الذباب إلى أن آن أوان إغلاق الدكان فقام بإحصاء الذباب الذي قتله بسيفه قبل أن يعود إلى البيت ليواجه زوجته بشجاعة عندما تسأله عن حصيلة يومه، وما أن دخل باب بيته حتى بادرته متسائلة: - ماذا رجعت لنا اليوم؟ ما إن سمع سؤالها حتى أخذ يتمشى أمامها ويستعرض عضلاته ويفرك كفيه وهو يجيبها: - اليوم قتلت عشرين، وجرحت عشرة، وهربوا عشرين... ويعلم الله ايش الذي سيكون من معركة بكرة. سمعت زوجته إجابته فلاحظت الجدية عليه فأكبرته وبدأت تستعيد ثقتها به وتخشى بطشه إذا عرف علاقتها الغرامية مع جارها، وهي لا تعرف أية معركة خاضها ولا أي قتلى وأسرى يتحدث عنهم، وقررت تحذير عشيقها من غضب زوجها ونقمته فقالت له عندما جاء لمقابلتها: - حسن أصبح رجلاً شجاعاً، وأخشى أن يكتشف علاقتنا، والأحسن أن تبتعد عني.