كلمة فنان هي ترجمة للكلمة اللاتينية artist أو ardist وأعتقد أن هناك استخداماً لهذه الكلمة غريب من قبل الكتاب والنقاد العرب الذين يمارسون عملية النقد والكتابة حول الفنون.. فقد وجدت في القاموس العربي أن كلمة فنان تعني الحمار، وعند التوسع في المعنى عند أهل اللغة نرى: الفنون: هي الأخلاط من الناس. وأن المجلس يجمع فنوناً من الناس, أي ناس ليس من قبيلة واحدة. والفن يعني الطرد أو الإخراج, وفلان فن الإبل أي طردها. والفن الحال, والجمع أفنان, والتفنين أي التخليط, أي التنويع. ورجل مفن أي يأتي بالعجائب (ماهر), والرجل يفنن الكلام أي يشتق فناً بعد فن, والفنان الحمار... إذن ماهي الكلمة العربية التي يمكن أن نضعها أمام الكلمة اللاتينية artiste؟. أهل اللغة وضعوا معاني كثيرة لترجمة هذه المفردة وهي: نقاش, رقاش, مزوق, مصور, رسام, مفن... وعندما نتصفح القواميس الأجنبية مثل انكليزي عربي أو فرنسي عربي نجد أن معنى artiste هو: فنان, وهذه الكلمة تعني: الفنون التشكيلية والسمعية والحركية.. وأعتقد أن كلمة مفن أو المفن هي التي تقابل كلمة artiste.. ولنتصور أو نتخيل بأننا نستخدم كلمة فنان بالمفهوم العربي فنقول مثلاً إن فلاناً من كبار الفنانين أي من كبار الحمير. ولكن من حسن الحظ أننا نستخدمها بالمفهوم الغربي وأن الناس تثقفت على هذا المصطلح الجميل وليس هناك تحريف أو تأويل له. وبالتالي انطبعت ثقافتنا بهذه المفاهيم وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من لغتنا ومقبولاً ومتماشياً مع حركة التطور العامة للشعوب التي فيها تقاطعت الدماء والأجناس والأصول واللغات. وكان هناك كتاب لأحد علمائنا القدامى وهو المقريزي اسمه (ضوء النبراس وأنس الجلاس في أخبار المزوقين من الناس) وهو يتحدث عن عدد كبير من المصورين العرب في العصور الإسلامية السابقة ولكن مع الأسف فُقد هذا الكتاب مثل غيره من آلاف المخطوطات التي نهبها الأجانب.. ولو أن المقريزي كان اليوم عائشاً بيننا لوضع عنواناً آخر للكتاب مثلاً - تاريخ الفنانين العرب - وقد اعتبر ابن خلدون وأبو حيان التوحيدي بأن الخط ضمن الصنائع. فالخطاط والمزخرف والنقاش هو صانع. ولهذا فإن الفن يدرج مع تعلم العلوم الأخرى. وقد جاء في تراثنا العربي والإسلامي دعوة صريحة لطلب العلم ومجالسة العلماء وأهل الأدب ومزاحمتهم حد الركب فقالوا: كن عالماً أو متعلماً ولا تكن ثالثاً فتهلك. وقالوا اطلب العلم من المهد إلى اللحد. وقالوا اطلب العلم ولو كان في الصين.. (وهو مثل يضرب في ذلك الوقت لبعد المسافة). سقراط: كان سقراط في شبابه مثالاً -نحاتاً- وكانت آراؤه تغذي عقول الفنانين وتؤثر فيها منذ اكتشاف الصفة المشتركة بين طائفة من مظاهر الطبيعة وبين آثار الفن وحددها بالجمال فقال: (الناجحون في الدنيا يبحثون عن الظروف التي يريدونها فإذا لم يجدوها وضعوها بأنفسهم). سينيقراط: هو أحد المثالين اليونانيين, أصدر كتاباً في القرن الثالث قبل الميلاد عن الفن, أشار فيه إلى ظهور مصور يدعى - أبيل - حيث كانت أعماله تباع بأرقام خيالية, ويقال إنه رسم للأسكندر لوحة تمثله راكباً على حصانه، فلما اقترب الحصان الفعلي منها صهل. المثال بوليكليت: يقول بعض فلاسفة الإغريق إن مرد جمال الآثار الفنية إلى قيم رياضية منبثة فيها, يحدد الفنان أعدادها وأكمامها, وكان المثال بوليكليت له دور في وضع وتحديد قيم عددية للتناسب في الجسم الإنساني. وكان قانون بوليكليت قد تضمن أبعاداً محدودة لكل جزء من أجزاء الجسم البشري، ومعادلات تنظيم النسبة بين الأجزاء بعضها إلى البعض. ومثالية الجسم السليم تظهر آثارها في استدارة الوجه وامتلاء الجذع وقصر الساقين واتساع الكتفين.. وبهذه يوحي القانون شعوراً بالقوة لا بالرقة والدعة. مايكل انجلو: ( إن الرسم أساس كل معرفة، فالمعاني لا تتضح إلا إذا خطت على الورق. والخطوط إنما تجلو المعاني والأفكار). ليوناردو دافنشي: نصح دافنشي بدراسة بقع الحائط طلباً لموضوع وتكوين, فإن مثل هذه الأشياء تملك القوة على الإيحاء، بل وحتى على خاصية سحرية. وهذا يذكرنا بأسلوب وتقنيات الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد عندما اتخذ من شقوق وخدوش الجدران مواضيع له مضيفاً إليها بعض الكتابات والأحرف أو الأرقام. هيجل: (إن الفن يكفي حاجة الإنسان إلى الوعي بعالمه الداخلي وعالمه الخارجي على السواء بواسطة تلك الموضوعات التي تعكس له ذاته وفعله ليرى نفسه من خلالها ويكتسب الفن بناءً على ذلك قيمته المعرفية الكبرى للإنسان...). كما يرجع هيجل الجمال في الفن الى اتحاد الفكرة بمظهرها الحسي, والنظر إلى الفكرة ذاتها يكون الحق. ولكن النظر إلى مظهرها الحسي يكون الجمال. برناردشو: كان برناردشو يعبر عن آرائه بوجهة نظر راسكين ووليم موريس باعتبار أن الفن كعمل ممتع, ويشاركهما في هذا الرأي كل من جوتيه وبودلير. كما كان برناردشو قد نادى بشعار الفن للمجتمع. ويقول (إن أعظم فنان إنما هو ذلك الذي يثبت بتصوراته إلى ما وراء مطالبنا, حيث يعمل على إمدادنا بأعمال على مستوى عالٍ من الجمال). تولستوي: يعرف تولستوي الفن: (بأنه نشاط انفعالي أو هو بمعنى أدق لغة وتوصيل للانفعالات). كما يعتبر تولستوي أن معيار النقد هو انتشار العمل الفني والذي يكون مقياساً لأصالته وجودته.. وهنا يركز تولستوي على أهمية الذوق العام في عملية الحكم والتقييم للعمل الفني. فان كوخ: يعتبر فان كوخ مؤسس المدرسة التعبيرية الحديثة في الفن، كما يعتبره البعض مفكراً ومتديناً ومنظراً, وكانت رسائله التي يبعثها إلى أخيه تيو Teoخير دليل على ذلك (إن الإنسان لم يأتِ إلى هذه الأرض لكي يكون سعيداً فحسب، بل إنه لم يأتِ إليها إلا ليكون ببساطة أميناً). (أريد أن أرسم صديقاً, فناناً, شاعراً، يحلم بأشياء عملية ويعمل كبلبل يغني، لأن الطبيعة خلقته هكذا). وقد وردت كلمة أميناً في القرآن الكريم بمعنى الخلافة في الأرض وإقامة العدل بين الناس. نيتشه: (ما لم تكن لديك حالة من التشوش والاختلاط فإنك لا تستطيع أن تضع ميلاداً لنجم جديد). راسكين: (إن الذوق ليس جزءاً من الأخلاقية وشاهد عليها فحسب، بل إنه وحده الكفيل بالتعبير عنها). وهنا لا بد من أن نذكر بأن الذوق أو التذوق ينقسم إلى قسمين الأول هو تذوق فطري والذي عادة ما نجده مطبوعاً عند كل إنسان، لأن النفس تميل إلى الجمال والكمال بطبيعتها, فعندما يشاهد الإنسان عملاً فنياً تحدث هناك عملية انجذاب واندماج بين المتذوق والعمل الفني. والثاني هو التذوق الإبداعي والذي يتأتى من خلفية ثقافية واسعة وفيها يستطيع الإنسان من تقييم العمل الفني ووزنه والحكم عليه. شوبنهاور: (إن جميع الفنون تطمح إلى ما بلغته الموسيقى من أوضاعها التجريدية). ارنست فيشر: (إن الفن هو الأداة اللازمة لربط - الأنا - الضيقة بالكيان المشترك للناس, وبذلك يجعل فرديته اجتماعية). اندريه بريتون: (إن تمثالاً مجرداً تماماً من أي أهمية في مكانه المناسب يصبح موضوعاً عجيباً فيما لو وضع في حفرة وهذا هو الحال مع الوجود عموماً. إنه جداً ممل في مكانه المناسب, إنها لمهمة الفن أن يقلب عربة التفاح. أن ينتزع الأشياء من طمأنينة وجودها الاعتيادي وأن يضعها حيث لم تكن قبلاً قط ما خلا في الأحلام). كوكان: الفن لأجل الفن لمَ لا؟ الفن لأجل الحياة لمَ لا؟ الفن لأجل المتعة لمَ لا؟ ما الذي يهم طالما أنه سيظل فناً. سيزان: (أعتقد أنني أصبح أكثر صفاءً في مواجهة الطبيعة). براك: (لقد خلق الفن ليهز النفس والعلم ليطمأنها). بيكاسو: (ليس للفن ماضٍ ولا مستقبل, والفن الذي لا يقوى على تأكيد نفسه في الحاضر لا يستطيع اكتشاف ذاته أبداً, والفن المصري والفن الإغريقي لا يمتان الى الماضي, إنهما أكثر حياة اليوم مما كانا بالأمس. إن التغير ليس تطوراً, فإذا ما غير الفنان وسائل التعبير فإن هذا لا يعني أنه قد غير تفكيره).. (العمل الوحيد للمصور هو أن يمارس التصوير). كاندنسكي: (إن ما هو ضروري هو شكل من الفن أقل جاذبية للعين وأكثر جاذبية للروح). بولوك: (إن الجمهور لم يعرض عن الإنتاج الفني الجديد بدليل أن الفن الحديث وخاصة التجريدي قد طغى حتى في صناعة النسيج والسيراميك وحتى في هندسة الأبنية وتصميم السيارات والأثاث). الغزالي: يذكر الفيلسوف الصوفي الغزالي بأن الجمال (ينقسم إلى جمال الصورة الظاهرة المدركة بعين الرأس وإلى جمال الصورة الباطنة المدركة بعين القلب ونور البصيرة). يعتبر الغزالي من رواد الفكر التجريدي إن صح التعبير، حيث دعا إلى أن جمال الصورة الباطنية هي الحقيقة, ولهذا كان الممهد الأول للفن الحديث الذي يبحث عن ماهيات الأشياء فكان بيكاسو وبراك وكاندنسكي وبول كلي وغيرهم قد فككوا الأشياء وأحالوها إلى سطوح وخطوط ونقاط من أجل الوصول إلى المضمون أو الحقائق الكامنة وراء الأشياء. ابن حيان التوحيدي: (ولقد اعتبر العرب الجمال في الكمال, ذلك لأن الجمال يبدو في العقل والبلاغة والصناعة كصناعة الخط). سيد قطب: (إن الجمال عنصر مقصود في بناء الكون وإن صنعة الصانع فيه بديعة التكوين جميلة التنسيق. ونحن ليس بحاجة إلى برهان للدليل على جمال الأشياء). شاه ولي الله - من كتابه لمحات - (إن الزخرفة تعبر عن المطلق - بالنقطة - وهي الأولية الرياضية في تشكيل الزخرفة.. وهي نقطة التقاء العلاقات الأساسية للوجود والتي تقع تحت المرئي لعالمنا). فائق حسن 1914 - من رواد الفن العراقي - (من يمارس الفن عليه أن يخلص له فإن هو تمكن من أن يخدع الآخرين فهو لن يتمكن أن يخدع نفسه، لأن الإخلاص في عملي يجنبني الأخطاء). (إنني رسمت الحياة غير المترفة.. والرسم بغنائية وجمال لا يعني ترفاً.. والخيل كما اعتقدها تمثل رمزاً واقعياً لحياة القرية.. فالحصان رمز الأصالة). وكان فائق قد أسس أول معهد للفنون في العراق سنة 1939 بعد تخرجه من مدرسة البوزار في باريس سنة 1938. جواد سليم - من رواد الفن العراقي - (من الصعب أن نقول إن في العراق اليوم مدرسة خاصة للرسم والنحت وهذه الصعوبة يصطدم بها الناقد لدراسة المدرسة الفنية في أي بلد آخر. والفن اليوم أصبح عالمياً يجمع الماضي والحاضر. وعالمية الفن هي تذوق أكثر ما يمكن تذوقه من الفنون العالمية لدى الشعوب المختلفة). يعتبر جواد فكراً مميزاً استطاع أن يتجذر في التاريخ والموروث الحضاري السومري والبابلي والتواصل مع الفن الإسلامي، كما اكتسب خبرات عديدة وحديثة عندما كان يدرس في روما سنة 1939 وكذلك في لندن سنة 1946. أسس فرع النحت في معهد الفنون الجملة، كما أسس جماعة بغداد للفن الحديث سنة 1951.