شهدت الاحتجاجات الشعبية المؤيدة والمعارضة للنظام في اليمن خلال الأيام الماضية تصعيداً ملحوظاً نتجت عنه مصادمات دموية مؤسفة، في ظل رفض الأطراف السياسية الوصول إلى خارطة طريق للخروج من الأزمة الراهنة والتي كشفتها وثائق ويكليكس أنها مؤامرة لإدخال اليمن في الفوضى المنظمة عقدت صفقتها في العام 2009 في السفارة الأمريكيةبصنعاء بين الزعيم في التنظيم الإخواني للمسلمين وأحد أكبر الأثرياء في اليمن حميد الأحمر، ومسئول أمريكي بالسفارة. فقد نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن برقية دبلوماسية أمريكية سرية سرّبها موقع (ويكيليكس) أن زعيماً في حزب الإصلاح الإسلامي المعارض في اليمن، حميد الأحمر، كان قد التقى مسؤولاً رفيع المستوى في السفارة الأمريكيةبصنعاء قبل أقل من سنتين وكشف له عن مخطط سري للانقلاب على النظام، وذلك بأن الأول وعد بإثارة تمرّد في اليمن في العام 2011 الجاري، من خلال تنظيم مظاهرات ضخمة مماثلة لتلك التي أطاحت بالرئيس الاندونيسي السابق سوهارتو، حيث قال الأحمر في تلك الوثيقة: “لا يمكننا أن ننسخ (ما فعله) الاندونيسيون بالضبط، لكن الفكرة هي الفوضى المنظمة”. وفيما يرى محليون أن تسريب هذه الوثيقة هو عمل أمريكي يفضي إلى قناعة أن نظام الرئيس علي عبدالله صالح مازال هو الأقوى والشريك والصديق الأفضل لها مستقبلاً، بعدما تكشّف لها أن المعارضة من اللقاء المشترك في اليمن المتعددة الأيديولوجيا والمختلفة في الرؤى لن تتمكن من تسوية الوضع, بل قد تزيده سوءاً وهو ما قد يفقد أمريكا مصالحها في اليمن وفي السعودية، التي هي الأخرى تعترف ان انفجار الوضع في اليمن سوف يؤثّر عليها مباشرة.. وهنا بدأت المساعي الخليجية تتقدمها المملكة العربية السعودية في الدعوة إلى احتضان حوار يجمع كافة الأطراف السياسية في اليمن لحل الأزمة، والتي رحّبت أمريكا بتلك الجهود واعتبرتها الحل الوحيد للأزمة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية “مارك تونر” في بيان صدر بواشنطن مساء أمس: “ترحّب الولاياتالمتحدة بمبادرة مجلس التعاون الخليجي لمعالجة الوضع السياسي الصعب في اليمن”. وأضاف: “نشجّع بقوة كل الأطراف على المشاركة في هذا الحوار الذي تشتد الحاجة إليه للتوصل إلى حل مدعوم من الشعب اليمني”. وتابع المسؤول الأمريكي قائلاً: “لقد عبّر الرئيس علي عبدالله صالح علناً عن استعداده ودعمه لانتقال سلمي للسلطة”. وأردف قائلاً: “توقيت وشكل الانتقال السلمي للسلطة في اليمن يجب تحديدهما من خلال التفاوض والحوار وعلى أن يبدأ ذلك الحوار سريعاً”.. واختتم المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بيانه قائلاً: “ومن أجل نجاح هذا الحوار يجب أن تشارك كل الإطراف في عملية تعالج المخاوف المشروعة للشعب اليمني بما في ذلك طموحاته السياسية والاقتصادية”. التحوّل في الموقف الأمريكي من الأزمة مثّل ضربة قاسية للمعارضة, وخاصة حميد الأحمر، الذي كان يخطط لانقلاب على الشرعية الدستورية، فهذا التحوّل - وفق مراقبين - جاء أيضاً بعد أن تأكد لها مشاهدات واضحة للشارع اليمني أنه لايزال الغالبية أو على الأقل “النص” مع الرئيس علي عبدالله صالح، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام سيل من التأكيدات العربية والدولية الداعمة للحوار والانتقال السلمي للسلطة. وأياً تكن الأسباب والدوافع، فإن التحوّل في موقف الأمريكي أعطى النظام دعماً إضافياً للحفاظ على مكتسباته وإنجازاته التي حققها خلال السنوات الماضية، وبشهادة من انشقوا عن هذا النظام من عسكريين ومدنيين، أنه من الأجدر الحفاظ عليها وعدم تركها عرضة للتدمير من قبل مندسين وشباب مضللين غير مدركين واقع حال اليمن الاقتصادي الذي تأثر سلباً بهذه الأعمال جراء توقف المشاريع الاستثمارية والحركة السياحية، والأعمال التجارية في البلاد. حيث توقعت تقارير محلية أن يتكبد الاقتصاد اليمني نتائج كارثية إذا استمرت الاعتصامات والاحتجاجات التي دخلت شهرها الثالث. وأوضحت مصادر حكومية في تصريحات صحفية أن العجز في الموازنة العامة للدولة قد يرتفع إلى 4 مليارات دولار نهاية العام الجاري، كما ستنخفض الإيرادات العامة سواء الضريبية أم الجمركية نتيجة تباطؤ حركة التجارة والاستثمار خلال الأشهر الثلاثة الماضية.. فيما بيّن نائب رئيس الغرفة التجارية والصناعية في أمانة العاصمة صنعاء محمد صلاح أن الخسائر المالية جراء الاضطرابات السياسية التي يشهدها اليمن وصلت إلى مليار و300 مليون دولار، كما شلّت الحركة المصرفية في البنوك اليمنية بنسبة 40 في المائة حسب التقديرات الأولية، بينما زادت البطالة نتيجة توقف المشاريع الحكومية والتابعة للقطاع الخاص، كما توقف القطاع السياحي بشكل تام، وتراجع ضخ النفط بسبب توقف عمل بعض العمال الأجانب. ولمواجهة مؤامرة إدخال اليمن في فوضى منظمة يرى الكثيرون من السياسيين اليمنيين والعرب، ضرورة حل الأزمة سريعاً من خلال حوار يفضي إلى اتفاق لتكاتف كل القوى السياسية في اليمن، بصرف النظر عن توجهاتها بضرورة الحفاظ على اليمن من هذه الفوضى.